شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
البذاءة المستخدمة في فيلم

البذاءة المستخدمة في فيلم "كفرناحوم": الشتيمة في وجه القبح هي الحلال المبين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 24 مايو 201905:06 م

كثيراً ما يتأفّف المجتمع وسلطاته المرحِّبة، بحجب أيّ رأي حر من تعبيرات ساخطة تتخذ شكل لفظٍ يسمّونه "خارجاً"، بداعي الحفاظ على التقاليد والأخلاق، رغم كلّ ما يحيط بنا من قبحٍ لا يصحّ معه التعامل إلّا في إطار الشتيمة والسبِّ واللعن، كآخر محاولةٍ للشخص المقهور في الحياة.

هذا الموقف تتخذه السلطات السياسيّة والأمنيّة، وربما الفنيّة أيضاً، والتي تتمثّل في جهات الرقابة، تماماً مثلما جرى مع فيلم "كفر ناحوم" للمخرجة نادين لبكي، لأنه يحتوي ألفاظاً "قبيحةً" لا تناسب أخلاق مجتمعنا المحافظ/ المحافظ على الفقر والقهر طبعاً، رغم أن الفيلم مجرّد صرخة مكتومة لفأرٍ صغيرٍ محاطٍ بعشرات القطط، وليس أمامه مخرج إلّا الموت في جلده.. وهذا المنع ربما يدفعنا دفعاً للدخول إلى مشروعية الشتيمة، في واقعٍ مشروخٍ مهلهلٍ لأبطالٍ بائسين.

الخوف في مجتمعاتنا العربيّة أصبح أمراً جينيّاً على ما يبدو.

هنا تموت الطفولة في نفسها، لا مجال للعب ولا الأحلام.. العالم مستعدٌّ لابتلاع أنوثة أيّ مؤنّث بلا حبّ.. هنا خوف يؤسّس لطرد آدم من الأرض مثلما طُرد من السماء قبلاً.. فلم يعد في يديه سلاح إلا لسانه وعدم اكتراثه بالوجود، لا يوجد له حاضر سعيد ولا غد مرجوّ.. من حقه أن يقاضي العالم البذيء بما يملكه من أسلحةٍ بائسةٍ، أسلحة الشتيمة.. فنشتم بدلاً من أن نسفك دماً.. نشتم لنهرب من جريمةٍ أشدّ.. نشتم لنكون مهذّبين مع الجناة.. نشتم لنواري سوءة الشرع القائل بأنه "لا يدخل الجنة شتّام ولا لعّان"..الخوف في مجتمعاتنا العربيّة أصبح أمراً جينيّاً على ما يبدو، أب يخشى من استخدام عضوه الذكري وسائله المنوي لأن تبعات ذلك ستفتح عليه، وعلى غيره، باب جهنم، في اتجاه التساؤل حول ضمان المستقبل الآمن، الخوف يحاصر هنا أيّ امرأة أرادت أن تكون أماً لصغير، لكنها مطاردة بأوضاع اجتماعيّة مزرية، كما أن لا أحد يعلم مصير مولودها في هذه المجتمعات العربيّة المجهولة.

هنا تقف المخرجة، مثل نادين لبكي، وقفة حياديّة.. بالقانون وبالكاميرا، تماماً كما تدعمنا الشاشات الخرساء والقانون المرقّع بالثغرات، لنواجه نوائب فوق وداعة القانون وفوق بشاعة الكادرات..

مكاننا، وبإمكان أي عربي أن يتحدّث عن مكانه هكذا، يليق فعلاً بالجحيم..

حيادك لا يكفي يا "نادين"، لكنه على أيّة حال مشكور.. حياد يكفي لأن ينظر كلّ منا إلى نفسه في المرآة ويعرف ماذا يفعل في هذا العالم الذي يأكل ناسه.. حياد بطعم الانحياز المتطرّف لأبناء المأساة:

طفل بلا أوراق وجود.. طفل له أم تريد الهرب به من أرضٍ تطاردها فيها كلاب السكك من سماسرة اللحم البشري.. خذ إنساناً وادفع 500 دولار.. "يا بلاش".. طفلة تتزوّج قبل أن تلعب.. هؤلاء الوحيدون في هذا العالم المتوحّش المستذئب يحقّ لهم فعل أيّ شيء في أيّ وقت وفي أيّ مكان..

كثيراً ما يتأفّف المجتمع بحجب أيّ رأي حر من تعبيرات ساخطة تتخذ شكل لفظٍ يسمّونه "خارجاً"، بداعي الحفاظ على التقاليد والأخلاق، رغم كلّ ما يحيط بنا من قبحٍ لا يصحّ معه التعامل إلّا في إطار الشتيمة، كآخر محاولةٍ للشخص المقهور في الحياة.

هذا الموقف تتخذه السلطات السياسيّة والأمنيّة، وربما الفنيّة أيضاً، والتي تتمثّل في جهات الرقابة، تماماً مثلما جرى مع فيلم "كفر ناحوم"، لأنه يحتوي ألفاظاً "قبيحةً" لا تناسب أخلاق مجتمعنا المحافظ/ المحافظ على الفقر والقهر طبعاً.

بالتأكيد لن تذيع التليفزيونات الرسميّة ودور العرض السينمائيّة التجاريّة فيلم "كفر ناحوم"، اللهم إلّا لو قصّوا منه نصفه، نصفه القذر المليء بالشتيمة والإباحيّة، لكننا راضون.. راضون تماماً بالإيمان والقناعة، لكن هل تنفعنا هنا القناعة؟ 

الخراء ومصطلحات الفرج، المنسوبة للأخت والأم، والدالّة على السبّ لا المتعة، وردت بكثرة في فيلم "كفر ناحوم" ولم تكن إلا محاولة ضعيفة لتفريج هموم الأبطال..

كلّ منا لديه "كفر ناحومه" في العالم الثالث.. كلّنا رآه في بيوت الصفيح وأبناء الطرق والأرصفة والنائمين في الشوارع مع الكلاب والقطط، نعبر أمامهم ونلقى نظرة شفقة ونمرّ.. وننسى ونمرّ.. وننسى..

 أظنّ أننا بحاجة إلى اختراع جمهور جديد.. جمهور لا يتعاطى مع جحيمه بالضحك أو السخرية، يشتم ليصحو معافى من الخيبة.

بالتأكيد لن تذيع التليفزيونات الرسميّة ودور العرض السينمائيّة التجاريّة فيلم "كفر ناحوم"، اللهم إلّا لو قصّوا منه نصفه، نصفه القذر المليء بالشتيمة والإباحيّة، لكننا راضون.. راضون تماماً بالإيمان والقناعة، لكن هل تنفعنا هنا القناعة؟ هل يتحوّل الإيمان إلى حائط صدٍّ يحمينا من التعذيب الممنهج على يد الفقر والجهل والمرض والكبت...؟ أظنّ أننا بحاجة إلى اختراع جمهور جديد.. جمهور لا يتعاطى مع جحيمه بالضحك أو السخرية، جمهور جديد الجينات، يشتم ليصحو معافى من الخيبة.. نحتاج إلى فقهٍ جديدٍ للتعامل مع الرضا بالواقع بشيء آخر غير الإيمان والصبر على البلاء.. لكن حتى يوجد هذا الجمهور، أحبّتي، استمعوا إلى وصيةٍ لا تخيب: العنوا واشتموا.. فالشتيمة في وجه القبح هي الحلال المبين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image