بحضور دولي وإقليمي كبير، شهدت قاعة الصداقة في العاصمة السودانية الخرطوم، في 17 آب/أغسطس، الاحتفال بالتوقيع النهائي على الاتفاق الكامل بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في البلاد والمعارضة التي تقودها قوى "إعلان الحرية والتغيير"، في أجواء من الابتهاج الشعبي الواسع.
وقع الاتفاق عن المجلس العسكري نائب رئيسه محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، وعن تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع. كما وقعه رئيسا وزراء إثيوبيا آبي أحمد ومصر مصطفى مدبولي "شاهدين" عليه. ومثّل رئيس الوزراء المصري رئيس بلاده الذي يترأس الاتحاد الإفريقي حالياً.
وفور إعلان إتمام عملية التوقيع "التاريخية" دوى التصفيق في القاعة وانطلقت الموسيقى والغناء ورفع ممثل الحرية والتغيير علامة النصر في حين رفع البرهان وثائق الاتفاق وتبادل الحضور التهنئة والمباركة.
وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان قد استقبل المشاركين بمدخل القاعة الرئاسية للاحتفال ومنهم رؤساء رواندا وتشاد وكينيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
كذلك حضر توقيع الاتفاق وزراء خارجية البحرين والكويت ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، بالإضافة إلى الوسيطين الإفريقي محمد الحسن لَبّات والإثيوبي محمود درير وممثلين عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
وتسلم البرهان الوثائق عقب التوقيع "إيذاناً ببدء مرحلة سياسية جديدة في تاريخ السودان"، بحسب وكالة أنباء السودان (سونا).
ويفتح هذا التوقيع الرسمي على الاتفاق الباب أمام السودان لبدء فوري لمرحلة انتقالية تمتد 39 شهراً، إذ من المقرر الإعلان، في 18 آب/أغسطس، عن تشكيلة "مجلس الحكم الانتقالي الجديد" بغالبية مدنية مع حل المجلس العسكري الحالي.
وستترأس شخصية عسكرية هذا المجلس لمدة 21 شهراً، تعقبها شخصية مدنية لمدة 18 شهراً، قبل إجراء، كما هو مفترض، انتخابات تقود إلى حكومة مدنية.
ومن المقرر أيضاً أن يؤدي رئيس الوزراء للفترة المقبلة اليمين الدستورية في 20 آب/أغسطس، على أن يعلن تشكيل حكومته في 28 من الشهر نفسه.
"فرح السودان"
وزينت لافتات دوّن عليها عبارة "فرح السودان" قاعة الاحتفال، ورفعت وكالة أنباء السودان الرسمية (سونا) والتلفزيون الرسمي الشعار نفسه.
وبدأ الاحتفال بمراسم التوقيع بعزف النشيد الوطني السوداني قبل تلاوة آيات من القرآن الكريم، أعقبتها تلاوة الصلاة المسيحية "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح به".
كذلك عرض فيلم تسجيلي عن الثروة السودانية، بالتزامن مع توافد آلاف السودانيين إلى شوارع العاصمة الخرطوم للاحتفال. وذلك على الرغم من أن الطريق خلال الفترة الانتقالية ليس مفروشاً بالورود كما يبدو.
وبعد التوقيع، قال لبات إن الاتفاق السوداني أبرز دليل على تشبث القارة السمراء بـ"حل مشاكلها بنفسها وبشكل مستقل" وعلى أن "إفريقيا واقفة على قدميها ومصرة على استقلالية شعوبها"، قبل أن يختم بقوله "هنيئاً للشعب السوداني وهنيئاً لإفريقيا ولتقف إفريقيا خلف السودان وليقف السودان مع إفريقيا".
وتحدث ممثل قوى الحرية والتغيير محمد ناجي الأصم موجهاً التحية لشهيدات السودان وشهدائه، مشدداً على أنه "لولا تضحياتهم ما كنا وصلنا لهذه اللحظة".
