شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
من

من "دلدول" إلى "منعدم النخوة".. معاناة شباب يدعمون حقوق زوجاتهم وبناتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 15 مايو 201902:53 ص

"ديوث"، "تابع لزوجته"، "عديم الرجولة"، "منعدم النخوة"، "لا يغار على عرضه"، "دلدول"، اتهامات جاهزة ومُعَلَّبة تُقصف في وجه كلّ رجل يحترم حقّ شريكته في اختياراتها سواءً كانت خاصَّة بالمظهر أو المستقبل المهني أو غيرها.

وهو ما يضعنا أمام تنميط ذكوري يواجه الرجال، مثل النساء، وتُعرِّف الأمم المتحدة، التنميط الجنساني/ الجندري، بأنَّه " نظرة مُعمَّمة أو فكرة مُسبَقَة عن خصائص أو سمات يملكها أو ينبغي أن يملكها الرجال والنساء، أو عن الأدوار التي يؤدونها أو ينبغي لهم تأديتها. والقالب النمطي الجنساني يكون ضاراً عندما يحدّ من مقدرة النساء والرجال على تنمية قدراتهم الشخصية، ومواصلة حياتهم المهنية، واتخاذ خيارات بشأن حياتهم وخطط حياتهم".

بحسب القالب المنتشر في شرائح اجتماعية محافظة بمصر يُنتظَر من النساء الخضوع التام والطاعة للرجل، ومن الرجال السيطرة التامة، وفرض تصوّراتهم لكل ما يمسّ المرأة أو العلاقة بينهما، فتظهر "رجولة" الطرف الذكوري من خلال ملبس "أهل بيته زوجته/ ابنته/ أخته/ أمه"، كذلك مواعيد العودة من المنزل، وقد تصل الى اختيار مهني مُحدَّد ليس فيه اختلاط، ناهيك عن النشاط الجنسي والعاطفي.

ويتمرد بعض الرجال على هذا القالب، ويتبنّى اختيارات أخرى غير سائدة خاصة في تلك الشرائح، مثل أن يحترم رغبات شريكته، والتي تبدأ بمظهرها الخارجي، مروراً بمستقبلها المهني، ليواجهوا مضايقات من العائلة أو الجيرة والأصدقاء.

"رغم أنَّ ارتداء زوجتي الحجاب من عدمه هو قرار واختيار شخصي لها وحدها، لكن الأمر تحوَّل لنقاش عام اشترك فيه كل أفراد العائلة، ولم يرحموني، طعنوا في رجولتي، وتديّني، وأخلاقي".

"يتنمّرون عليّ لرفضي ختان ابنتي"

محمد عبدالقادر، 45 عاماً يعمل بالبرمجة ومن سُكَّان الجيزة جنوب القاهرة، يَحكي عن تجربته: "معاناتي مع البيئة المحيطة بي، مُزدوَجَة، عانيتُ معهم بسبب زوجتي في مرحلة ما، وأعاني مرّة أخرى، بسبب نمط تربيتي لبناتي حالياُ".

يتذكّر عبد القادر ما تعرّض له بسبب طبيعة عمل زوجته: "قديماً بدأ التنمّر عليّ والعمل على مضايقتي، عندما كانت زوجتي، وهي مُحَجَّبة، تعمل في إحدى المجالات التي تتطلَّب اختلاطاً بالرجال، ولأنّ عائلتي محافظة وتتبنَّى أفكاراً تُعادي عمل المرأة بشكل عام، والاختلاط بالرجال بشكلٍ خاص، فوجدتُ نفسي في مرمى الاتهامات بالدياثة وعدم النخوة".

راجع عبد القادر زوجته، وعندما وجد إصرارها على العمل، يقول أنَّه استمد من قوّتها، وواجه المجتمع، وهدأت الأمور، ثم اشتعلت مرة أخرى بعد أن أتمَّت ابنته 5 سنوات؛ رفض أن تُختَتَن.

يقول عبد القادر: "أوضحت أنَّنا لن نجري تلك الجريمة في حق ابنتنا، وقتها قال لي عمّي الأكبر، بأنَّني لستُ رجلاً، لأنّي لا أريد أن أقتل الشهوة الجنسية داخل بناتي، واتهامات بالقوادة والنخاسة، وما إلى ذلك، فتسببت تلك الواقعة، بقطيعة بيننا، لسنوات ليست قليلة، إلَّا أنني لست نادماً على ذلك".

"أجد صعوبة في إيجاد شريكة حياة، امرأة لا تفكّر فيّ كسجّان تحت مسمّى الحب والغيرة"

أما علي كُرَيِّم، 48 عاماً صاحب محلّ تجاري ويسكن حي السيدة زينب في القاهرة، يحكي عن تجربته بعد أن خلعت زوجته الحجاب: "عاصفة من الهجوم والسُّباب والمعايرة، والاتهامات بانعدام الرجولة وغيرها من الجمل المُعَلَّبة، التي وُجِّهَت لي، من قبل أمي وأبي واخواتي البنات، بعدما خلعت زوجتي الحجاب، فرغم أنهم يشهدون لأخلاقها، وأنها لم تكن يوماً سبباً لأيّ مشاكل أو حتى مشاحنات، ولم تؤذِ أحدا منهم، سواء بالقول أو الفعل، لكن كل هذا ضاع هباءً، أمام غضبهم من خلع الحجاب".

قال لي والدي: "أنا ماخلّفتش رجالة، بعد كدة تمشِّيها عريانة".

ويعيد كُرَيّم تذكّر الواقعة: "رغم أنَّ ارتداء زوجتي الحجاب من عدمه هو قرار واختيار شخصي عائد لها وحدها، لكن الأمر تحوَّل لنقاش عام اشترك فيه كل أفراد العائلة، بداية من أمي وأبي واخواتي، مروراً بزوجات أخوتي، وصولاً لخالاتي، ولم يرحمني أحد، كلّهم طعنوا في رجولتي، وتديّني، وأخلاقي، وأخلاق زوجتي، واستقامة أهل بيتي".

يتابع علي: "لم أُرد لزوجتي أن تواجه أياً من تلك المشاحنات الكلامية، المليئة بالاتهامات في الأخلاق، والتي كانت سمتها الأساسية، التسلّط والتدخّل في علاقتها بالله، ورغم محاولاتي المستميتة في تحويل حالة الهياج تلك إلى نقاش ودّي، إلَّا أنَّه لم تنجح أياً من تلك المحاولات، ومرَّت زوجتي بمواقف عديدة خاصَّة في التجمّعات العائلية، التي حاولوا فيها مضايقتها، حتى منعتها والدتي من دخول المنزل في أحد الأيام، قائلة: "قلتُ لها ماحدّش يدخل بيتي من غير حجاب".

يُنهي علي حديثه لرصيف 22 قائلاً: "لم يكن الضغط على شكل اتهامات وإهانات فقط، بل تحوّل لما يشبه المزايدة الذكورية، فأخي في أحد المواقف حاول تحريضي على ضرب زوجتي، لردعها، يحاول أن يخبرني أنني لست رجلاً كفاية للسيطرة على زوجتي واختياراتها".

"تريدني سجّاناً"

محمد الحكيم، 33 سنة من مُحاسب يسكن في الإسكندريّة،  يقول: "أعتقد أنّني أملك أغرب سبب للانفصال عن خطيبتي، والتي كنتُ أكنّ لها المشاعر، وأُعجبتُ بمظهرها الأنيق، واهتمامها بنفسها، ولكن بعد الخطوبة بأيام قليلة، وجدتها تسألني أسئلة غريبة في جملتها، اتهام بعدم الغيرة عليها من نظرات الرجال، فحاولتُ أن أفهم ما يدور في رأسها، وفوجئت أنها مُستاءة، لأنني لا أُعلِّق على ملابسها، ولا أمنعها من ارتداء بعضها، ولست مُتسلِّطاً عليها في فرض نمط معين من الحجاب، نظراً لأنها كانت ترتدي حجاباً قصيراً".

ويكمل الحكيم، مع مرور الوقت، وجدتها تقول لي أنها ترغب في ارتداء النقاب، فابتلعت الصدمة، ثم قلت لها، هذا قرارك ولو شعرتِ أنَّك قادرة عليه بالطبع لن أمنعك، ففوجئت بعواصف من الغضب، وَكِيل الاتهامات لي، بأنّي لا أحبّها كفاية، وأنّي لست أميناً عليها، وأنها كانت تتوقَّع منِّي، أن أطلب أنا منها ارتداء النقاب، غيرةً عليها، وأنني لو أحبها لأردت أن أخفيها من أعين الرجال، وقتها انفصلت عنها بهدوء، حيث شعرت أننا نسير على طريقين مختلفين تماماً.

"المقاومة الفردية لا تكفي، لابد من وجود منظومة أمنية وقانونية تحمي النساء من كافَّة أشكال الانتهاكات والعنف، وتبنِّي الدولة لحركة ثقافية مُمتدَّة، وضمان حرية عمل منظمات المجتمع المدني"

بعد تجربته تلك، يقول كريم عن نفسه: "لم أعد واثقاً من أنني سأجد شريكة حياة، لا تفكر فيّ كَسَجَّان أو حارس زنزانة، تحت مسمى الحب والغيرة".

تُعلّق الناشطة النسوية، هالة مصطفى، أحياناً كثيرة تكون النساء أشد قسوة وضراوة، في الدفاع عن التنميط الذكوري من الرجال، مثلما نجد نساء تدافع عن المتهم بالتحرش، او ختان الاناث، ولكن لماذا؟ هذا ما يخبرنا به التحليل النفسي وعلم الاجتماع، تكمل هالة، حيث أنَّ النساء تُولَد في مجتمع ينتهكها طوال الوقت، ولو رفضت هذا الانتهاك، سيتم النيل من أخلاقها وشرفها، لذلك تبدأ في إقناع نفسها أنَّ كلّ ما تعيشه من قهر، هو "الطبيعي"، وحتَّى لو لم تكن مقتنعة، فأغلب النساء، لا تملك رفاهية التمرد او الاستقلال عن المجتمع الصغير الذي تنتمي له، لتبدأ كذلك بإيهام نفسها بالاقتناع، نسبة كبيرة من النساء توحَّدَت مع القهر بالفعل.

وتتابع مصطفى لـ"رصيف 22": أما الرجال، فتلك هي وسيلته الوحيدة للشعور بالقوة، فهو غير متحقق لا اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا، ولا يشعر بأنه ذو قيمة فعلية في المجتمع الذي يعيش فيه، فيجد قيمته الوحيدة في مدى سيطرته على تفاصيل حياة النساء في محيطه، وعندما يجد رجالاً أقلّ قهراً لزوجاتهم أو بناتهم، يبدأ بالمزايدة الأخلاقية والدينية والرجولية، من خلال الاتهامات المُعَلَّبة الطاعنة فيما يعتبره رجولته، وزاد على ذلك مؤخَّراً دعوات عدم الزواج من الفتيات المتعلّمات أو العاملات، وقول عبارات واضحة مثل "مش حتقدر تِمَشّي كلامك عليها"، أو "مش حتعرف تسيطر عليها"، وغيرها.

ليبقى التساؤل، كيف تُفكَّك تلك المنظومة غير السوية، تجيب مصطفى: "لا يمكن القول أنَّ المقاومة الفردية وحدها كافية لذلك، حيث أنَّ تأثيرها ضعيف ومحدود، ولكن لا بدّ من وجود منظومة أمنية وقانونية تحمي النساء من كافَّة أشكال الانتهاكات والعنف، وكذلك تبنِّي الدولة لحركة ثقافية مُمتدَّة، تشمل زيادة عدد دور السينما وقصور الثقافة والمبادرات الفنية والثقافية الأهلية، وكذلك ضمان حرية عمل منظمات المجتمع المدني للمساهمة في تغيير ثقافة المجتمع والتواصل مع الشارع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image