أكبر قصر رئاسي، أكبر مسجد، أكبر كنيسة، أكبر عاصمة إدارية، أكبر جسر، ومشاريع أكثر يراها مراقبون غير ذات جدوى اقتصادية حقيقية فيما يزعم الإعلام المصري المقرب أغلبه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنها "الأكبر" في المنطقة، وأحياناً في العالم كله. ما سر اهتمام السيسي ببناء مشاريع هي الأكبر في بلد تزيد فيه نسبة الفقراء زيادة غير مسبوقة؟ ولماذا يهتم بمشاريع ليس من ضمنها ما يتعلق بالتعليم والصحة؟ رصيف22 تحدث مع طبيب نفسي عن "هوس" الرئيس المصري ببناء "أكبر" المشاريع في دولة لطالما كرر أنها "فقيرة قوي".
"إحنا فقراء قوي" جملة ردّدها الرئيس السيسي عام 2017، أثناء حديثه عن ظروف مصر الاقتصاديّة الصعبة، لكن الجملة عادت للواجهة مرة أخرى في الأيام الأخيرة، على خلفية سلسلة فيديوهات للمقاول والممثل المصري محمد علي، الذي كشف عما قال إنه فساد كبير يتم في مشاريع يشرف عليها الجيش، منها بناء قصور رئاسية هي الأكبر في المنطقة. وبرغم أن علي لم يقدم دلائل على كلامه فإن ما قاله قوبل باستقبال حماسي من مستخدمين كثر أغلبهم يعارض النظام الحالي.
ولم يظل صدى ما قاله محمد علي على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، إذ رد عليه السيسي بطريقة غير مباشرة في 14 أيلول/سبتمبر عندما قال خلال إحدى جلسات مؤتمر الشباب في نسخته الثامنة إن ما تم إنجازه خلال 5 سنوات ليس لشخص أو لحكومة ولكن لأمة، بحسب تعبيره، مضيفاً "أننا أعتدنا أن كل إنجاز نقوم به تعقبه حملة كبيرة ضد البلد".
في ما يتعلق بالقصور الرئاسية، قال السيسي "قصور رئاسية؟ آه أومال إيه؟ أنا عامل قصور رئاسية وح اعمل… هي ليا؟ أنا بعمل دولة جديدة” وأضاف أن "الشائعات والادعاءات التي انتشرت أخيراً حول القصور الرئاسية، كذب وافتراء هدفها تحطيم إرادة المصريين، مستطرداً: "أيوة هبني قصور وبعمل بلد جديدة في العاصمة الإدارية".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، افتتح الرئيس المصري، مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، اللذين يعدان الأكبر في المنطقة، حينذاك انتقد مصريون اهتمام السيسي ببناء دور عبادة وتجاهله بناء مستشفيات جديدة أو مؤسسات تعليمية في بلد يمتلك عدداً كبيراً من المساجد والكنائس. إذ تفيد بيانات رسمية أن إجمالي عدد المساجد والزوايا في مصر نهاية عام 2017، بلغ 132 ألفاً و809 مساجد وزاوية، مقابل 3126 كنيسة.
وبعد أقل من شهرين على افتتاح الكاتدرائية والمسجد في العاصمة الإدارية التي تبعد نحو 45 كيلومتراً عن العاصمة الحالية، أعلنت مصر أنها بدأت في إنشاء أطول برج في أفريقيا بمنطقة الأعمال المركزية في العاصمة الجديدة، وحينذاك قالت وسائل إعلام إن البرج سيسحب البساط، عند اكتماله، من برج كارلتون سنتر وسط جوهانسبرغ، الذي يعتبر حالياً أطول برج في أفريقيا بارتفاع 222.5 متر، إذ سيبلغ ارتفاع البرج المصري نحو 385 متراً.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلنت موسوعة غينيس للأرقام القياسية رسمياً أن الجسر الذي افتتحه السيسي في الشهر نفسه، ويحمل اسم محور روض الفرج وكوبري تحيا مصر، دخل موسوعة غينيس بوصفه أعرض جسر معلق في العالم.
وكتبت الموسوعة عبر حسابها الرسمي على موقع إنستغرام أن الجسر المعلق الضخم يمر فوق نهر النيل بالقاهرة، ويسير في اتجاهين بكل منهما 6 طرق مرورية، ويهدف إلى تقليل الازدحام في العاصمة.
وبحسب ما أعلنته الحكومة المصرية وقتذاك، فإن عرض جسر محور روض الفرج يبلغ 67.3 متر، متفوقاً بذلك على الرقم القياسي السابق الذي كان مسجلاً لجسر في كندا عرضه 65.2 متر.
كذلك هناك مشاريع عدة أخرى يصفها الإعلام المصري دائماً بأنها "إنجازات ضخمة تتم في عهد السيسي"، منها على سبيل المثال المتحف المصري الكبير الذي تقول مصر إنها ستفتتحه في العام 2020، مؤكدة أنه سيكون أكبر متحف للآثار في العالم.
"غرور السيسي برأيه"
يُعرف عبد الرحمن الكواكبي، أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، في كتابه "طبائع الاستبداد"، مصطلح الاستبداد بأنه "غرور المرء برأيه"، ويرى طبيب نفسي مصري شهير في حوار مع رصيف22 أن ما قاله الكواكبي هو أفضل تعريف نفسي للحاكم المستبد، لأنه يصدر دائماً أوامر للغير ليشعر بالقوة، ولا يستعين بأهل العلم والخبرة، فرأيه بالنسبة له هو الحقيقة الوحيدة.
الطبيب الذي رفض أن نذكر اسمه، يرى أن الرئيس السيسي أعلن أكثر من مرة عدم اعترافه بدراسات الجدوى للمشاريع، وهذا ما يعني أنه "مستبد حقيقي يعتبر أن رأيه أقوى من العلم".
وفي كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، قال السيسي: "لو مشيت على دراسات الجدوى مكناش حققنا 25% مما تحقق"، وحينذاك عبّر مراقبون عن استغرابهم من حديثه عن أمر علمي بديهي يجب أن يسبق التفكير في أي مشروع.
"المستبد كثيراً ما يرغب في ترك بصمة في المجتمع الذي يحكمه لتعيش بعد وفاته، وغالباً هذه البصمة في مشاريع ليس لها علاقة بالعلم أو الفن أو الصحة، فهي مجالات يهتم بها فقط الحكام الأسوياء لأنهم يعتبرونها مشاريع تخدم مجتمعاتهم لا استبدادهم”، يقول طبيب نفسي لرصيف22
أكبر مسجد، أكبر جسر، قصور فخمة…. ما سر اهتمام الرئيس السيسي ببناء مشاريع هي الأكبر في بلد تزيد فيه نسبة الفقراء زيادة غير مسبوقة؟ رصيف22 تحدث مع طبيب نفسي شهير عن "هوس" الرئيس ببناء "أكبر" المشاريع في دولة لطالما كرر أنها "فقيرة قوي"
وبحسب الطبيب النفسي، فإن الحاكم المستبد، يعشق "التحكم في الغير وإصدار الأوامر على الملأ"، مؤكداً أن سلوك السيطرة هو الذي يعطيه إحساساً بالقوة، وهو ما يبرر لماذا يظهر السيسي في مؤتمرات صحافية ويصدر أوامر لأشخاص طالباً منهم إقامة مشاريع على الهواء، من دون أن يطلب دراسات جدوى أو يخبر المصريين بأهمية هذه المشاريع.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، خلال مؤتمر صحافي على الهواء، سأل السيسي اللواء كامل الوزير الذي كان وقتذاك رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عن مشروع محطة مائية جديدة: "المحطة دي هتتكلف 18 مليار؟"، فرد الوزير: "لا 20 مليار يا فندم"، فقال له السيسي ""لا 18 مليار فقط"، فحاول لواءان من الجيش أن يشرحا للسيسي أن هناك مليارين إضافيتين يحتاجهما المشروع، لكن السيسي قاطعها على الهواء: "ماليش دعوة.. أنا ليا المحطة".
ويقول الطبيب النفسي أن هناك خمس صفات تميز الحاكم المستبد، أولاها الاعتماد على القوة، لأن المستبد لا يعترف إلا بلغة القوة، وهو ما يفسر اهتمام السيسي بالجيش المصري وتطويره، ومحاولة التحكم فيه وجعله تحت سيطرته دائماً.
الصفة الثانية هي "احتقار الخصوم"، وهو ما يظهر في طريقة تعامل السيسي مع خصومه خصوصاً جماعة الإخوان ونشطاء فيسبوك، فهو لا يعترف بهم ولم يفكر يوماً في تواصل حقيقي معهم أو دمجهم في المجتمع، بل يرى أن أفضل تعامل معهم هو قتلهم أو اعتقالهم.
الصفة الثالثة هي "الخوف"، إذ في داخله "شخص جبان”، حسب وصف الطبيب، دائماً يحيط نفسه بجيش قوي، وحراس، ولا يمشي في الشوارع من دون حراسة، وسبب ذلك أنه يخاف من الناس لظلمه المستمر لهم.
الصفة الرابعة هي “الغباء"، هنا يؤكد الطبيب النفسي أن أغلب المستبدين في التاريخ يحتكمون للقوة وليس للعقل.
الصفة الخامسة هي الهوس ببناء مشاريع توثق عهده، وغالباً ما تكون هذه المشاريع غير مفيدة لشعبه، ولا جدوى حقيقية من بنائها، لكنها محاولة لإثبات القوة، وأنه قادر على صنع المستحيل، وهذا ما يفسر رغبة السيسي المستمرة في أن تنتهي المشاريع التي يقوم بها في وقت قياسي، طالباً من وسائل الإعلام استخدام كلمات مثل "أكبر" وأعظم" مشروع، فهذا يرضي صفة الهوس التي تميز شخصيته، "لأن المستبد يرغب في ترك بصمة في المجتمع الذي يحكمه لتعيش بعد وفاته، وغالباً هذه البصمة تكون في مشاريع ليس لها علاقة بالعلم أو الفن أو الصحة، فهذه مجالات يهتم بها فقط الحكام الأسوياء لأنهم يعتبرونها مشاريع تخدم مجتمعاتهم لا استبدادهم".
وحاول رصيف22 التواصل مع اثنين من أساتذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة ليفسرا العلاقة بين إقامة مشاريع ضخمة وبين الاستبداد، لكنهما رفضا الحديث لأسباب خاصة بهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين