شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الجنس بمنظار غاندي: وسائل منع الحمل كارثية لأنها تدفعنا على العيش من أجل الجنس وحده

الجنس بمنظار غاندي: وسائل منع الحمل كارثية لأنها تدفعنا على العيش من أجل الجنس وحده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 17 سبتمبر 201803:48 م
في ديسمبر 1935، زارت "مارغريت سانغر"، الناشطة الأميركية في مجال تحديد النسل وتدريس الجنس، الأسطورة الهندية "غاندي"، في ولاية ماهاراشترا الغربية، حيث أجرت معه محادثة مهمة، تحولت في وقتٍ لاحقٍ إلى جزء من سيرة حياة "أبو الهند" من توقيع المؤرخ "راماشاندرا غوها". يتميز كتاب "غاندي: السنوات التي غيّرت العالم"، عن غيره من الكتب التي تناولت حياة المهاتما، لاعتماده على مصادر غير مسبوقة من 60 مجموعة مختلفة من حول العالم، إضافة إلى تطرقه إلى مواضيع حساسة وشائكة. Gandhi_writing_1942 في 1129 صفحة، يكشف "غوها" قصة حياة أكثر دعاة السلام شهرةً في العالم، من مرحلة عودته إلى الهند من جنوب أفريقيا في العام 1925 وصولاً إلى لحظة اغتياله في العام 1948. أما الشق المثير للاهتمام في السيرة، فهو التركيز على وجهة نظر غاندي "الصادمة" حول حقوق المرأة، والمستقاة من الاجتماع الذي دار بين الزعيم الهندي و"مارغريت سانغير" وذلك بفضل الملاحظات القيّمة التي دوّنها سكرتير غاندي "ماهاديف ديساي".

التضارب في وجهات النظر

"الاختلاف في الرأي ينبغي ألّا يؤدّي إلى العداء، وإلّا كنت أنا وزوجتي من ألدّ الأعداء".(غاندي) من خلال النقاش الذي دار بين "المهاتما" و"سانغير" اتّضح منذ البداية أن هناك بعض النقاط التي يتفقان عليها خاصةً لناحية وجوب تحرير المرأة وجعلها الآمر الناهي في تقرير مصيرها، إلا أنه عند التعمق أكثر في الحديث، يظهر التضارب في وجهات النظر، إذ لوحظ أن هناك تبايناً في الآراء في مسألة الرغبة الجنسية.
كان يصر غاندي على ضرورة كبح الشهوة الجنسية بهدف تحرير الذات من كل القيود، خاصة أن الجنس كان يترك في داخله شعوراً بالعار والذنب.
انتقد غاندي حجاب النساء المسلمات، زاعماً أنه "يضر بصحة المرأة، إذ لا يسمح لها بالحصول على ما يكفي من الهواء والضوء إضافة إلى أنه ملآن بالأمراض".
ففي حين أن "سانغر"، وهي التي افتتحت في العام 1916 أول مركز لتنظيم الأسرة في الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً في نيويورك، تؤمن بأن وسائل منع الحمل هي الطريق الأسلم للتحرر، إلا أن "غاندي" اعترض على هذه المسألة بشدّة. فقد اعتبر المهاتما أنه يتعيّن على النساء مقاومة أزواجهنّ، وطالب الرجال بـ"كبح" "شهواتهم الحيوانية"، وشدد على أن الجنس يجب أن يحصل فقط من أجل الإنجاب. إلا أن هذا الكلام لم يقنع الناشطة الأميركية على الإطلاق، فدخلت في نقاشٍ "محتدم" مع غاندي لإقناعه بالعدول عن وجهة نظره.

بين تحرير المرأة وقمعها جنسياً

انطلقت "سانغر" من مسألة المساواة بين الرجل والمرأة، إذ أشارت إلى أن للمرأة مشاعر قوية وعميقة تماماً مثل الرجل، وبالتالي فإنها تختبر بدورها الرغبة الجنسية:"هناك أوقات تشعر فيها الزوجة بالرغبة في الاتحاد الجنسي بقدر رغبة الرجل في ذلك". ثم طرحت على غاندي السؤال التالي: "هل تعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك شخصان في حالة حب، سعيدان، وينظمان النشاط الجنسي بمعدل مرة واحدة فقط خلال عامين، بشكل ألا يمارسا الجنس إلا عندما يرغبان في مولودٍ جديد؟"، مشددةً على الدور الفعال الذي لعبته وسائل منع الحمل في مساعدة النساء على تجنب الحمل غير المرغوب به إضافة إلى إعطائهنّ فرصة التحكم بأجسادهنّ. في المقابل أصرّ غاندي على موقفه الرافض لوسائل منع الحمل ولممارسة الجنس بمعزل عن الرغبة في الإنجاب. [caption id="attachment_163288" align="alignnone" width="700"]Gandhi_and_Kasturbhai_1902 Gandhi_and_Kasturbhai_1902[/caption] فقد أوضح أنه ينظر إلى الجنس على أنه "شهوة"، كاشفاً أن علاقته بزوجته "كاستوربا" أصبحت "روحية" بعدما ودّع مرحلة "المتعة الجسدية". وبالتالي فإن غاندي كان يصر في حديثه مع "مارغريت" على ضرورة كبح الشهوة الجنسية بهدف تحرير الذات من كل القيود، خاصة أن الجنس كان يترك في داخله شعوراً بالعار والذنب: ففي سيرته الذاتية، تحدث عن الشعور بالذنب الذي تملكه حين فكر بأنه كان يمارس الجنس مع زوجته في الوقت الذي توفي فيه والده.
من الأفضل على النساء أن يقاومن رجالهنّ كما يتعيّن على الرجال السيطرة وترويض شهواتهم الحيوانية
وبالرغم من كل هذه الصرامة والحدّة في المواقف، فإنه في نهاية المحادثة يبدو أن غاندي اقتنع ببعض النقاط وبدا أكثر ليناً في التعاطي ومقاربة الأمور، فأشار إلى أنه لا يمانع مسألة "التطهير الطوعي" بالنسبة إلى الرجل، كما اعتبر أنه عوضاً عن تستخدام وسائل منع الحمل، بامكان الأزواج ممارسة الجنس خلال "الفترة الآمنة" من الدورة الشهرية.

التحكم بالنفس وبالشهوات

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها المهاتما في العلن عن رأيه بوضوح في مسألة استخدام وسائل منع الحمل. ففي العام 1934، سألته إحدى الناشطات الهنديات في مجال حقوق المرأة عمّا إذا كانت وسائل منع الحمل هي أفضل طريقة "للتحكم في النفس". فجاء جواب غاندي كالتالي: "هل تعتقدين أن حرية الجسم يتم اكتسابها عن طريق اللجوء إلى وسائل منع الحمل؟ يجب على النساء أن يتعلمن مقاومة أزواجهنّ"، معتبراً أنه في حال تم استخدام وسائل منع الحمل بنفس الطريقة التي تحصل في الغرب، فإن النتائج المترتبة ستكون كارثية: "سوف يعيش الرجال والنساء من أجل الجنس وحده...سيصبحون أفراداً معتوهين، مجرّد "حطام عقلي وأخلاقي". Gandhi_spinning في هذا الصدد، كتب "غوها":"بالنسبة لغاندي، كان الجنس عبارة عن شهوة، وكونه ضرورياً للتناسل، فإن الطرق الحديثة للسيطرة على النسل تضفي الشرعية على الشهوة، من هنا إعتبر أنه من الأفضل على النساء أن يقاومن رجالهنّ كما يتعيّن على الرجال السيطرة وترويض شهواتهم الحيوانية". من الواضح أن مواقف غاندي تجاه النساء كانت معقدة وملأى بالتناقضات، فقد كان ينتقد النساء اللواتي يجعلن أنفسهنّ "جذابات" بعيون الرجال، إذ "يكره تسريحات الشعر والملابس الحديثة "، ورأى أنه "من المؤسف أن الفتاة الحديثة تعلق أهمية كبرى على إتباع قواعد الموضة، أكثر من حماية صحتها". وانتقد حجاب النساء المسلمات، زاعماً أنه "يضر بصحة المرأة، إذ لا يسمح لها بالحصول على ما يكفي من الهواء والضوء، إضافة إلى أنه ملآن بالأمراض". وفي مرحلة ما من حياته أجرى غاندي تجربة مثيرة للجدل، إذ طلب من ابنة أحد أقربائه، مانو غاندي، أن تنضم إليه في السرير الذي ينام فيه. "كان يختبر علاقته وسيطرته على رغباته الجنسية"، يكتب غوها. وبالرغم من أنه آمن بحقوق المرأة وشدد على ضرورة المساواة بينها وبين الرجل، فإن غاندي، وفق "غوها"، لم يتحدث بلغة الحركة النسائية الحديثة:" في حين أنه كان يؤيد بقوة تعليم المرأة وكان منفتحاً على فكرة عمل النساء في المكاتب والمصانع، إلا أنه كان يعتقد أن عبء تربية الأطفال والاهتمام بشؤون المنزل هما من مسؤوليات المرأة". وعليه يمكن القول إنه بالنظر إلى معايير عصرنا يمكن اعتبار غاندي شخصاً محافظاً، أما من منظور معايير عصره فقد كان، بلا شك، إنساناً متحرراً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image