تكون طقوس الاحتفال في أوجها عندما يدخل ابن عم العروس ليوقف الاحتفالات، و"يحجر" عليها لأنها من حقه، لا تتزوج إلا به أو بإذنه. هذه هي عادة "التحجير" الليبية، التي عادت إلى الأذهان خلال الأيام الماضية، إثر انتشار أخبار عن واقعة "تحجير" جرت قبل أيام.
في مقطع فيديو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دخل رجل خيمة عرس في برقة (شرق ليبيا)،و مسك بالميكرفون وقال: "للتوضيح العروس اللي فرحها الليلة اتحجرت، وخال العريس عطاه بنته، وعسى أن تكرهوا شيئاً"، لتعلو أصوات تصفيق وطلقات كثيفة.
ظاهرة تحدث كثيرا في الي يسمع بيها وفي الي مايسمع بيها والاغلبيه سامعينها وعايشينها واقع والقصص فيها شبه يومي. في الي مقتنع بيها وفي الي يشوف فيها جهل وتخلف ولكن في هذا الفيديو امامكم (ولد سيدها يحجرها يوم فرحها)وخال العريس يعطيه بنتا
— hassan AL_megharbi?? (@kinghassan1995) July 29, 2019
#ليبيا
pic.twitter.com/40KLvmd1yI#التحجير
عادة قبلية "منتشرة"
الباحث في أطلس المأثورات الشعبية المصري والخبير في التراث البدوي حمد شعيب يقول لرصيف22 إن "التحجير يعني أن يحجز الفتاة ابن عمها أو يجعلها وقفاً عليه، وهي عادة قبلية منتشرة في بضع مناطق وإن اختلفت التسميات، فهي في ليبيا وشمال أفريقيا تعرف بـ‘التحجير‘، وفي العراق بـ ‘النهوة العشائرية‘ وفي مطروح وبادية بـ ‘مسك بنت العم‘، أما الشوام فيعرفونها بـ ‘الحيار‘".
ويؤكد: "ابن العم وحده يحق له تحجير الفتاة، وقد يحدث هذا منذ طفولتها أو حتى وهي متجهة إلى منزل عريس آخر"، وأضاف: "يمتد هذا الحق إلى ابن العم للجد الثالث أو الرابع، ويبقى الأحق في تحجيرها هو ابن العم الأقرب".
ويشرح: "يقتضي هذا العرف أن يدفع ابن العم الذي يحجر عروساً ليلة عرسها للعريس التكاليف التي أنفقها، وكثيراً ما يتدخل أحد أقارب العريس لـ‘تطييب خاطره‘ الذي كسر بعد إلغاء زواجه بعرض ابنته عليه، كما حدث في ليبيا، إذ تدخل الخال على الفور وقال للعريس ‘وأنا أعطيك ابنتي‘".
ويتابع: "قد تبقى الفتاة من دون زواج طول العمر، ومن يريد خطبتها يتوجه إلى ابن عمها لا إلى والدها فيوافق أو يخذله".
أما عن موقف الفتاة أو والدها، فيلفت شعيب إلى أن "والد العروس يرضخ رغماً عنه للعرف. حالياً، لتفادي حوادث التحجير ليلة العرس يستأذن والد الفتاة من أبناء عمها قبل الموافقة على خطبتها من غيرهم، فإذا وافقوا أتم الخطبة وإذا اعترض أحدهم فلا يزوج الأب ابنته".
"البنت كثيراً ما ترضخ للعرف تفادياً لحدوث أزمات"، يقول خبير التراث البدوي، مضيفاً "في حالات شديدة الندرة، قد ترفض الفتاة التحجير إما رفضاً لابن عمها أو تمسكاً بعريسها. في هذه الحالة، تلجأ إلى أحد المشايخ أو الوجهاء حتى يتولى الدفاع عنها".
ويضيف: "نحن هنا أمام إحدى ثلاث نتائج: إما أن يكون الشيخ ضعيفاً ولا يستطيع حمايتها فيضغط عليه أهل الفتاة ويستردونها، أو يحميها ويتولى مسؤوليتها (كوالدها) ويزوجها أو تبقى عنده، أو يضغط هو على والدها وأهلها فيلغي التحجير حتى تتزوج الفتاة من آخر لا من العريس السابق".
ويشدد شعيب على أن "هذا العرف غير منتشر لكنه لن يندثر فهو موجود ما بقيت القبيلة"، معتبراً أنه "من العادات السيئة الباقية".
ويدلل شعيب على قوة "العرف" في البادية، مؤكداً أنه في إحدى حالات التحجير، قرب مطروح (شمال غربي مصر بالقرب من الحدود الليبية)، هربت العروس وتزوجت من عريسها وذهب أبناء عمها و"استردوها" صباح اليوم التالي، مشدداً الى أن العرف له سطوته في المجتمع القبلي.
ويشير إلى أنه في كثير من حالات التحجير التي تتم ليلة العرس يكون سببها "العناد" أو الرغبة في "إحراج عائلة العريس الآخر"، وكثيراً ما يكون السبب "سريان شائعة حول علاقة عاطفية تربط الفتاة بعريسها المنتظر، وقتذاك يصر ابن عمها على تزويجها من أي شخص ما عدا العريس المنتظر".
"عادة جاهلة ذميمة"
بالعودة إلى حادثة التحجير الليبية، أعرب الكثير من الليبيين عن استنكارهم لها،فقالت الكاتبة انتصار الراوي عبر حسابها على فيسبوك: "كيف رضيت العروس بأن تساق كالنعجة إلى ابن عمها؟ ولماذا هزت رأسها موافقة على ما قام به والدها وابن عمها ولم تقم بثورة ضد هذا التقليد الجاهلي المتخلف البائس؟".
واستغربت أن تتكرر هذه العادة التي كانت "تحدث أحياناً في القرى البدوية الصغيرة المعروفة بتعصبها القبلي، في مدينة كبيرة مثل بنغازي"، مشددةً على أنه "تقليد منقرض تماماً، وطرافة القصة تكمن في حدوثها بالألفية الثالثة".
أما المخرج أسامة رزق فوصف الحادثة بأنها "تخلف وجريمة في عام 2019"، مشيراً إلى أن الأمر "جريمة ضد المرأة تحتاج وقفة حقيقية من جميع الليبيين".
وعبر حسابه على تويتر، كتب الباحث المختص في شؤون الحركات الإسلامية المسلحة والمقيم في بريطانيا، نعمان بن عثمان: "كيف يمكن لطرابلس أن توفر حماية وأمناً ومعاملة كريمة وراقية، وهذ تعيش عصر التحجير على المرأة في عام 2019".
وعبّر ليبيون عن تعجبهم من الأفكار السائدة في بلدهم مثل "التحجير والحلف بالتطليق واعتبار رقص الباليه عيباً".
وأبدى آخرون تعاطفهم مع الفتاتين اللتين ظلمتا، الأولى لم تزف إلى عريسها المنتظر، والثانية وجدت نفسها "موهوبة" لابن عمتها.
في ليبيا وشمال إفريقيا يطلق عليه "التحجير"، وفي العراق "النهوة العشائرية" وفي مطروح وبادية مصر "مسك بنت العم"، أما الشوام فيعرفونها بـ"الحيار"... عن حق ابن العم أن يمنع زواج ابنة عمه ويرهنها لنفسه
حادثة تحجير فتاة ومنعها من الزواج ليلة عرسها، شرقي ليبيا، تثير جدلاً بين قائل إنها "حادثة نادرة لا تستدعي التهويل" وداعٍ لاحترام "عرف كل جماعة" ومحذرٍ من "جريمة خطيرة"... فما هو رأي الدين؟
"حرام شرعاً"
وتعليقاً على الحادثة، فند حساب "تراث البادية" عبر فيسبوك (تابعه أكثر من 15 ألف شخص) مزاعم المدافعين عن هذا العرف، مؤكداً أنه "حرام شرعاً"، و"له أصول وهدفه تقريب العلاقات بين أبناء العمومة وصون الفتاة بتزويجها من ابن عمها الذي يخشى عليها ويحميها".
ولفت الحساب إلى أن هذا العرف "يشترط موافقة الفتاة وألا يكون في ابن العم هذا خللاً عقلياً أو خلقياً، وأن لا يكون العريس الآخر ذا سمعة سيئة، أما حالات العناد والانتقام فتنقض ‘حق‘ ابن العم في تحجير ابنة عمه".
من جهتها، قالت أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر آمنة نصير، لرصيف22: "هذا ممنوع شرعاً، لأن الموافقة أساس صحة عقد الزواج"، مستشهدةً بحادثة "ذهاب فتاة تشكو إلى نبي الله محمد قائلةً ‘إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته‘، فنصرها الرسول وطلب من الأب أن يجعل الأمر بيديها، فعادت لتؤكد موافقتها على الزواج موضحةً أنها أرادت أن تعلم النساء والرجال على السواء أن للمرأة حق الاختيار والموافقة من عدمه".
وأضافت نصير: "هذا دليل قوي على كيف يسود العرف أحكام ديننا وعقولنا مهما تقدمنا".
"تآمر جهوي"
لكن بعضهم رأى أن الحادثة "تم تداولها بصورة غير منطقية"، مشدداً على أن "كل قبيلة أو جماعة من البشر لديهم أعرافها وعاداتها".
وتحدث آخرون عن "وجه مشرف" لهذا العرف، يساعد على "حماية الفتاة الليبية الفاتنة من الطامعين بانتهاك عفتها".
ومن منطلق آخر، دافع نشطاء من "شرق ليبيا" عن أعرافهم، معتبرين أن الحادثة "النادرة" لاكها نشطاء في "غرب ليبيا" لتشويه صورتهم.
وتشهد ليبيا تناحراً سياسياً وعسكرياً منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في عام 2011، بين قوتين رئيسيتين هما قوات المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا (بنغازي)، وحكومة فائز السراج المعترف بها دولياً في غرب ليبيا (طرابلس).
في هذا السياق، كتب الناشط والإعلامي الليبي محمود شمام عبر حسابه على فيسبوك: "أنا ولدت في بنغازي عام ١٩٤٧ وغادرتها عام ١٩٧٦ وخلال هذه الفترة لم أسمع عن أي بنت نزلها ولد عمها من كرمودها (الهودج) بلاش تكبير شورخ وتحويل الاستثناء إلى قاعدة".
وأضاف: "لاحظت أيضاً أن انتشار قصة التحجير بهذا الشكل ‘الوبائي‘ يتزامن مع حملة التشهير الجهوية حول ‘بدوَّنة‘ برقة و‘همجيتها‘ و‘وحشيتها‘، وكل عروس عليها الأمان تقعد في كرمودها مفيش حد يقدر ينزلها منه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع