يتمايلن، يرقصن، يتعرّين، يستحممن، يحتسين القهوة، يتسامرن، نساءٌ ممتلئات القوام.
لا تخطيء عيناك أجسادهن، طريقة جلوسهن أثناء الدردشة، أوضاعهنَّ "المائعة" المِغناجة في الحمّامات: شعور الدعة، وراحة البال، حالة نفسيّة لا تألفها إلا مع المتناغمات مع معايير الجمال العصريّة التي تسودها النحافة.
تندهش، وتؤخذ بسحرهن، ولا تملك إلا أن تعيد النظر إليهن ثانيةً، لتكتشف قصصاً وحكايات.
هنّ "نساء من اليوتوبيا" للفنّان التشكيلي عبد الوهاب حوام، الذي أظهر بطلات رسوماته غير مكترثاتٍ كثيراً بمقاييس الخصر، وحجم الجسم، والقيل والقال.
عبد الوهاب لم يكتف بنسوة اللوحات فحسب، بل راح ليكوّن لوحةً جديدةً مع بطلةٍ جديدة ضمّها لبطلاته، "عزيزة"، العروسة الخشبية الماريونت، ولكن هذه المرّة بالرقص، فكانت أيقونة نجاحٍ، وسرَّ شهرة بطلاته الأخريات.
"رصيف22" التقت حوام ليأخذنا في جولةٍ مع نساء يوتوبياه، قد لا نصادفهن في حياتنا اليوميّة..
"لماذا ترسم النساء بهذا الشكل؟" كان أوّل سؤال خطر لي.
يقول كأنه مغرم ببطلاته: "اعتدت أن أرسم النساء المصريّات، وأُظهر من خلالهن العادات والتقاليد المصريّة القديمة الجميلة التي بدأت بالانقراض، فكان رسمي للنساء القديمات "بتوع زمان"، حيث لم يكن لهن مقاييس تحدّد جمالهن، كما الآن، الجمال التلقائي وجمال الروح، كما كانت جدّاتنا وأمهاتنا قديماً".
ويسلّط حوام الضوءَ على الخلفيّة الفنيّة التشكيليّة لـ "حبيباته" الجميلات المدلّلات: "هذا النوع من الفنِّ هو تصويرٌ تعبيري يعتمد على التعبيريّة في البورتيريهات، حيث تكون ملامحهم وعيونهم معبّرة، أكثر منه رسم تكنيك أو أكاديمي، فقط يعتمد على التعبير، ومع ذلك أعتبرها مجرّد مرحلة، فليس كلّ أعمالي نساء ممتلئات".
"ينظر إلى اللوحة ويخبرني أنّ بينهم لغة حوار العيون"ويتابع حوام: لاقت لوحات النساء إقبالًا كبيراً وحفاوةً حينما أقمت أوّل معرضٍ خاص بي في بيروت، وكان قبلها قد بيعت لي لوحات عديدة في لبنان، فذهبت على أساس أن الناس تحبّ أعمالي، وأكثر ما لفت انتباهي هو حبّ الشعب اللبناني للفنِّ والألوان وشغفه بتاريخ الفنّ والفنّانين، وتشابه الثقافة جعلني لا أشعر بالغربة.
رسّام أم محرك عرائس
جمعت بين الفنّ التشكيلي وتحريك العرائس بماذا نصف عبد الوهاب اليوم؟
يقول حوام: "دائماً ما أُعرّف نفسي كعبد الوهاب الفنان التشكيلي، لأنَّه أكثر شيء أحبّ أن أصف نفسي به، ولم أقم أبداً بتعريف نفسي كلاعبٍ بالعرائس الماريونت لأني لست صانعاً لها، ولا أعمل بمسرح عرائس، ولست مقدّم عروض، ولكني فقط جيد في تحريكها، فضلاً عن كون الرسم هوايتي وشغلي الأساسي، لأنه عملي الذي أكسب من خلاله".
"لاقت لوحات النساء إقبالًا كبيراً وحفاوةً حينما أقمت أوّل معرضٍ خاص بي في بيروت"
وعن "عزيزة " التي اشتهر بها، يقول حوام: "هي سرّ شهرة لوحاتي ومعرفة الجمهور بي بشكلٍ أكبر، بصدفةٍ لم أخطط لها، نشرت فيديو لعروسة ماريونت كنت قد حصلت عليها من أحد أصدقائي، وكنت أحرّكها لهم على سبيل البهجة والمرح، وذات يوم نشرت لها فيديو على حسابي بانستجرام وخلدت للنوم، لأستيقظ على آلاف المتابعين، وردَّ فعلٍ غير متوقّع للفيديو الذي كان على نغمات موسيقى فيلم اسمه "عزيزة" لنعيمة عاكف في الخمسينيات، والموسيقى لمحمد عبد الوهاب، وحينما رقصت به العروسة، ارتبطتُ بها فأصبح اسم "عزيزة" من نصيبها".
ماذا عن إضافة "عزيزة" لبطلات لوحاتك؟
يوضّح حوام: "لم أفكّر من قبل برسم لوحةٍ لها، من الممكن فيما بعد، ولكني بهذه المرحلة أفكّر في تغيير فستانها والإكسسوار والألوان، لتصبح متجدّدة، خاصّة وأن إمكانياتها محدودة".
"حلمي أكون مرتاح"
يقول حوام مثمّناً قيمة الفنِّ التشكيلي في حياتنا: "الفنّ التشكيلي له طابعه الخاصّ، هو بمثابة موثّقٍ للتاريخ في الوقت الذي لم تتواجد فيه كاميرات التصوير، ولا أفلام السينما، كانوا يلجؤون إلى اللوحات، ليعرفوا من خلالها شكل العمارة والمنازل والديكور والملابس، وبناءً عليه يصنعون الأفلام التسجيليّة وغيرها. إلا أنّ الإعلام بالفترة الحالية غير مهتمٍّ، للأسف، بهذا النوع من الفنّ، ويجذبه التمثيل وكرة القدم والغناء أكثر، إلا أنني أعتقد أن الفن التشكيلي سيعود بقوّةٍ في الأيام القادمة.
وعن أكثر اللوحات التي لاقت إعجاب الجمهور يقول: "جمهوري بنى علاقة فيما بينه وبين اللوحات، وكذلك البطلات، فمنهم من ينظر إلى اللوحة ويخبرني أنّ بينهم لغة حوار العيون وتجذبهم تعبيراتها، وكانت أكثر اللوحات التي تعلّق بها الجمهور تلك التي تحكي علاقات اجتماعيّة بين سيدتين، جالسين يحكوا ويشربوا القهوة، فيما يطلب البعض شغلاً خاصّاً، بعيداً عن لوحات النساء، فالأذواق مختلفة".
أما حول الانتقادات التي تكال للوحاته، خاصة "عزيزة"، يقول عبدالوهاب: " الانتقادات دائما موجودة ولكننى انتبه للنقد الحقيقي البناء، ولكن البعض ليس لديه الثقافة الكافية للنقد، البعض ينتقد "عزيزة"، ويطلب تطورا أكثر، ولكنها لها حدود إمكانيات كعروسة خشب".
"ما أحلام عبد الوهاب حوام الآن؟"
"أكون مرتاح" هكذا أوجز إجابته، يقول موضّحاً: أحلامي بسيطة أن أكون "مرتاح بالحياة، ليست لدي مشاكل ماديّة أو نفسيّة، وأن أطوّر عملي، وأُعرَف كرسَّام أكثر، وتُباع لوحاتي، وتعرض في المعارض، فضلاً عن تصوير شيء مماثل لعرض "الليلة الكبيرة" لأوثّق فيه "عزيزة".
ويختم عبد الوهاب كلامه بحكمة يتمثّلها في حياته: "ازرع كل يوم تاكل كل يوم، فعملي كـ"فري لانس"، الرسم مصدر دخلي، ومصدر رزقي، فعملي اليومي هو نجاحي واستمراري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...