أينما أدرنا وجوهنا، رأينا احتفالاً بالحجاب في كل مكان. هذه الظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع التقارب بين التيارات الإسلامية والنسوية والليبرالية واليسارية، بعدما كوّنت كلها تحالفاً واحداً في السياسة أو في الإعلام.
هذا التحالف برز بشكل أساسي في المسيرة النسائية التي قامت بها تيارات نسوية وليبرالية في الولايات المتحدة احتجاجاً على وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة. حينذاك، ارتدت النسويات الحجاب الذي شكل العلم الأمريكي، كرمز احتجاجي، وتعبير عن التنوع.
وفي برلين، وضمن المسيرات المتضامنة مع النساء في الولايات المتحدة، أقام عدد من المجموعات النسوية والليبرالية مسيرات رددن خلالها شعار "الله اكبر"، في مشهد سوريالي لم نفهمه حتى اليوم.
موجة اعتبار الحجاب رمزاً للتنوع تبنته الشركات الكبرى أيضاً، كونه دعاية جيدة تفتح أمامها أسواقاً جديدة، فشركة "نايك" الرياضية على سبيل المثال، قامت بابتكار خلاق جداً، هو عبارة عن حجاب رياضي يمكن للمرأة المسلمة ارتداؤه أثناء ممارسة الرياضة.
ولأن الإعلام الذي يتبنى الخطاب الليبرالي والنسوي والإسلامي سيحتفل بشركة "نايك" وابتكارها الجديد، فستجذب الشركة انتباه الإعلام، وهذا ما يعني دعاية إضافية مجانية لها دون أن تدفع أي دولار آخر.
في الموسم الجديد من مسلسل "Grey’s anatomy" الأمريكي، برزت محجبات في أدوار ثانوية، وبعد انتهاء عرض الحلقة، بدأ الآلاف يتفاعلون مع المشهد على وسائل التواصل الاجتماعي، ليشكروا العاملين في المسلسل على إشراك محجبات في التمثيل واعترافهم بوجودهم، فهذا يدل على تقبل الآخر وجزء من التنوع وكل هذه الأسطوانة الفارغة عن التسامح والمساواة والتنوع التي نسمعها أينما ذهبنا.
via GIPHYهذه الأمثلة تساورني الآن عن الاحتفال بالحجاب، عدا مئات الأخبار التي نقرأها كل يوم، عن "أول محجبة تصبح شرطية في نيويورك"، و"أول محجبة تصبح قاضية"، "أول محجبة تغني الراب" وإلى ما هنالك من سطحية في التعامل مع مسألة الحجاب على أنه جزء من التنوع والانفتاح واختزال المرأة العربية والمسلمة به.ما رأيكم بالاحتفالات بالحجاب حول العالم، في الوقت الذي تحارب المرأة في الشرق فرض الحجاب عليها
هذا في الغرب، ولكن في هذه اللحظات ماذا يحصل هنا في شرقنا الذي يحكمه الإسلاميون؟
أكثر ما يحضر في ذهني صور هروب عدد من النساء من المناطق الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا عام 2015. في تلك الصور، تخلع النساء الرداء الأسود والحجاب اللذين كان قد فرضهما التنظيم عليهن، ليظهر الرداء الملون تحت الأسود.
وفي تلك الصور كذلك، تبدو عودة الحياة إلى وجوه أولئك النسوة، والفرح لا يكاد يتسع في الصورة. وفي صور أخرى، تظهر نسوة يدخنّ السجائر كون السجائر محرمة على الجميع في المناطق الخاضعة للخليفة الإسلامي.
ومن ضمن الصور التي يحفل بها شرقنا البائس، صور التظاهرة النسائية التي شاركت فيها أكثر من 100 ألف امرأة في الثامن من مارس 1979 في شوارع طهران بعد قرار الحكومة الإسلامية بالزام النساء بارتداء الحجاب خارج منازلهن. وحتى اليوم، فإن عدم ارتداء المرأة الإيرانية للحجاب في الأماكن العامة هو جزء من التمرد على الشريعة الإسلامية.
علماً أن الحجاب فُرض على النساء في أغلب المناطق التي خضعت وتخضع للحكومات أم للمنظمات الإسلامية.
***هكذا، في الوقت الذي تحارب المرأة في العالم العربي والإسلامي فرض الحجاب عليها كونه رمزاً للقمع، يحتفل الليبراليون والنسويات واليساريون بالحجاب على أنه رمز للتنوع والانفتاح الثقافي. أما الخدمة الفضلى التي يحصل عليها الإسلاميون فهي ما تقوم به هذه التيارات التي أصبحت تعيش في عالم آخر لا ينتمي إلى العالم الواقعي الذي نعيش فيه.
وإلى ذلك الحين، سيبقى الحجاب رمزاً للقمع الإسلامي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه