تم إعداد هذه المادة بمشاركة روبي حاجي نايف ضمن شباب22 "You22"، برنامج زمالة رصيف22 الذي ترعاه D-Jil، بالاعتماد على منحة مشتركة بتمويل من الاتحاد الأوروبّي، تشرف على تنفيذها CFI.
على مدار سنوات الحرب السورية كانت "المساحات الآمنة للنساء والفتيات" ملاذاً للمتضررات، سواء من آثار الحرب التي أثقلتْهن بظروف الهجرة والنزوح والفقْد، أو من ضغوط العائلة والمجتمع التي لطالما أسرَت المرأة في سجن الأعراف، لتبقى مجرّدَ تابع أو رهينة للضغط والعنف الجسدي والنفسي.
فشكّلت تلك المساحاتُ استراتيجيةً لحماية وتمكين النساء والفتيات، بالدعم النفسي والتأهيل المهني، الذي يمنحهن القدرة على مواجهة العنف واتخاذ القرار والمضي قدماً، الأمر الذي غيّر حياةَ الكثيرات ممن التحقن بالمساحات الآمنة. لكنَّ معوقاتٍ لوجستية ومجتمعية لا تزال تحول دون عمل المساحات وتحقيق المأمول منها.
دعم وتثقيف وتأهيل
عام 2009 افتتحت جمعية تنظيم الأسرة السورية مركزاً خاصاً للعناية بالنساء الناجيات من العنف في منطقة الحلبوني، بالتعاون مع منظمة "AIDOS" الإيطالية. ثم تمَّ توسيع خدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي لتشمل مركزين آخرين، في منطقة "الشاغور" و"باب مصلى" في دمشق.
مع اندلاع الحرب السورية عام 2011 وتنامي ظاهرة العنف ضد المرأة ووصولها لمستويات خطيرة، أنشأت جمعية تنظيم الأسرة مساحاتٍ في محافظات أخرى، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، شملت الاستجابة الطارئة لخدمات قطاع الصحة الإنجابية والدعم النفسي والقطاع القانوني، الأمر الذي استمر على مدار سنوات الحرب.
تخرجُ النساء من المساحات الآمنة السورية بحالةٍ مغايرةٍ لما كنّ عليه عندما قصدْنها، فيستفدن من جميع خدمات الدعم النفسي من أطباء ومتخصصين، والتأهيل المهني الذي يشمل الحلاقة والخياطة والكروشيه والطهو وغيرها، إضافة إلى الخدمات التعليمية، دورات في الحاسوب واللغة الإنكليزية وتقوية مواطن الضعف ومحو الأمية وغيرها.
المساحات الآمنة في سوريا ملاذٌ للنساء والفتيات المتضررات، سواء من آثار الحرب التي أثقلتْهن بظروف الهجرة والنزوح والفقْد، أو من ضغوط العائلة والمجتمع
من العوائق التي تقف أمام عمل المساحات الآمنة رفض المجتمعات السورية لجلسات التوعية والتثقيف الجنسي بسبب نقص الوعي، وتأثير العادات والتقاليد التي تعتبر هذا الأمر خروجاً عن المألوف والمسموح
كذلك تقدم الجمعية السورية لتنظيم الأسرة خلال المساحة حملاتِ توعيةٍ وتثقيفٍ جنسي، بالاعتماد على منهجية إدارة الحالة في آلية العمل، للاستجابة من العنف الجندري. يساعد في ذلك مدراءُ حالة تمَّ تعيينهم في كافة المراكز، لدعم النساء وتمكينهن ورفع جودة الخدمات المقدمة والتأكد من وصولها للجميع، إضافة إلى تحقيق أكبر تنسيق مع الجهات الأخرى التي تعمل على التصدي للعنف ضد النساء.
استفادت هنادي من المساحة الآمنة الكائنة في منطقة الحلبوني بدمشق، وتجاوزت الكثير من العوائق التي سببتها الحرب. عن ذلك تقول لرصيف22، "سافر زوجي منذ 7 سنوات وتركني مع طفلين والكثير من الضيق المادي، لا يتواصل معي ولا يرسل لي أي مساعدة، بحثت عن عمل أو جمعية التحق بها ولم أحقق نتيجة، إلى أن قصدتُ المساحة الآمنة في الحلبوني، وبدأت دورة في الرياضة، أعطتني ثقة بنفسي وحافزاً للاستمرار وشكّلت من خلالها صداقاتٍ قائمةً حتى الآن" بعد ذلك التحقت هنادي بدورة حاسوب، ثم قدمت على وظيفة قُبلت بها وبدأت العمل منذ 5 شهور، "المساحة الآمنة غيّرت حياتي ونظّمت وقتي وكانت سبباً في توفير عمل أعيل به ولديّ ويحول دون حاجتي للآخرين".
كانت شهلة غارقةً في الإحباط والقلق والخوف عندما التحقت بإحدى المساحات الآمنة في دمشق، فرغم تعنيف زوجها لها جسدياً ونفسياً، لم تقبل عائلتُها الطلاق منه بحجة أن الطلاق "خربان بيوت" غير أن بيتها غير صحي في ظل معاملة زوجها السيئة، ولا يرضى تطليقها إلا في حال تنازلها عن جميع حقوقها المادية، في حين يستغل نقطة ضعفها، ولدَيها اللذين لا تستطيع الابتعاد عنهما. عند التحاقها بالمساحة الآمنة، وجدت ابنة الـ31 عاماً كلَّ الدعم النفسي والتشجيع كي تتمكن من اتخاذ قراراتها بنفسها والمضي قدماً في حياتها، دون الاعتماد على أحد حتى الأهل. أيضا طورتْ إمكاناتها عبر التحاقها بدورة للغة الإنكليزية ضمن المساحة.
جدار الشريك والمجتمع
قصص النجاح التي تعيشها الكثير من النساء في المساحات الآمنة، يقابلها الكثير من العوائق اللوجستية والاجتماعية التي تواجه عمل الجمعية القائمة على هذه المساحات، بحسب قول مسؤولين فيها لرصيف22. من المشكلات: صعوبة الانتقال ونفاذ الإمدادات في العيادات التابعة للمساحات الآمنة المتواجدة في الأرياف النائية، وصعوبة إيجاد أطباء في تلك المناطق بسبب الهجرة الداخلية والخارجية هرباً من الحرب.
أما العوائق الاجتماعية تتمثل برفض الشريك أو الأسرة أو المجتمع بعض الحلول التوعوية منها، أساليب تحديد النسل، بسبب نقص المعرفة أو عدم إدراك النساء لوسائل منع الحمل أو تشكُّل تصورات غير صحيحة لديهن حول المخاطر الصحية للوسائل الحديثة لمنع الحمل. من العوائق الاجتماعية أيضاً رفض المجتمعات السورية لجلسات التوعية والتثقيف الجنسي بسبب نقص الوعي، وتأثير العادات والتقاليد التي تعتبر هذا الأمر خروجاً عن المألوف والمسموح.
المساحات الآمنة حول العالم
عبر العقود الخمسة الماضية كان تأسيس الملاجئ والمساحات الآمنة للنساء استراتيجيةً لمساعدة النساء في مواجهة العنف، فكان للحركة النسائية حول العالم تأثيرٌ هائل على توسيع الملاجئ والخدمات التي تقدم الدعم للنساء، إيماناً بأن اللجوء إلى مكان آمن خطوة أولى للمرأة بهدف الخروج من دائرة العنف.
وبحسب مركز المعرفة الافتراضية لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات التابع لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، أُنشِأ أول مركز نسائي موثق في ونسلو ببريطانيا العظمى عام 1971، المركز وفّر ملجأً غير رسمي للناجيات من العنف المنزلي، تزامناً مع ذلك، فتحت في بلدان ومناطق أخرى مساحات وملاجئ استجابت إلى حالات الإصابات الجسدية والجوانب العاطفية للعنف ورعاية الأطفال الذين تعرّضت أمهاتهم للعنف، وتقديم الخدمات القانونية والاجتماعية والطبية، في هذه الفترة أيضاً أُنشِأَ أول خطّ لحالات الطوارئ المتعلقة بالاغتصاب في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة.
أرقام وحقائق
عودةً إلى النساء العربيات اللاتي يرزحن تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية وصحية، فبحسب دراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة للتنمية، النساء في المنطقة العربية أكثرُ حرماناً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً من النساء في المناطق الأخرى، لدرجة أنهن أكثر حرماناً من الأخريات في المناطق ذات مستويات الدخل المماثلة أو في مراحل مماثلة من التنمية الاقتصادية (مثل أمريكا اللاتينية، جنوب شرق آسيا، شرق آسيا).
وتؤكد إحصاءاتٌ لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين أن 37% من النساء العربيات تعرّضن لبعض أشكال العنف في حياتهن، كما يوجد في المنطقة العربية أدنى معدل لمشاركة النساء في القوى العاملة في العالم - 18.4% مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 48%. على النقيض من ذلك، فإن معدلات مشاركة الذكور العرب في القوى العاملة تبلغ 77 في المائة، أعلى من المتوسط العالمي.
بذلك تبقى أدوار النساء في العالم العربي مرتبطة بشكل أساسي بالوظائف العائلية، رهينة لقوانين الأحوال الشخصية التي تجعلها تابعة وقاصر، فيما يتعلق بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث.
كل ما سبق عواملُ وضعت المرأة العربية في مرمى التمييز والعنف من الرجل والمجتمع، خاصة في ظل فوضى الحروب والهجرة، وإن كانت بمراحل متفاوتة بين الدول العربية، الأمر الذي يجعل تشكيلَ المساحات الآمنة حاجةً ملحة لتحقيق العدالة والمساواة والتنمية المجتمعية على جميع الأصعدة، عملاً بقول كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة: "المساواة بين الجنسين أكثر من هدف في حد ذاته. إنه شرط مسبق لمواجهة التحديات المتمثلة في الحدّ من الفقر، وتعزيز التنمية المستدامة وقيام الحكم الجيد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 20 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.