ناضلت فتيات كثيرات من أجل حريتهنّ في خلع الحجاب. وقامت العشرات بالتمرد على ارتدائه بصمت أو عبر التعبير عن قرارهنّ بمنشورات عامة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعدا القيود الاجتماعية التي ينبغي للفتاة كسرها لخلع الحجاب، اصطدمت مصريات كثيرات بعائق ربما لم يخطر على بالهنّ: موظفو السجل المدني. بعد خلع الحجاب، تكون الخطوة التالية أن يأخذ الـ"نيو لوك" مجرىً قانونياً من خلال تغيير صورة الفتاة على بطاقة الهوية (بطاقة الرقم القومي). إلا أن الأمر لم يكن سهلاً لبعض المصريات، إذ واجهن سيلاً من خطب الوعظ والإرشاد الدينية حول الحجاب ووجوب التزام الفتاة المسلمة به، بل إن بعضهن تعرضن لرفض موظفين حكوميين تغيير البيانات. القانون يسمح بالحرية في الشكل، إلا أن لدى مَن يطبقونه ميولاً وأهواءً اجتماعية ودينية تُخضع تنفيذ القانون لمزاجيتهم، وهذا هو الحال مع بعض موظفي السجل المدني في مصر، وهو ما كشفت عنه عدة فتيات روين قصصهن لرصيف22.
"درس ديني كامل متكامل"
لا شيء يحدث بسهولة داخل مدينة الإسماعيلية التي تقع شمال شرق القاهرة ولا يتعدى عدد سكانها الـ370 ألفاً. تغيّرت ملامح المدينة التي كانت شبه ليبرالية في أواسط القرن الماضي لتصبح محافظة كما المجتمع المصري بأسره. كاميليا القاضي شابة من هذه المدينة الساحلية الصغيرة. تلقت "درساً دينياً كاملاً متكاملاً" حسبما وصفت الأمر، وقالت: "ذهبت أنا وأمي حتى لا يتمادى أحد في تعليقاته، إلا أن التعليقات السخيفة طالتنا نحن الاثنتين".ولا يفصح الموظفون دائماً عن رفضهم لخلع الحجاب بل يختلقون تعقيدات بدون داعٍ. تروي كاميليا: "أخبرت أحد الموظفين أنني أريد تغيير صورة البطاقة فبادرني بسؤاله لماذا؟ فأجبته بأن الصورة لا تشبهني وأنها قديمة وكنت أرتدي الحجاب أما الآن فلا". وتتابع: "طلب مني الموظف الأول أن أصعد إلى طابق علوي لألتقي موظفة أخرى. وهذه رفضت تسيير معاملتي بدون أن تنظر إلى الصورة، ثم ذهبتُ إلى موظفة أخرى فسألتني عن حجابي ولماذا لم أعد أرتديه ثم بادرتني بدروس في الدين عن الحجاب". وأكملت كاميليا: "ألقت الموظفة عليّ دروساً أخرى عن المؤسسة الزوجية وعدم وضع المكياج والحلق الذي أزيّن به أذني وعن لماذا لم أنجب بعد...". الخطاب الديني الذي لاحقت به الموظفة الأخيرة الشابة ووالدتها جعلتهما يتركان السجل المدني بمدينة الإسماعيلية بدون تغيير صورة كاميليا على بطاقة هويتها. تقول كاميليا إنها منذ ذلك الحين وهي تحاول إيجاد "واسطة" تساعدها على إنجاز هذه المهمة، وتوضح: "أستخدم جواز السفر مؤقتاً بدلاً من البطاقة لأن صورتي عليه من دون حجاب".
"يا بنتي فكري في الحجاب. ده حرام وأنتي بنت ناس"... دروس دينية في السجلات المدنية للفتيات المصريات
عرقلة ووعظ ودروس دينية... سلوك موظفين رسميين مع فتيات خلعن الحجاب وأردن تغيير صور هوياتهن
"ربنا يِهديكي"
ومن الإسماعيلية الساحلية إلى مدينة الإسكندرية الساحلية أيضاً والتي كانت رمزاً لليبرالية واعتدال التوجهات الدينية. في عروس البحر المتوسط، كانت قصة الشابة أسماء مبروك تناقض ما كانت تعكسه طبيعة المدينة. تعرّضت لموقف لم يختلف كثيراً عن الموقف الذي تعرّضت له كاميليا في الإسماعيلية. وروت أسماء: "ذهبت إلى سجل مدني الدخيلة بالإسكندرية من أجل تغيير صورة البطاقة التي كانت بالحجاب إلى صورتي الحالية بدون الحجاب، فبادرتني موظفة السجل المدني بأن الصورة قديمة في البطاقة، فأجبتها: نعم لأنني كبرت ولأن الصورة القديمة كانت بالحجاب. أما الآن فأنا بدونه".
وتابعت: "سألتني الموظفة باهتمام واستنكار لماذا خلعت الحجاب، فسألتها في المقابل إذا كان لسؤالها علاقة بالتجديد، فأجابت باستفزاز: نعم، ثم ألقت عليّ درساً دينياً وقالت إن خلع الحجاب حرام ولكن الأمر أصبح موضة الآن، مع وابل من الدعوات لأن يهديني الله".
وتعنتت الموظفة مع طلب أسماء تعديل صورة البطاقة ثم رفضت إنهاء أوراقها وأرسلت في طلب موظف آخر بادر الشابة بالأسئلة نفسها، و"كرر نفس الأسطوانة" حول الحجاب والعقاب والهداية، داعياً إيّاها إلى تغيير قرارها "لأن النهاية اقتربت ويوم القيامة على وشك القدوم".
ولكن أسماء كانت محظوظة، لأن الموظفيْن أنهيا أوراقها وإن كان ذلك بعد جدال طويل.
ناقص ورقة
وفي الإسكندرية أيضاً، قصة أخرى لا تختلف في تفاصيلها عن القصتين السابقتين. بطلتها هي فاطمة حسن التي واجهت درساً في الأخلاق والدين حينما أرادت تغيير صورة بطاقتها الشخصية في سجل "سيدي جابر" المدني. وروت فاطمة: "ذهبت إلى السجل المدني لاستخراج بدل مفقود، وقلت ما دمتُ ذاهبة فلأغيّر بياناتي وعنواني وصورتي. وحينما وصلت إلى مرحلة التصوير رفضت الموظفة تصويري وأخبرتني أن البطاقة القديمة لا تزال سارية لمدة عام ولا ينبغي تغيير بياناتها إلا بعد انتهاء مدة صلاحيتها". وأضافت: "رغم أنني قدّمت طلباً مستعجلاً يُفترض أن لا يستغرق أكثر من ثلاثة أيام، تأخر صدور بطاقتي 20 يوماً بسبب طلبات عديدة كنت قد رفعتها بغرض ثنيي عن الفكرة. كنت أذهب إلى السجل المدني ثم أعود ويطلبون ورقة جديدة ثم يقولون هناك مشكلة وأصلحها...". وانتهى الأمر بفاطمة إلى أن أقلعت عن فكرة تغيير البطاقة حتى الموعد القانوني لتغييرها إجبارياً.شهران من "المرمطة"
ومن الإسكندرية إلى مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، شمال غرب القاهرة، تعرّضت مريم محمود لما وصفته بـ"سخافة" موظفي السجل المدني. وقالت: "فضّلوا يأجلوا كل شوية لحد ما قعدت شهرين".وروت أن أحد موظفي السجل المدني قال لها إن الفتاة الظاهرة في صورة الهوية ليست هي، فأجابته: "بالطبع، لأنّ عمري وقت التصوير في البطاقة القديمة كان 17 سنة وكنت أرتدي الحجاب". أصرّ الموظف على أن فتاة الصورة ليست هي، فأحضرت والدها ليؤكد له أنها الشخص نفسه في البطاقة القديمة. وبعدما تأكد الموظف من قول والد مريم، راحت موظفة في السجل تعظها وسألتها: "كيف يوافق والدك على هذا الأمر؟"، ثم طُلب منها القدوم إلى مقر السجل بعد أسبوعين ففعلت ذلك، فطُلب منها مجدداً أن تأتي غداً، فتشاجرت مع الموظفين. وتقول: "كان من حسن حظي وقتها مرور إحدى اللجان التفتيشية، فاضطر الموظفون إلى إنهاء أوراقي بعدما مكثت قرابة شهرين أجيء وأذهب".
"ده حرام وانت بنت ناس"
إلى سجل مدينة "السلام" المدني، على طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي. هناك، تعرّضت محامية شابة لمثل ما تعرضت له الفتيات المذكورات آنفاً. وروت المحامية التي طلبت عدم ذكر اسمها: "تعرّضت لمضايقة من الموظفة التي تسلمت الأوراق للمراجعة، وكانت ترتدي نقاباً وهو ما تعجبت منه. فكيف تعمل في إحدى الهيئات التابعة لوزارة الداخلية بالنقاب. وأثناء مراجعتها أوراقي، سألتني لماذا لا أرتدي الحجاب ولماذا خلعته؟ كانت اسئلتها في البداية ودية". وأضافت: "أخبرتها أنني من دونه أجمل، فتغيرت نبرة صوتها وقالت إن الأوراق ليست مكتملة وتحتاج إلى ختم نقابة المحامين، لأني مقيدة فيها. ولأنني أعلم القانون جيداً أخبرتها أن الختم ضروري في المرة الأولى لإثبت أني مقيدة في النقابة وليس إلزامياً في المرة الثانية، فأخبرتني أنني ربما لم أعد مقيدة لفصلي من النقابة، فسلمتها صورة من القيد الساري لي في النقابة". وتابعت: "بعد ذلك قالت لي: يا بنتي فكري في الحجاب. ده حرام وانتي بنت ناس وحلوة والحجاب يصونك، فأجبتها: فكرت".أين يمكن تقديم شكاوى؟
في مقر "الأحوال المدنية" بحي العباسية بالقاهرة، قال العميد عمر الجمل، مسؤول العلاقات العامة والإعلام، إن شكاوى كهذه غير معتادة ولم ترد إلى هيئة الأحوال المدنية أية شكوى مشابهة. وأوضح أن وزارة الداخلية لا تمانع في أن تغيّر الفتاة بياناتها متى أرادت، وليس شرطاً أن تنتظر حتى انتهاء صلاحية البطاقة، ودون ممانعة من أي موظف بالسجل المدني وفقاً للقانون 143 لسنة 1994 (قانون الأحوال المدنية). وأفاد بأنه لم يكن منطقياً أن يطلب موظف من أحد الأبوين إثبات هوية الطالبة إلا إذا كانت الملامح متغيرة تماماً، وهو إجراء احترازي وليس إجبارياً، والقاعدة أنه يكفي وجود الفتاة لتغيير بطاقتها، نافياً أن تكون هناك موظفة ترتدي النقاب لأن ذلك ممنوع في عرف العاملين بوزارة الداخلية. وعن الإجراءات الواجب على الفتيات اتباعها لتغيير بيانات البطاقة، قال إنه ينبغي بدايةً سحب استمارة تغيير بيانات، أو استمارة تجديد إذا كانت صلاحية البطاقة منتهية. وأشار إلى أنه في حال رفض الموظفين تغيير الصورة يجب على الفتيات تقديم شكوى رسمية لإدارة التحقيقات والشكاوى بمكتب خدمة المواطنين، وتوقع العقوبة بعد إثبات الضرر الواقع على الفتاة، حسب اللوائح الداخلية للعقوبات بدءاً من لفت النظر والإنذار وصولاً إلى العقوبة الجزائية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع