تخيلوا أنفسكم في السرير بين أحضان الشريك وبالرغم من رغبتكم الملحة في إقامة علاقةٍ جنسيةٍ مذهلة يتشتت انتباهكم فجأة ويبدأ عقلكم بالتفكير بأمورٍ كثيرةٍ تكون في غير محلها على الإطلاق: ماذا كنت أنوي وضعه على قائمة التسوق؟ لماذا لم يردّ مديري على الرسالة الإلكترونية التي أرسلتها له اليوم؟ لماذا تأخر زميلي عن دوام العمل؟ يختبر العديد من الناس ظاهرة "الانفصال عن اللحظة والتشتت الذهني" أثناء ممارسة الجنس، الأمر الذي قد يؤثر في نهاية المطاف على أدائهم الحميمي ويصيبهم بمشاكل جنسية مثل العجز الجنسي، وعدم القدرة على الانتصاب، وآلام في المهبل، وفقدان الرغبة الجنسية... ووسط كل هذه العثرات التي يمكن أن "تدمر" العلاقة العاطفية وتطفىء لهيب الشغف بين الطرفين، قد يكون الحل الأنسب في العديد من الحالات هو تطبيق ما يعرف بـ"اليقظة الذهنية" أثناء العلاقة الحميمة. فكيف تؤثر مهارات الحضور الجنسي على العلاقة الجنسية بين الطرفين؟ وهل يمكن أن تضع حدّاَ لـ"تعاسة السرير"؟
عيش اللحظة الحالية
لطالما استخدمت "اليقظة الذهنية" لعلاج حالات الاكتئاب واضطرابات الطعام وغيرها من الأمراض المتعلقة بالصحة الذهنية، أما الآن في ظل تزايد نسبة الرجال والنساء الذين يعانون من غياب الرضا الجنسي، فإن هذه الإستراتيجية شقت طريقها نحو العلاقة الحميمية. كيف يمكن ترجمة اليقظة الذهنية في الجنس؟على غرار "التأمل"، فإن اليقظة الجنسية تعتمد على التركيز على جميع التفاصيل الدقيقة المتعلقة بما نقوم به في لحظة معينة من الزمن.
اعتبار البعض الجنس مجرد وسيلة تهدف إلى تحقيق غايةٍ واحدةٍ هي الوصول إلى النشوة الجنسية يمكن أن يخلق اضطراباً في أدائهم، الأمر الذي يؤدي إلى غياب الحميمية.ليس من السهل على الإطلاق فصل العملية الجنسية عن الأمور الأخرى التي قد تشغل بالنا، لأن العديد من الأشخاص، أثناء ممارستهم الجنس، ينغمسون في أفكارٍ متعلقة بالأداء الجنسي نفسه، بمشقات العمل أو بتخيل مشهد إباحي وجعله يدور في رأسهم من دون توقف. واللافت أن هناك بضعة أسباب تقف وراء هذه "النزعة" والتششت الذهني بما في ذلك التوتر، والمشاكل التي تصاحب العلاقة العاطفية والإدمان على مشاهدة الكثير من الأفلام الإباحية، هذه كلها أمور تجعل المرء يبتعد عن الإحساس بجسده والانجرار وراء أفكارٍ تخمد الرغبة الجنسية. بحسب موقع conscious lifestyle mag يحدث هذا "الإنفصال" عن اللحظة عندما يزيد الارتباط العاطفي مع الشريك فنشعر حينذاك بالضعف وبالخشية من أن نخسره، مما يشعل الاستجابة بالمواجهة أو الهروب.
في جوهرها، تنطوي اليقظة الذهنية على الاهتمام بما يحدث في الوقت الحاضر والتوقف عند الأفكار والمشاعر من دون إطلاق الأحكام المسبقة، وعلى غرار "التأمل"، فإن اليقظة الجنسية تعتمد على التركيز على جميع التفاصيل الدقيقة المتعلقة بما نقوم به في لحظة معينة من الزمن. وفي هذا الصدد، تشرح "كايت مويل"، الأخصائية في علم النفس والعلاقات لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أن "الأمر يتعلق بإعطاء أنفسكم الوقت والمكان اللازمين للاستمتاع واختبار الجنس"، مشيرةَ إلى أن اللحظة الآنية هي مفتاح اللذة خاصةً أننا في الكثير من الأحيان نشعر بالضياع وقلما نولي اهتمامنا الكامل بالأشياء، "وهذا يعني أننا نفوت علينا الكثير" على حدّ قولها.
تحقيق الرضا الجنسي
تهدف "اليقظة الذهنية" أثناء ممارسة الجنس إلى استعادة ارتباطنا بأجسادنا وجعلنا نتوقف عن قضاء الكثير من الوقت منهمكين بأفكارنا وهواجسنا، الأمر الذي من شأنه تقليل الإجهاد والتوتر، وفق ما تشير إليه صحيفة "الغارديان" البريطانية. يؤكد الخبراء أن ممارسة الجنس "الواعي" من شأنه تعزيز الصحة الجسدية والعاطفية من خلال تمكين الناس من التركيز بشكلٍ كاملٍ على أحاسيسهم الجسدية، وبالتالي الوصول إلى تجربةٍ جنسيةٍ أكثر إشباعاً ولذة.فقد تبين أن الإحجام عن التركيز على شيءٍ واحدٍ في كل مرة يمكن أن يكون ضاراً عندما يتعلق الأمر بشكل خاص بالجنس، كما أن "التشتت الذهني" يمكن أن يكون وراء الأعداد المتزايدة للأشخاص الذين يعانون من غياب الرضا الجنسي في علاقاتهم مع الشريك. ففي يونيو، كشفت دراسة استقصائية أجريت على 7300 إمرأة أن 49% من النساء اللواتي تراوح أعمارهنّ بين 25 و34 عاماً يعانين من فقدان اللذة الجنسية، كما وجدت دراسة أجريت في العام 2013 أن الأشخاص في بريطانيا باتوا يمارسون الجنس بوتيرةٍ منخفضةٍ مقارنة بالأعوام السابقة، في ظل صعوبة 16% من النساء في الوصول إلى النشوة الجنسية ومعاناة 15% من الرجال من سرعة القذف و13% من مشاكل في الانتصاب، وبدت مشاكل الاستجابة الجنسية شائعة، إذ طالت 42% من الرجال و51% من النساء.
كيف يمكن التعويض عن غياب الإشباع الجنسي؟
لعلّ أحد الأسباب التي تؤدي إلى افتقار الرضا الجنسي يكمن في نظرة البعض إلى مفهوم الجنس واعتباره تمريناً ذا هدف حصري، على حدّ قول المعالجة النفسية "ديانا ريتشاردسون". من خلال فيديو لـTEDx حصل على أكثر من 180 ألف مشاهدة، تحدثت "ريتشاردسون" عن "قوة الجنس الذهني"، مؤكدةً أن العقل يلعب دوراً كبيراً في العلاقة الجنسية، خاصة أن الإنسان، بعكس الحيوان، يختار بحريةٍ تامةٍ متى وأين يريد أن يمارس الجنس، إلا أن اعتبار البعض الجنس مجرد وسيلة تهدف إلى تحقيق غايةٍ واحدةٍ هي الوصول إلى النشوة الجنسية يمكن أن يخلق اضطراباً في أدائهم، الأمر الذي يؤدي إلى غياب الحميمية.إذا لاحظتم وجود توتر بينكم وبين الطرف الآخر، ركزوا على مسألة التنفس بشكل صحيح والاسترخاء قبل العودة إلى العلاقة الحميمية، فتتحول "ممارسة الحب" إلى "ممارسة ذهنية" بامتياز.هذا المفهوم يتناقض تماماً مع ما يروجه "الجنس الذهني" الذي تصفه "ديانا" بأنه "أشبه بأن تكونوا الجنس بعينه بدلاً من مجرد ممارسة الجنس"، شارحةً كيف يمكن للجنس الذهني أن يؤدي إلى هزات جماع أكثر حدة، لا سيما أن التخلص من الضغوط يعني الاسترخاء أثناء العملية الجنسية وبالتالي الوصول إلى الذروة. وكانت شركة ألعاب جنسية يابانية تدعى Tenga قد أنتجت تقرير "الملذات العالمي" الذي شمل أكثر من 13600 شخص، أعمارهم بين 18 و74 عاماً، واتّضح أن الرجال الذين هم على اتصال جبد بعواطفهم ومشاعرهم هم الأكثر راحةً في التعامل مع أجسادهم ومع الآخرين، مع العلم أن هذه النتائج تتعارض بشدة مع الصور النمطية القديمة المتعلقة بالذكورية، والتي تدعو إلى الرزانة والانفصال العاطفي في موضوع الجنس.
ممارسات لزيادة الرغبة الجنسية
تحصل اليقظة الذهنية عندما تكونون منغمسين في الأحاسيس الجسدية... فكروا في أفضل مرة مارستم فيها الجنس مع شريككم؟ تذكروا ما حدث لجسدكم، ما هي الأحاسيس التي اختبرتموها وماذا حدث في ذهنكم؟ لا شك أن هذه كانت المرة التي كنتم موجودين فيها ذهنياً بالكامل ومرتطبين بالشريك عاطفياً وجسدياً إلى أقصى حد. وما يميز اليقظة الذهنية أنها مجانية وتجعل التجربة الجنسية ألذ وأكثر إشباعاً، إذ من خلالها يتمكن المرء من عيش اللحظة الآنية، والغوص في جسمه من خلال التحلي بالوعي الكافي لإدراك حالته الفزيولوجية والعاطفية بشكل ينسجم مع التغيرات الجسدية والعاطفية التي يختبرها بدوره الشريك. ومن أجل تحقيق "اليقظة الذهنية" يمكنكم إتباع الخطوات التالية: خذوا دقيقة من أجل الإحساس بالطريقة التي يتفاعل بها جسدكم وملاحظة الأحاسيس التي تكون من حولكم من دون إطلاق أحكام أو التفكير مطولاً بالأمور. via GIPHYامنحوا أنفسكم إذن الحصول على العاطفة واعلموا أن جميع العواطف جزء طبيعي من التجربة الإنسانية. قولوا لأنفسكم بصمت: هذه المشاعر التي أعيشها هي عاطفة إنسانية طبيعية تماماً وطبقوا هذا الأمر على أي مشاعر وأفكار تنتابكم أيضاً. ركزوا على المداعبة من خلال إعطاء أنفسكم بعض الوقت للتواصل مع حالتكم الجسدية والعاطفية، وقد ترغبون في قضاء بعض الوقت في التأمل ربما مع شريككم قبل إقامة علاقة جنسية معه. أما إذا لاحظتم وجود أي توتر بينكم وبين الطرف الآخر، فعندئذ ركزوا على مسألة التنفس بشكل صحيح والاسترخاء قبل العودة إلى العلاقة الحميمية، وبهذا يمكن تحويل "ممارسة الحب" إلى "ممارسة ذهنية" بامتياز.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين