شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"Surviving Hijab"… هل تعاني المحجبات في مجتمعاتنا من التمييز حقاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 29 يوليو 201911:57 م

رحلة غطاء الرأس في العالم العربي مرّت بمنعطفاتٍ كثيرة، حتى وصلت بنا إلى الحجاب في هيئته الحالية، بعد عقودٍ من تغير الأنظمة والظروف السياسية والاجتماعية، وحتى الدينية، ففي بداية العصر الإسلامي كانت الملابس تتجه إلى المبالغة في تغطية الجسد، بينما بدت أكثر تحرراً في عصر المماليك حيث كان النساء يرتدين "القنادير" وهي قمصان قصيرة ضيّقة تشبه "الميني جيب إلى حد ما"، بعدها عرفت النساء "البرقع"، و"اليشمك"، و"المنديل أبو قوية"، إلى أن ظهرت موجة التحرر مع بداية العشرينيات والثلاثينيات، تزامناً مع وقائع ثورة 1919 في مصر، واستمرت بأنماط متفاوتة حتى الثمانينيات، وهي الفترة التي نشطت فيها دعوات الجماعات الإسلامية للعودة لارتداء الحجاب، ثم النقاب.

ضد التمييز والتنميط

إذا كنت تعيشين في منطقةٍ ريفيةٍ أو شعبية في ضواحي القاهرة، ستشعرين بتناغم مع نفسك وأنت محجبة، على العكس تعاني المتحررات في تلك المناطق من أوصافٍ ونعوتٍ سيئة فقط لعدم ارتدائهن الحجاب.

أما إذا كنت رياضية وترتدين الحجاب، فستواجهين بأوصاف مثل: مملة، غير متعلمة، وغير رياضية، وقد تسألك فتاة: هل تقبلين المصافحة باليد؟

هذه التقييمات تحتاج إلى تصحيح من وجهة نظر الشابة الأربعينية منال رستم، التي كرّست حياتها على مدار 13 عاماً لمواجهة التمييز كمحجبة في المجتمعات الرياضية، حتى شعرت أنها في طريقها لخسارة المعركة، ومن هنا جاءتها فكرة إنشاء مجموعة "Surviving Hijab" ، لتكون منصة لمساعدة النساء على مواجهة مخاوفهن من الحكم عليهن من خلال المظهر الخارجي.

"Surviving Hijab" هي مجموعة على موقع "فيسبوك" لدعم الفتيات الراغبات في التمسّك بالحجاب، وتضمّ حتى الآن ما يزيد عن 650 ألف امرأة من جميع أنحاء العالم، في سبيل منحهنّ صوتاً للتعبير عن حريتهن في ارتدائه، كما لا تشترط أن تكون عضواتها مسلمات أو محجَّبات.

الفكرة بدأت تخطر على بال منال منذ 24 أغسطس 2014، بعد ما انتابتها مشاعر متداخلة تجاه النزاع بشأن هويتها، ووقائع التمييز التي تتعرّض لها وغيرها من المحجبات، على غرار المنع من دخول أماكن معينة، ومساحات عامة، حتى أن العديد من قريباتها وصديقاتها اضطررن إلى خلعه بعد تعرضهن لمضايقات في العمل وغيره.

شعرت منال أنها بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تخلع حجابها، سابحةً مع التيار "كسمكةٍ ميتة"، أو أن تسير عكس هذا التيار رافضةً الاستسلام للوضع الراهن، وكانت هذه التناقضات والإشكاليات هي ما شجعتها على خوض التجربة.

المجموعة لاقت دعماً كبيراً، خاصة من السيدات اللواتي واجهن المشكلة ذاتها، ما شجع منال على التواصل مع شركة "نايكي"، أحد أبرز العلامات التجارية العالمية في مجال اللياقة البدنية، لتصبح بعدها أول محجبة تظهر في حملاتها الدعائية، وكانت الأيقونة التي صممت على هيئتها دمية الحجاب التي أطلقتها المؤسسة، كما باتت مدربة معتمدة في نادي «نايكي» للجري. 

