ما هو السبب الأساسي الذي يدفعنا إلى ممارسة الجنس؟
يعتبر البعض أننا كبشرٍ نمارس الجنس من أجل هدفٍ واحدٍ: الإنجاب، المحافظة على النسل وضمان التكاثر البشري، ولكنه في خضمِّ التطوّر الطبّي المذهل تغيّرت المعطيات، وتمّ تحرير العملية الجنسيّة من مفهومها الضيّق الذي يقتصر فقط على الإنجاب، من خلال إعطاء بعض الحلول والعلاجات البديلة.
فمنذ نجاح ولادة أوّل طفلة أنابيب في العالم في العام 1978، شهد العالم ولادة حوالي 8 ملايين طفل بواسطة "التلقيح الاصطناعي"، مع احتمال أن يزداد هذا العدد بشكلٍ كبيرٍ في المستقبل، في ظلِّ تطوّر أدوات تحديد المخاطر الجينيّة في الأجنّة.
وعليه، إذا سلّمنا الجدل بفرضية أن الهدف الأساسي من الجنس هو الإنجاب، فهل ستساهم ظاهرة الحمل بواسطة التخصيب المخبري وغيرها من التقنيات الطبيّة، في عزوف البشر عن ممارسة الجنس في القريب العاجل؟ وهل نحن على أعتاب ثورةٍ جنسيّةٍ جديدة قد تغيّر نظرتنا ومفهومنا للعملية الجنسيّة إلى الأبد؟
نهاية الجنس؟
يشير هنري تي غريلي، صاحب كتاب The End of Sex And The Future of Human Reproduction (نهاية الجنس ومستقبل التكاثر البشري) إلى أنه يتوقّع أن يظلَّ الناس يمارسون الجنس في المستقبل، إنما ليس فقط بهدف إنجاب الأطفال، شارحاً ذلك بالقول: "في غضون 30 إلى 40 عاماً، سيختار معظم الناس، ممن يتمتعون بتغطيةٍ صحيّةٍ جيّدة، أن يخضعوا للإخصاب في المختبر".
يغوص كتاب "غريلي" في بعض التحديات القانونيّة والأخلاقيّة التي تواجه تقنية التشخيص الوراثي ما قبل الزرع PGD، والتي تقوم على فكرة اختبار الأجنّة لفحص أيِّ تشوّهاتٍ وراثيّةٍ قبل أن يتمَّ نقلها إلى الرحم، وهي تقنيةٌ قديمة إنما يصاحبها ردود أفعال سلبيّة، ولكن مع مرور الوقت وإثبات أن الأطفال المولودين عبر PGD ليس لديهم رأسين وذيل، فإن الجمهور لن يتساهل مع هذه التقنية فحسب إنما سيفضّل التكاثر اللاجنسي، وفق ما يؤكّده الباحث.
يعتبر البعض أننا كبشرٍ نمارس الجنس من أجل هدفٍ واحدٍ: الإنجاب، ولكنه في خضمِّ التطوّر الطبّي المذهل تغيّرت المعطيات، وتمّ تحرير العملية الجنسيّة من مفهومها الضيّق
وبالتالي ماذا سيكون الهدف من ممارسة الجنس في ظلِّ عالمٍ يتمّ فيه صنع الأطفال في المختبرات، وحيث لا يتمّ اختيار الجماع من أجل الإنجاب سوى من قبل عددٍ قليلٍ من النساء؟
غاية الجماع
"ما الغاية من الجنس؟"، هذا السؤال طرحه الباحث ديفيد هالبرين في إحدى مقالاته التي حملت العنوان نفسه، مشيراً إلى أن الإنسان بطبيعته كائنٌ فضولي، مجبولٌ بالفكر وبالعاطفة، ويحاول دوماً العثور على أجوبةٍ مقنعةٍ لأسئلته، خاصّةً بالنسبة لموضوع الجنس ومحاولة معرفة سبب إقدام البشر على الجماع.
من الناحية البيولوجيّة، هناك سببٌ واضح يدفع الناس لممارسة الجنس، وقد شرح هالبرين ذلك بالقول: "نحن نمارس الجنس لأنه يلبّي الدوافع البيولوجيّة، بما في ذلك دافع الإنجاب وتوطيد العلاقات".
ماذا سيكون القصد من الجنس في ظلِّ عالمٍ يتمّ فيه صنع الأطفال في المختبرات؟
وبالعودة إلى الأزمنة القديمة، حاولت الفلسفة الرواقيّة، التي كانت تقوم على كبح الانغماس في الملذات، بوضع الجنس في قالبٍ معيّن: الانغماس في متعة الجنس هي مسألةٌ مقبولة طالما كان الغرض منها إنجاب الأطفال، وهذه النظرية لاقت قبولاً لدى مختلف الديانات التي شدّدت على أن الجنس يكون أخلاقيّاً عندما يُمارَس بشكلٍ أساسي من أجل الإنجاب.
أما الفيلسوف اليوناني الشهير "أرسطو" فقد كانت له نظرة مختلفة لمفهوم الجنس، إذ قال: "الرغبة الجنسيّة هي الرغبة في الحبّ أكثر من الجماع وبالتالي فإن الجماع ليس هو الغاية على الإطلاق".
من هنا يوضّح "هالبرين" أن أرسطو قصد في حديثه أن الحبّ هو هدف الرغبة الجنسيّة، والسبب الحقيقي لممارسة الجنس يعود إلى كوننا نريد أن نُحِبّ ونُحَبّ: "الجنس ليس حول شيءٍ ما، بل هو عن شيءٍ آخر أهم وأكثر نبلاً".
على غرار العديد من الناس، يعتبر أرسطو أنه من الأمور المسلّم بها أن الجنس والحبّ يسيران جنباً إلى جنب، وبالرغم من أنه لم يسع لإظهار صحّة هذا الافتراض، إلا أنه حاول التأكيد على أن "الجنس ليس الهدف النهائي للرغبة الجنسيّة"، وعليه يعتبر "ديفيد هالبين" أن السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام لا يتعلّق بالعلاقة بين الجنس والحبّ، بل بالعلاقة المدهشة بين الجنس والرغبة الجنسيّة، معتبراً أنه في حال كان أرسطو محقّاً في نظريته فإن هذا يعني أن الجنس ليس له غرض جنسي وشهواني.
الجنس أعمق من أيّ معنى
صحيح أن البشر يمارسون الجنس من أجل الإنجاب وتوطيد العلاقات بينهم وبين الآخرين، إلا أن الهدف من الجنس يتجاوز الأسباب والفرضيّات المحتملة، بحيث أنه من الصعب تحديد الهدف الدقيق لعلاقتنا مع الجماع.
ولعلّ الفرق بيننا وبين العديد من الكائنات الحيّة أننا كبشرٍ نسعد في القيام بأشياءٍ عديمة الفائدة: "نحن نفعلها لأننا نستمتع بها، خاصّةً وأن المشاركة في مثل هذه الأنشطة تجلب لنا السرور، الأمر الذي يصرف انتباهنا عن البحث عن الأسباب"، وفق ما يؤكّده "ديفيد هالبرين"، معتبراً أن "فعل الجنس يكون منطقيّاً فقط عندما لا يكون له أيّ معنى".
وفي سياق عزل الجنس عن موضوع الإنجاب، أحدثت حبوب منع الحمل ثورةً في عالم الجنس وشكّلت هاجساً لدى بعض أولئك الذين تمسّكوا بفكرة أن الغاية الأساسيّة من الجنس هي ضمان التكاثر البشري.
فعل الجنس يكون منطقيّاً فقط عندما لا يكون له أيّ معنى
ففي العام 1968، قالت الكاتبة الأمريكية، بيرل باك: "الجميع يعرف ما هي حبوب منع الحمل. إنها شيء صغير ولكن تأثيرها المحتمل على مجتمعنا قد يكون أكثر تدميراً من القنبلة النوويّة"، وبالتالي كحال العديد من المحافظين اعتبر "باك" أن ممارسة الجنس من دون هدف الإنجاب قد تساهم في نهاية الحضارة.
وبالرغم من هذه النظريات التقليديّة إلا أن العقود القليلة الماضية جاءت لتؤكّد لنا أن الجنس يجب ألا يكون محصوراً بأغراضٍ وأهدافٍ محدّدة.
ففي الستينيات لاحظ الباحثون تغييراتٍ جذريةٍ في المفاهيم العامة للجنس، إذ بدأ الناس يتقبّلون أكثر فأكثر فكرة الجماع التي لا ترتكز على الإنجاب فحسب، مع العلم أن المواقف تختلف وفق العمر، الجنس والمعتقدات الدينيّة وحتى البيئة التي ينحدر منها المرء، ففي العالم العربي مثلاً يعتبر البعض أن ممارسة الجنس من أجل المتعة فقط هو حرام، وهو موقف يتبناه الدين الذي يشدد على أن الغاية من الجماع تكمن في انجاب الأطفال للحفاظ على التناسل وكل علاقةٍ عاطفيةٍ تخالف ذلك تندرج تحت إطار الزنا، فالنبي محمد قال: "تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مُبَاهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، وبالنسبة إلى القديس "أوغسطين"، وهو من كبار رجال الدين المسيحي في العصر الوسيط، فإنه رفض ما أطلق عليه "الجنس الجاف"، أي كل ممارسة تستهدف المتعة دون الإنجاب.
حاولت بنفسي أن أفهم أكثر عمّا إذا كانت النساء من حولي يتساءلن عن أهداف ممارستهنّ الجنس، وانقسمت المواقف بين الأصوات التقليدية التي تعتبر أن الهدف الرئيسي من العلاقة الجنسية ينحصر بمسألة إنجاب الأطفال، وهو حال المهندسة اللبنانية آمال (29 عاماً) والتي تجد أن الغاية من الجنس هي في المقام الأول الإنجاب، بالإضافة إلى كسر الروتين وتجديد العلاقة بين الشريكين، ولكنها في الوقت نفسه تؤكد أنها ترفض السير وراء مغامراتٍ غير مدروسة، وتابعت في حديث لرصيف22 :" من جهتي، اعتبر ان الغاية الأساسية لممارسة الجنس هي الإنجاب ومن بعدها تأتي مسألة اللذة، بشرط أن تكون مقرونة بالارتباط الرسمي"، مبررةً ذلك بالقول:"مذاق اللذة بكون الذ تحت غطاء الزواج".
في المقابل هناك آراء تشدد على ضرورة تحرير العملية الجنسية من القوالب النمطية والمدارس الفلسفية التقليدية، على غرار الطببية اللبنانية "غنى" (30 عاماً) والتي تقول:"مش ضرورة نفزلك الأمور، الجنس أبسط من هيك بكتير، الأهم نعرف شو بدنا من الشريك وكيف نستغل اللحظة"، مشيرةً إلى ضرورة الفصل بين ممارسة الجنس والإنجاب:"من الخطأ برأيي ربط العملية الجنسية بالإنجاب...كأنو عم نقول للثنائي يلّي ما بدو يجيب ولاد ما لازم يستمتع بالجنس".
بمعنى آخر فإن وجهة نظرنا حول الجنس هي نتاج موقعنا ضمن مكانٍ وزمانٍ محددين، وبالتالي يمكن القول أن أخلاقيّاتنا الجنسيّة ليست مسألة أبديّة، لكونها تتطوّر باستمرار، وربما أسرع بكثيرٍ مما نحن على استعدادٍ له، فعوضاً عن إشغال بالنا بتحديد مفهوم الجنس والغاية منه، من الأجدر بنا أن نخرجه من مفهومه الضيّق ونؤمن بأن الجنس هو جزء من الطبيعة وعلينا أن نتناغم معه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع