شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
القاهرة تحتفل بمتحف ابنها

القاهرة تحتفل بمتحف ابنها "نجيب".. و"خناقة" على المصمم الحقيقي له

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 27 يوليو 201905:38 م

لم تحتفِ القاهرة بأديبٍ لها قدر ما فعلت مع الأديب نجيب محفوظ، ذلك لأنه أخلص لها وخلّد حواريها في رواياته، فحفظت اسمه بين جنبات ضلوعها وأبقته على ألسنة أهلها لا يُمحى مهما مرّت السنون، يدعونه إلى اليوم في أزقة بين القصرين وقصر الشوق بـ"عم نجيب"، لذا لم يكن غريباً في طريقنا لمتحف نجيب محفوظ أن تُطالعنا لافتات كبرى تحمل اسمه في كل مكان، فور أن تدخل الجمالية تقودك حتى المدخل، وكأن العاصمة المصرية تشير بأصابعها للزائرين إليه، ألا تنسوا زيارتي دون دخول متحف فخر أبنائي.

في هذا الشهر أعلنت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، خروج متحف نجيب محفوظ إلى النور أخيراً عقب 13 عاماً من التعثر، وعلى الرغم من فرحة الأوساط الثقافية بهذا الإجراء.

إلا أنها لم تكن من نصيب الجميع، فلم يهبط هذا الإعلان برداً وسلاماً على البعض، وتحديداً على المهندس طارق المري الاستشاري السابق في وزارة الآثار المصرية حتى عام 2011، والذي عمل كثيراً على هذا الملف إبّان فترة عمله بالوزارة وحتى بعدها، وعلى الرغم من ذلك تم تجاهل اسمه لحظات الإعلان وكأن مجهوده لم يكن.

قال المهندس طارق المُري، إن الفكرة نشأت داخل مكتب وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، في عام 2006 الذي شهد رحيل أديب نوبل، بعدما دار نقاش ثلاثي بينهما بصحبة أمين عبد المنعم مدير مكتب الوزير، حول أيِّ الأماكن أنسب لاستضافة هذا المتحف، انتهى الحوار في النهاية بالاستقرار على مكانين: "قصر بشتاك" و"تكية أبو الدهب".

يقع قصر الأمير بشتاك في شارع المعزّ ويتمتع بشكلٍ معماري فريد، وسبق وأن استخدمه محفوظ في روايته الثلاثية كمكان عاش فيه بطله الأشهر السيد أحمد عبد الجواد، وفقاً لما رواه الأديب الراحل جمال الغيطاني في كتابه "المجالس المحفوظية".

أما "التكية" فأنشأها أحد مماليك محمد علي بك الكبير وهو الأمير محمد أبو الدهب، وتقبع على بُعد بضعة أمتار من جامع الأزهر وحي الجمالية الذي ترعرع به نجيب.

تابع "المري" حديثه لـ"رصيف 22": كنت معترضاً على التكية لأن مدخلها غير لائق بما يكفي لمتحف بهذه الأهمية، لكن وُجدت "إرادة عُليا" أرادته هناك، بالذات من جماعات أدبية مؤثرة على صناعة القرار من أبرز أصدقاء "محفوظ" المشاهير، كالكتّاب جابر عصفور ومحمد سلماوي وجمال الغيطاني وغيرهم. وضعتُ تصوراً مبدئياً لرؤيتي للمتحف لو تم تصميمه في قصر بشتاك، وأملاً في إقناعهم كلّفني الوزير باصطحابهم إلى هناك وشرحه لهم على الطبيعة، وبعدها بقي الأمر حبيس الأدراج 5 أعوام.

وأضاف: "عشتُ الموضوع دا فترة كبيرة لدرجة إني اتفرجت على 29 فيلم في 10 أيام لأعيش الحالة المحفوظية وأعرف كيف كان يفكر هذا الرجل"، وفي عام 2011 هاتفني محمد أبو سعدة مدير صندوق التنمية الثقافية حينها، وطلب منّي إعداد "بريزنتيشن" لشكل المتحف المتصور إذا أقيم في التكية، وبالفعل أعددته وحاضرته أمام سفيرة السويد بمصر، ومدير مكتبة الجامعة الأمريكية، وتوفيق صالح أول مَن أخرج رواية "الحرافيش" للسينما وأول من تم تعيينه مديراً للمركز.

التصور شمل قاعة لمؤلفات نجيب محفوظ، وأخرى للتراجم التي كُتبت عن نجيب محفوظ بلغات العالم المختلفة، بخلاف مكتبته الشخصية، وواحدة للفن عموماً، علاوةً على قاعات لتعليم السيناريو وأخرى تعرض شهاداته الفخرية والجوائز الكثيرة التي حصل عليها، وعلى رأسها طبعاً قلادة نوبل. وفي ذات العام تعاقدت معي الآثار على وضع أول تصميمٍ للمتحف في التكية، كان مفترضاً أن يتم تخصيصها له بالكامل، لكن "الآثار" اعترضت وطلبت واحداً من أدوار المبنى الثلاث.

لكن بعد ذلك نشب خلاف كبير بين "الثقافة" و"الآثار" قررتْ بموجبه الأولى إلغاء المشروع بأكمله ونقله إلى قصر بشتاك، فأعدت تصميم شكل المعروضات مجدداً ليتناسب مع المكان الجديد، ورغم ذلك ظل المشروع مجمداً.

إلى اليوم تسمع في أزقة بين القصرين وقصر الشوق من يقول "عم نجيب"، لذا لم يكن غريباً في طريقنا لمتحف نجيب محفوظ أن تُطالعنا لافتات كبرى تحمل اسمه في كل مكان

تصور متحف نجيب محفوظ: قاعة لمؤلفاته، وأخرى للتراجم التي كُتبت عن نجيب محفوظ بلغات العالم المختلفة، بخلاف مكتبته الشخصية، وواحدة للفن عموماً، علاوةً على قاعات لتعليم السيناريو وأخرى تعرض شهاداته الفخرية والجوائز الكثيرة التي حصل عليها

ويشرح: "من شهر لقيت خبر نازل إن الوزيرة بتتفقد المكان ومعاها المهندس كريم الشبوري، من غير ما حد يكلمني يسألني عن أي حاجة ليها علاقة بالمشروع".

ويتابع: إنه عمل استشارياً في مكتب الوزير من 2001 وحتى 2011، وقبل ذلك خاض تعاوناً طويلاً مع الوزارة لقرابة الـ20عاماً، أشرف خلالها على ترميم 40 مبنى للقاهرة التاريخية، وله مؤلفات معمارية زادت عن الـ30 كتاباً، ورغم ذلك لم يُدع للافتتاح ولم يُذكر أي شيء عن مجهوده في هذا الأمر طوال السنين الفائتة، ولا يعرف سبب هذا.

واختتم "المري" كلامه بالقول "الدور الأرضي بالكامل دا تصوري، وكان فيه حاجات أساسية كنت حاططها اعتمدوا عليها، لكن بعد تغيير شكل العرض بطريقة مش عجباني، اتضايقت إن شغلي يُنسب لحد تاني ولو جزئياً، ومش ناوي أروح المتحف لأني أجد غضاضة في قلبي".

من جانبه أكّد مصدر في وزارة "الآثار" لنا أن التكية وإن كانت مكاناً أثرياً تابعاً لها، إلا أن المتحف نفسه تابع لوزارة الثقافة، وأنهم لم يتدخلوا في طريقة تصميمه ولا في كواليس صناعتها.

وهو ما أكده لـ"رصيف 22" الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، موضحاً أن دور الآثار كان الموافقة على تصور العرض داخل المتحف للتأكد من ملاءمته لطبيعة المكان باعتباره موقعاً أثرياً، وكذلك التأكد من مراعاة التصميم المقدم لحالة الأثر ومناسبته له وأنه لن يُلحق أي ضرر بالمكان.

وأشار إلى أن التصور الذي تلقته "الآثار" من "الثقافة" حمل اسم المهندس كريم الشبوري وليس أي أحد غيره.

فيما يوضح الكاتب الصحفي، حلمي النمنم وزير الثقافة السابق، أنه عند توليه منصبه لم تكن وزارة الآثار قد سلّمت تكية أبو الدهب للثقافة بعد، بسبب الخلاف الحاد بين الوزارتين على المكان، مضيفاً أنه استغلَّ العلاقة الطيّبة التي جمعته بالدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار السابق، في إنهاء هذه التراشقات، حتى تسلمت وزارة الثقافة تكية أبو الدهب وبدأ التجهيز الفعلي لمتحف نجيب محفوظ.

وأضاف لـ"رصيف 22" أنه حتى ذلك الوقت لم يكن هناك أي تصور بشأن سيناريو العرض داخل المتحف، حيث كانت هناك العديد من المشكلات التي كان يجب النظر لها أولاً، كمشكلة الحاجة لإنشاء مصعد داخل المتحف دون الإخلال بطابعه الأثري، كذلك مشكلة أخرى تمثلت في أن المكان كان به سرداب حفره محمد بك أبو الدهب يصل إلى جامع الأزهر، حتى يتمكن من الذهاب إلى الصلاة دون التعرض للمضايقات الأمنية.

ولفت إلى أن هذه الأمور أخذت الكثير من الوقت والجهد في الترتيب وإعادة التجهيز، وعندما ترك الوزارة كانوا لم يبدأوا بعد في وضع تصور لكيفية عرضه.

من جانبه، صرّح مصدر مسؤول بصندوق التنمية الثقافية، أن تقديم أي تصور أو رؤية لعمل ثقافي تكون من خلال عقود أو مزايدات علنية أو حتى بتكليف من الوزارة، من خلال خطاب أو مراسلة تحمل توقيع الهيئة الهندسية بالوزارة، وبالتالي فإن الطرف الآخر إن كان لديه ما يثبت تقديمه لمقترحه أو تصوره عليه التوجه للوزارة لإثبات حقه، والوزارة في النهاية لن تستفيد شيئاً من بخس أي إنسان حقه.

وأضاف المصدر لـ"رصيف22"، أنه في عهد وزير الثقافة فاروق حسني لم يقدم أي أحد تصوراً لسيناريو عرض متحفي، وذلك لأنه عندما وافق على اختيار التكية لتكون متحفاً لنجيب محفوظ لم تكن مؤهلة نهائياً للتفكير في سيناريو عرض، فقد كانت تعاني من مشكلات كثيرة أبرزها تعديات العاملين في السوق المجاور عليها وتحويلها لما يشبه المخزن لتشوين بضاعاتهم.

وأشار إلى أن صندوق التنمية الثقافية كلّف المهندس كريم الشبوري بتنفيذ سيناريو العرض في فبراير الماضي باعتباره متخصصاً متميزاً في مثل تلك الأعمال وله سوابق مشرّفة بها، ولا يذكر أنه تم تقديم أي مقترح أو الاستعانة بشخص آخر بهذا الأمر.

من جهته اكتفى الأديب والمدير الحالي للمتحف يوسف القعيد بتعقيب مقتضب لنا على هذا الأمر قائلاً "مقدرش أفيد في مسألة زي دي" واعتبر أنه هذه الجزئية لا تستحق تسليط الضوء عليها في ظل أجواء الافتتاح، مضيفاً "ملقناش في الورد عيب قالوا عليه أحمر الخدين"، وأحالنا إلى صاحب التصميم باعتباره الأقدر على إيضاح هذه النقطة.

فيما رفض المهندس كريم الشبوري الرد على هذه الاتهامات لـ"رصيف 22"، مؤكداً أنه متخصص في تصميم العروض المتحفية، وأنه سبق وصمَّم العرض المتحفي الجديد لمتحف نجيب باشا ميخائيل محفوظ بمستشفى القصر العيني والذي تأسس في عشرينيات القرن الماضي، وتم تطويره وإعادة افتتاحه في مارس 2018، مستطرداً: نجيب باشا ميخائيل هو أول طبيب أمراض نساء في مصر، وهو الذي وُلِدَ على يديه نجيب محفوظ الأديب، وسُمي على اسمه عرفاناً بجميله.

وتابع: كنت أتمنى أن تُسند إليّ مهمة تصميم سيناريو متحفه لأجمع بين المتحفين. وهي الأمنية التي تحققت بالفعل، حينما فوجئ في فبراير الماضي بصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة يكلفه بتصميم سيناريو عرض متحف نجيب محفوظ، مشيراً إلى أنه كان من المفترض أن يكون هناك قاعتا عرض بالمتحف إلا أنه أضاف لها 8 قاعات أخرى، لأنه يرى أن الرجل قامة أكبر من أن تُحصر فقط في حجم مقتنياته، وإنما أراد أن يقدم للزائر كل ما يتعلق بتلك الشخصية؛ نشأتها وحياتها وتأثيرها وسيرتها.

وأوضح، أن هذا العمل استغرق منه ما يقرب ستة أشهر، بدايةً من تكليفه بالمهمة وحتى افتتاح المتحف، مشيراً إلى أنه لم يستعن بأي استشاريين أو مصممين من خارج مكتبه، معرباً عن أنه بَلَغ بسيناريو العرض بالمتحف النحو الذي يرضيه، حتى وإن وردت بعض التعليقات السلبية في شأنه، ولكن في النهاية لا أحد يصل للكمال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image