كما قادت منال فريقاً من 14 امرأة من 11 دولة، لتسلّق قمة إيفرست، بغرض التوعية بمعايير التسامح والمساواة ومناهضة ما تعتبره "شمولية"، "بدأت أتجنب الأشخاص الذين يحكمون على غيرهم بمظاهرهم الخارجية وليس ما هم عليه بالفعل، الذين ينعتون الآخرين بالجنون لمجرد رغبتهم في سلك اتجاه مغاير، فالجنون والاختلاف هما طريقنا لتحقيق ما نصبو إليه في الحياة".


حياة منال اتخذت طريقاً مغايراً من عملها في مهنة الصيدلة إلى أن أصبحت أول عدّاءة مصرية وعربية تُكمل 6 ماراثونات عالمية، في الوقت الذي كان يعتقد الجميع أن لا مجال للسيدات لمنافسة الرجال في المضمار، وفي عام 2018، فازت منال بجائزة قيادة المجتمعات على فيسبوك Facebook Community Leadership.

"أتلقى رسائل من فتيات لم يتخطين الـ20 من عمرهن، يخبرونني بمنعهن من المشاركة في مسابقاتٍ رياضية بسبب ارتدائهن الحجاب، ويسألن إن كان عليهن خلعه أو الإقلاع عن الرياضة، ما المفترض أن أنصحهن به في مثل هذا الموقف؟"، تسأل منال نفسها.


ضحية للمضايقات حتى في مجتمعاتنا

في الأول من فبراير يُقام يوم الحجاب العالمي في 116 دولة، منذ عام 2013، في محاولة لزيادة الوعي بشأن الحجاب، فضلاً عن تعزيز التسامح وتقبل الآخرين له.

وفي العام الماضي دعت ناظمة خان صاحبة المبادرة، وهي مسلمة أمريكية تعيش في نيويورك، الفتيات المسلمات وغير المسلمات، إلى ارتداء الحجاب ومعرفة انطباعاتهن عن ذلك، حيث شاركت العام الماضي فتيات من 50 دولة حول العالم ليرتفع هذا العام عدد الدول المشاركة إلى 116 دولة. وتقول ناظمة،  في تغريدة نشرتها وكالات أنباء آنذاك، إنها تسعى هذا العام لأن يكون هناك مليون مشاركة في هذا اليوم من حول العالم الذي يأتي تحت شعار: " توعية أفضل، فهم أعمق، سلام للعالم".

المسؤولة الإعلامية للجبهة الوطنية لنساء مصر: ما تواجهه المحجَّبة أخفّ وطأة ممَّا تعانيه غير المحجَّبة، حيث لا تسلم من تعليقات الانتقاد في المنزل ومكان العمل وحتَّى الشارع، وقد تصل هذه التعليقات إلى النيل من سمعتها وشرفها

وتذكر منال الوجه الرياضي الدعائي لـ"نايكي" أن الحجاب يجب ألا يكون مطلقاً عائقاً أمام طلب علمٍ أو وظيفةٍ أو ممارسة هواية، نحن من نضع القيود أمام أنفسنا، ونحن من علينا كسرها، وتحدي أنفسنا قبل الآخرين، بقدرتنا على تحقيق تطلعاتنا بما تحمله شخصياتنا من مواهب وقدرات، ليس من السهل كسر هذه القوالب الجاهزة.

واجهت إنجي الشاذلي، أول راقصة باليه محجبة منذ 2013، الكثير من المضايقات والانتقادات بسبب كونها رياضية محجبة من جانبين، المتشددين الرافضين فكرة دخول المرأة المحجبة مجال الرياضة، خاصة الباليه، بدعوى ما يصفونه بـ"إظهار مفاتنها على الرغم من منظرها المتدين"، والمعترضين على ممارسة الفتيات الرياضة بالحجاب، تحت ذريعة عدم جدوى ارتدائه في مثل هذه المناسبات، تفادياً لاحتمالية استخدامه في الترويج لمعتقدات بعينها.