وضجت قاعة الاحتفال بالتصفيق فور التقديم لكلمة رئيس وزراء إثيوبيا التي قادت الوساطة انتهاءً إلى هذا الاتفاق، إلى جانب الاتحاد الإفريقي.
وقال آبي أحمد: "إن الطريق إلى الديموقراطية في السودان بدأ اليوم. وصيتي للشعب السوداني أن يكونوا حفظةً للسلام، فهذا اليوم يعد انتصاراً لنا جميعاً، انتصار لكل من عمل من أجل السودان".
نهاية الاضطرابات
وينهي هذا الاتّفاق، بعد التوصل إليه مبدئياً في 4 تموز/يوليو الماضي، قرابة 8 أشهر من الاضطرابات في البلاد بدأت بانتفاضة شعبية ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير بسبب سوء الأحوال المعيشية وندرة السلع الرئيسية.
فبعد إطاحة الجيش البشير في 11 نيسان/أبريل الماضي، رفض المحتجون الحكم العسكري، مطالبين بحكومة مدنية بالكامل ، وهذا ما أدى إلى استمرار التظاهرات حتى التوصل إلى الاتفاق الذي قوبل بارتياح من المتظاهرين الذين اعتبروه انتصاراً لـ"ثورتهم"، في حين رأى فيه العسكر "تكريساً لفضلهم في تجنيب البلاد حرباً أهلية".
وجرى التوقيع بالأحرف الأولى على وثيقة الاتفاق السياسي في 17 تموز/يوليو الماضي، في حين تم التوافق "بشكل كامل على الإعلان الدستوري" في 4 آب/أغسطس.
التوقيع النهائي على الاتفاق الكامل بين المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان والمعارضة التي تقودها قوى "إعلان الحرية والتغيير” يدخل البلاد مرحلة تاريخية جديدة تؤسس لحكم مدني
الوسيط الإفريقي يعتبر اتفاق السودان دليلاً على أن القارة السمراء قادرة على حل مشكلاتها بنفسها، أما رئيس وزراء إثيوبيا التي قادت المفاوضات بين الفرقاء السودانيين فيراه بداية "الطريق إلى الديموقراطية في السودان"، موصياً أفراد الشعب السوداني بـ"أن يكونوا حفظةً للسلام"
فريق رافض
وبينما أجمع الكثير من السودانيين على هذا الاتفاق، معربين عن رغبتهم في المضي بالبلاد قدماً نحو مسار السلام والتنمية، رفضته الجماعات المتمردة في مختلف المناطق المهمشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان، وتغيبت عن مراسم التوقيع.
وسبق أن أكدت الجبهة الثورية السودانية، التي توحد هذه الحركات المتمردة تحت رايتها، والتي دعمت الحركة الاحتجاجية الشعبية منذ البداية، رفضها الإعلان الدستوري، مطالبةً بتمثيل لها في الحكومة المقبلة وبمزيد من الضمانات لاستمرار محادثات السلام.
خطوات فعلية نحو "غد السودان"
في سياق متصل، توافق العسكر على إبقاء البرهان رئيساً لـ"مجلس السيادة" الذي سيتألف من 11 عضواً بأغلبية مدنية، يحتفظ "العسكر" فيه بحق تعيين وزيري الداخلية والدفاع. كما سربت أنباء عن استمرار 5 من أعضاء المجلس السبعة الحاليين ضمن المجلس السيادي، أبرزهم حميدتي وشمس الدين الكباشي.
في الأثناء، أعلن قادة المعارضة، في 15 آب/أغسطس، التوافق على تعيين الخبير الاقتصادي المخضرم والمسؤول السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء.
وفيما يتوقع أن يركز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من الانفصال عن الجنوب الغني بالنفط عام 2011، يشكك العديد من السودانيين في قدرته على كبح جماح النخبة العسكرية خلال الفترة الانتقالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...