"غروبات للكحول" في موقع فيسبوك... بدا الأمر مثيراً بالنسبة لي منذ البداية، قليلة هي الثقافة الكحولية في مصر مقارنة بثقافة "الحشّاشين" المنسوبة لمخدر الحشيش، جيّد أن أطلع على هذا العالم من الناحية الصحفية، صديقي الذي أدخلني إلى أحد التجمّعات السرية أكد لي أن نظرتي التقليدية لتلك التجمعات ستتغيّر، هؤلاء ليسوا مجموعة "مخمورين" يشربونه ليلاً ونهاراً ويتبادلون النساء أو يسّهلون عملية الدعارة، عليك أن تتخلى عن تلك النظرة السينمائية الساذجة.
أخذت بنصيحة صديقي وبدأت متابعة alcohol lovers وهو اسم الغروب الذي يتخطى عدد أعضائه التسعة آلاف، وبعيداً عن تنوّع صور الزجاجات الذي يصدم عينيك منذ البداية، لتعرف أن الخمور ليست الثلاثة أو الأربعة أنواع التي تحفظ أسماءهم من الأفلام، فإن بداية التفاتي الحقيقي لهذا العالم بدأ منذ شهرين، ففي بداية موسم الصيف وحيث الإقبال الكبير على مناطق مثل "شرم الشيخ - دهب"، بدأت بعض كمائن الشرطة بالتضييق على المصيفين الذين يحملون خموراً، رغم أن ذلك غير ممنوع طالما الزجاجة غير مفتوحة ومغلفة وبالطبع لا يشرب أحد منها، لكن التضييق شمل التوقيف وأخذ بعض الزجاجات احياناً.
الحذر من الكمائن
اختلط الأمر على البعض، وبدأوا يتساءلون عن مدى قانونية حمل زجاجات الكحول، وهنا بدأ جزءٌ من مجتمع شاربي الكحول يتفتح أمامي، حين وجدت أكثر من منشور قانوني يتحدّث أن ما تفعله كمائن الشرطة "باطل"، وفيما يشبه حالة الطوارئ بدأ كل مسافر يحكي عن تجربته في السفر لشرم الشيخ ودهب، وإعطاء صورةٍ كاملةٍ عن كل الكمائن تقريباً وعن الضباط أيضاً: من المتساهل، من الذي لو دافعت عن نفسك بقوةٍ أمامه سيتركك، ومن الذي يجب الحذر منه؟ تلك الصورة التي جسدّت معنى التضامن كان لها أثرها في نجاح الإفلات من أي تضييق لكثيرين.
أما إن كنت لا تحب المخاطرة والوقوف في كمائن من الأساس، فلا بأس، لأن أسئلة أين أجد "باراً" في منطقة كذا، وأي الأسعار أفضل، وما هي الأماكن التي تبيع "خمور مضروبة" أو أماكن "أسعارها مبالغ فيها"، كلها روتينية، أما الأجوبة فهي خريطة كاملة لكل بارات مصر وبعض الدول المجاورة وأسعارها، وتحذيرات من أماكن بعينها بجانب أناس يعملون في البيع "أون لاين" وهؤلاء موثوق فيهم بحسب تجارب عدد من الأعضاء، في مجتمع شاربي الكحول ستجد المساعدة دائماً من أناس لا تعرفهم لكن نصائحهم مثمرة.
مساحة أمان
أحمد نصر الدين من مصر (26 عاماً)، وهو أحد أعضاء المجموعة، يعمل مصمم غرافيك في إحدى الشركات الخاصة بمجاله، شاركني تلك الوجهة، فالغروب يساعده في إيجاد أماكن يمكن شراء الخمور منها، خاصة خارج القاهرة التي يعيش فيها، بالطبع كانت مشكلته في أي محافظة أن يسأل عن أماكن البارات أو محلات بيع الخمور، ففي ظل مجتمع محافظ لن تكون الردود ودودة في أغلب الأحيان، ورغم اعتماده في البدء على الإنترنت، لكن حتى مع اقتراحات غوغل، فإنه لا يمكن معرفة أي الأماكن أفضل من ناحية الخدمة وأيهما أسرع إن احتجت شيء، وهو ما تكفل به الجروب.
أما أحمد الجرزاوي، والذي يعمل في إحدى الوكالات الإعلانية، ويبلغ من العمر 21 عاماً ويعيش في الجيزة، ويشترك في أكثر من غروب للكحول، فإن تلك التجمّعات، بالنسبة له أداة معرفة عن كل شيء يخص هذا العالم، فقبله لم يكن أكثر من شارب، يعتقد أن الخمور كلها تُذهب العقل، ونسبة تأثير الكحول فيها هي ما يحدد درجة سُكرك، لكن بعد المتابعة عرف أن درجة السُكر لا تتعلق بتأثير نسبة الكحول بل بكيفية شربها، لذلك فإن الإضافات مهمة جداً في التأثير، وأقصد بالإضافات "الثلج والصودا والمياه"، فالإضافات يمكنها تخفيف التأثير، كما عرف أيضاً أن الطعام له دور قوي، فبعض الأطعمة كالأسماك واللحوم تتفاعل أكثر مع بعض أنواع الخمور، لذلك فيجب الحذر عن شرب أنواع بعينها مع طعامك.
نصائح في أوقات السكر الثقيل
تخيل أن تكون في جلسة شرب ويحدث تطور سلبي لأحد الجالسين، وقتها لا يمكن الاستعانة بجار أو الاتصال بطبيب، أو حتى كتابة ذلك على إحدى غروبات المساعدات الطبية، ولو أنك تشرب سرّاً سيكون من غير اللائق سؤال أي طبيب تعرفه في مجتمعنا، فإن اللوم ونظرة الاحتقار ستكونان من نصيبك، سيف منير الطالب الجامعي الذي يعيش في القاهرة ويبلغ من العمر 20 عاماً، يقول ذلك، ويرى أن في تلك الغروبات طوق نجاة، وقد أصيب صديق له بحالة من القيء المستمر نتيجة شرب الكحول، وأنقذه طبيب من إحدى تلك الغروبات بعد أن استفسر عن نوع الكحول والطعام الذي تناوله، وظل معه حتى أفاق صديقه وعاد لوعيه، حدث ذلك دون أن يوجه له كلمة لوم واحدة.
والإسعافات الأولية لتطورات الشرب جزء أساسي في غروبات الكحول، وكثيرة هي الأسئلة التي تتطلب مساعدة فورية ومن يجيبون نوعان، إما أطباء أو شاربو كحول لديهم من الخبرة ما يجعلهم جديرين بتقديم النصائح التي عادة ما تؤتي ثمارها، حتى بات لقب "علماء الكحول" من نصيب هؤلاء.
لا مكان للسخرية
بالنسبة لي ومن خلال تواجدي في أكثر من تجمع لبعض السلع وحتى في الغروب الأشهر في مصر "أنا وابن عمي بنساعد الغريب" فإن السخرية حاضرة في الكثير من التعليقات، ومن يمثلون دور الواعظ الديني كثيرون أيضاً، لكن في غروبات الكحول ليس هناك مكان للسخرية، يظهر ذلك باختفاء المنشورات التي تحذر من ذلك، أما اختفاء الوعّاظ فهو المكسب الأكبر، فسواء كان شارب الكحول يقتنع بصحة ما يفعله أو لا يقتنع، فهو يهرب من العالم الخارجي الذي يحاصره بكلمتي "عيب" و"حرام"، وفي تلك التجمّعات يشعر بحريته كإنسان يمكن أن يفعل ما يريد دون أن يتدخل أحد، ويستطيع أن يسأل عن نوعه المفضل من الكحول وسعره، الأسئلة ليست النقطة الأهم بل قدرة الإنسان على طرح أسئلة من هذا النوع وتلقي إجابات دون توبيخ فهذا مكسب آخر.
الإسعافات الأولية لتطورات الشرب هي أساسية في غروبات الكحول، كما الأسئلة التي تتطلب مساعدة فورية، ومن يجيبون نوعان: أطباء أو شاربو كحول لديهم خبرة جديرة بتقديم النصائح، حتى بات لقبهم "علماء الكحول"
هذه الغروبات ليست للمخمورين أو لتبادل النساء، بل هي مجتمع فيه الصداقة والنصائح والإسعافات الأولية، كل ذلك يتم من منطلق الحرية، ربما لهذا السبب اقتنعت أنه حيث توجد الحرية لن يكون هناك مكان لأي شيء ينغص الحياة
الكحول يجمعهم
لا يتعلق الأمر بالكحول فقط، فبين الحين والآخر هناك منشورات لا تتعلق بـ"الواين" بل ربما استشارة طبية أو استفسار عن مكان للتنزه أو هكذا، سلوك آخر يفسّر لي أن الحرية التي جمعت هؤلاء وثّقت العلاقات بينهم، والردود الإيجابية السريعة في كثير من الأحيان دفعت هؤلاء للانتماء أكثر لمجتمعهم.
صدّقتُ صديقي، فتلك الغروبات ليست للمخمورين أو لتبادل النساء، بل هي مجتمع كامل فيه الصداقة والنصائح والإسعافات الأولية، والأهم من ذلك كله، مشاركة اللحظات الجميلة، فكثيرة هي صور أعضاء الغروب حيث يكونون وكيف يقضون سهرتهم مع كأس "واين"، وكم هي التمنيات الممزوجة بالحسد في بعض الأحيان، كل ذلك يتم من منطلق الحرية، ربما لهذا السبب اقتنعت أنه حيث توجد الحرية لن يكون هناك مكان لأي شيء ينغص الحياة، وسيتعامل الناس بطبيعتهم ويحترمون الآخر ويشاركونه لحظاته الجميلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.