تقول إنجي راقصة الباليه المصرية: تُمنع المحجبات من دخول أماكن بعينها، مثل عددٍ من أماكن السهر، والقرى السياحية، وحمامات السباحة التي تمنع فيها الفتيات من ارتداء "المايوه الشرعي"

إلا أن الفتاة ذات الـ(33 عاماً)، ترى أن حجابها لم يكن عائقاً أمام طموحها الشخصي والرياضي، بل إنه في حدِّ ذاته كان حافزاً لها لإثبات نفسها أمام الجميع.

وتتحدث إنجي لرصيف22: "أنا محجبة لكنني لست متزمتة، وأمارس حياتي بشكلٍ طبيعي، وقد يكون نظر البعض من زاوية التشدد نابعاً من ممارسات غير صحية، من سيدات أو فتيات محجبات، وذلك ما دفعهم لتبني هذه الرؤية".

وترى إنجي وجود تقبل  لدى الغرب حيال مفهوم حرية الشخص في التعبير عمَّا يريد، وارتداء ما يراه مناسباً له، سواء كان حجاب أو حتى بكيني، إلا أن العالم العربي ما يزال يعاني من غياب هذا التفهم، فحتى في مجتمعنا الشرقي تعاني المحجبات من مشاكل كثيرة، حيث يمنعن من دخول أماكن بعينها، مثل عددٍ من أماكن السهر، والقرى السياحية، وحمامات السباحة التي تمنع فيها الفتيات من ارتداء "المايوه الشرعي"، بدعوى الحفاظ على المنظر العام للمكان، حسبما تحكي.

نتبنّى الإنسانية

منذ أيام، أقامت "Surviving Hijab" أولى فاعلياتها في العاصمة المصرية القاهرة، شملت حلقات نقاش وورش عمل، وتجارب العديد من مشاهير المحجبات في العالم العربي في كثير من المجالات.

الفنانة والمذيعة والأستاذة في أكاديمية الفنون منى عبد الغني، التي كانت على رأس المتحدثين في الفاعلية، لا ترى أن الحجاب هو صك غفران لصاحبته، بل الأمر أولاً وأخيراً مقترن بطبيعة علاقتها مع غيرها، ومدى تقبلها للآخرين وتقبل الآخرين لها.

وتقول منى لرصيف22، إنه لا يصح أيضاً التعامل مع غير المحجبات في عالمنا العربي بأسلوبٍ غير لائق، فالقضية تتعلق بحرية كل إنسان بمعناها الأشمل وبشكل متساو لدى الجميع، وبما يرتئيه لحياته.

منى ذاتها، لم تكن محجبة، إلى أن قررت ارتداءه واعتزال الفن في عام 1998، تاركةً دورها في عرض مسرحية "ألابندا"، تزامناً مع وفاة شقيقها، وقد كانت قبلها عضوة في "فريق الأصدقاء"، التي ضمت الموسيقار الراحل عمار الشريعي، والمغنية المعتزلة حنان والمطرب علاء عبد الخالق، وأصدرت 5 ألبومات غنائية.

وأوضحت الفنانة المصرية إنها تسرعت في ربط قرار اعتزالها الفن بوفاة شقيقها، قبل أن تعود للمشاركة بعدها بعامين في أوبرت "القدس هترجع لنا"، مع استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية محمد الدرة، وتستكمل بعدها الظهور في عددٍ من الأدوار السينمائية والدرامية والغنائية أيضاً، بعد استيعابها عدم وجود "رهبنة في الإسلام".

في الوقت الذي ما تزال منى ترتدي حجابها في أعمالها الفنية، سلكت زميلتاها سهير رمزي وشهيرة الطريق المقابل لتقررا خلعه، بعد سنوات من جلساتهن الدعائية لارتدائه.

أما منال رستم فتحلم باليوم الذي يكون المعيار الأول للتعامل داخل المجتمع هو الإنسانية بمفهومها الأعم، فالبشر لديهم الكثير من التشابهات التي تستحق تسليط الضوء عليها نحو واقع أفضل ويتسع الجميع.

ما تواجهه المحجبة "أخفّ وطأة"

رغم أن ارتداء الحجاب جزءاً من حرية التعبير عن الاختيار لدى منال رستم ورفيقاتها، إلا أنه على النقيض من ذلك لدى أخريات، لاسيما في الأحياء الشعبية، اللاتي يبدو امتناعهن عن ارتدائه أمرا غير مألوف وغير مستحب.

يشكل الحجاب "أزمة لا مخرج لها" لسامية (26 عاماً)، فهذه المحاسبة التي تفضل عدم ارتدائه، وتعمل في حي مدينة نصر الراقي، تجد نفسها مضطرة كل ليلة على دخول أحد المقاهي لارتدائه، قبل العودة إلى منزل أسرتها في حي عين حلوان الشعبي.

"أصبحت أعيش بمنظرين تقريبا"، تقول سامية لرصيف22، موضحة أنها حاولت إقناع أهلها بخلع الحجاب، متعللة بأن مكان عملها يطلب منها ذلك، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل.

قرار سامية عرضها لحرج شديد في كثير من الأحيان، ففي إحدى المرات، جلست في مقهى بوسط القاهرة بعد انتهاء عملها، وقبل خروجها ذهبت إلى الحمام لارتداء الحجاب، لكنها فوجئت بنظرات اندهاش من العاملين في المقهى، "أحسست في نظرهم كأنني فتاة ساقطة، أحاول التهرب من شيء".

وترى المسؤولة الإعلامية للجبهة الوطنية لنساء مصر، منى عبدالراضي، أن التمييز ضد المرأة في العالم العربي لا يقتصر على فئة نسوية بذاتها، بل إن ما قد تواجهه المحجبة نفسها قد يكون أخف وطأة مما تعانيه غير المحجبة، التي لا تسلم من تعليقات الانتقاد في المنزل ومكان العمل وحتى الشارع، وقد تصل هذه التعليقات إلى النيل من سمعتها وشرفها، اعتراضا على حريتها في اختيار مظهرها.

"التوجّه العام في مصر يحثّ المرأة على ارتداء الحجاب لا خلعه، وغير المحجّبة لا تسلم من التعليقات"

وتضيف: "الإشكالية التي تواجه وضع المرأة في العالم العربي، هي أنَّ التوجّه العام ذاته يحثّها على ارتداء الحجاب لا خلعه، ويزيّن ذلك أنّه تقليد وفضيلة موروثة تستوجب التمسك بها، وبالتالي لا يمثل التمسك به أي مشكلة".

وبالنظر للقضية بشكل أكثر عمقا، تقول عبدالراضي، نجد أنَّ التمييز السلبي ضد المحجَّبات يكاد يكون منعدماً في الأوساط الشعبية، وبالنظر لقضية دعوة الفتيات إلى التسامح مع الحجاب بشكل أكثر عمقا، تقول منى، نجد أن التمييز السلبي ضد المحجبات يكاد يكون منعدما في الأوساط الشعبية - التي يعد أغلب نسائها محجبات بالضرورة - بل يظهر ذلك بشكل أكثر وضوحا بين الطبقات الغنية، تماشيا مع نمط حياتهم الأقرب إلى الطابع الغربي، حيث تحفظ مسئولون عن أماكن سهر وغيرها على استضافتهن، بدعوى الالتزام بالقواعد العامة للمكان.

سواء أردت ارتداء الحجاب أو خلعه فإنك لن تسلمي من نظرات منتقدة، ومنمطة، أحدهم يراك متشددة، والآخر يطعن في أخلاقياتك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard