منذ أيام عُرضت أولى حلقات الموسم الثامن من مسلسل "لعبة العروش" والمقتبس عن سلسلة روايات «أغنية من ثلج ونار» لمؤلفها جورج آر. آر مارتن، وعلى قدر ما تحوي أحداث المسلسل على مشاهد جنسية تتعارض مع شرائح عريضة محافظة في مجتمعاتنا، وأحداث دامية خارجة عن المألوف بعض الشيء، إلَّا أنَّه لقي نجاحاً كبيراً، وعبّر الكثير عن إعجابهم به في حساباتهم الخاصة على السوشيال ميديا، واستنكر آخرون مجرَّد مشاهدة المسلسل، وأعلن عن عدم مشاهدته لتعارضه مع ما يعتبرها الأخلاقيات العامة.
وأُثير تساؤل بين الشرائح الاجتماعية الأكثر محافظة في مصر حول كيفية مشاهدة الفتيات لذلك العمل، لا سيّما وأنّ الكثير منهنّ كتبن عن رؤيتهنّ ورأيهنّ في أحداثه عبر حسابهنّ الشخصي.
مشاهدة "لعبة العروش" عملية سرية
في البداية تقول "ي.ش" الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الآثار، بإحدى جامعات مصر أنّ إقامتها مع عائلتها بأحد أقاليم الوجه البحري، جعل من مشاهدتها لمسلسل "لعبة العروش" أشبه بالعملية السرية.
"دائماً ما تسبق مشاهدتي لحلقات المسلسل إجراءات أمنية، منها الحرص على غلق الباب جيداً، حتَّى لا يدخل إخوتي عليّ، وإن كانوا يستأذنون بالطبع قبل دخولهم غرفتي،إلَّا أنَّ الحرص واجب".
توضّح "ي" أنَّها لا تفعل شيئاً خاطئاً إلَّا أنَّ المجمتع لا يقبل ذلك، مشيرة إلى أنّ حلقات مسلسلسل "لعبة العروش" ليست "فيلم بورنو"، ولكن مشاهدة عمل به بعض المشاهد الجنسية أمر مرفوض من قبل المجتمع والأسرة، مضيفة أنها تُخفي مشاهدتها لذلك العمل عن أخوتها الذكور، وإن كانوا يشاهدونه بالتأكيد، "مع حرصهم على عدم الحديث عنه أمامي".
وتحكي عمّا تسميه "طقوس فرجة" المسلسل: "دائماً ما تسبق مشاهدتي لحلقات المسلسل إجراءات أمنية، منها الحرص على غلق الباب جيداً، حتَّى لا يدخل إخوتي عليّ، وإن كانوا يستأذنون بالطبع قبل دخولهم غرفتي،إلَّا أنَّ الحرص واجب".
وليد جلال من الوافدين إلى القاهرة، مهندس معماري، تعود أصوله إلى "بني سويف" إحدى محافظات جنوب مصر، سافر إلى القاهرة مُحمَّلاً ببعض من موروثه الجنوبي، ، يُشدِّد على رفض أن تشاهد أخته أو أحد أفراد عائلته لمسلسل "لعبة العروش"، مستخدماً تبريرات يستخدمها كثير من المحافظين.
يرجع وليد السبب في رفضه أن يشاهد إخوته المسلسل إلى ما يعتبره "طبيعة البيئة والثقافة المختلفة"، يشرح وجهة نظره أكثر: "مشاهدة (لعبة العروش) بالنسبة لعقل غير ناضج فكرياً، وغير مُؤهَّل لتقبّل رؤية هذه الحقيقة – من وجهة نظر المسلسل – تشبه أن تصدم طفلاً بأنَّ كل ما آمن به من سحر وجنيات كان محض خيال وحواديت ما قبل النوم، وأنَّ العالم بشع مليء بالعنف والدم والدناءة والسوداوية. إذا كان تصنيف المسلسل +18 أو +21 أو أياً ما يكون؛ فالأصحّ أن يكون الرقم هنا مُعبِّراً عن العمر العقلي لا عن العمر بالسنين".
ويوجز جلال فكرة المسلسل، التي يراها خطراً على "غير الناضجين فكريا" بحسب تعبيراته: "في عالم «لعبة العروش»، خليط مبهر من حضارات مختلفة تاريخياً وجغرافياً وثقافياً، وتُطلّ الحقيقة البشعة أنَّ العالم يُدار بالمال والجنس والقوة والدين المُضلَّل المستخدَم لخدمة السلطة".
على الجانب الآخر تقف العاملة في مجال التمريض فهيمة محمود، والتي تؤكِّد مشاهدتها لحلقات المسلسل بحرية أكبر، لاستقلالها عن منزل أسرتها منذ سنوات، وإقامتها مع بعض صديقاتها في القاهرة، ويشاهدن حلقاته سوية.
وعن تصادف وجود فهيمة في منزل أسرتها أثناء عرض حلقات المسلسل، تقول أنّها لا تشاهده بل تجلس معهم لمشاهدة "أفلام عربية تناسب الأسرة"، حسب وصفها.
فهيمة تعمل في مجال التمريض، ومن عائلة محافظة، تشاهد "لعبة العروش" مع صديقاتها في سكنها الخاص بالقاهرة، وعندما تعود لقريتها تكتفي بالفرجة على "أفلام عربية تناسب الأسرة".
يُصنَّف "لعبة العروش" على أنَّه مسلسل للكبار فقط، وذلك لكثرة ما به من مشاهد جنسية ودموية، يحلو للبعض في مجتمعاتنا العربية تصنيفها بأنها لا تتفق مع "أخلاقياتنا العامة"، لذلك ليس من المتقبل بالسبة لهم مشاهدتها، ولكن فهيمة ترفض هذا التصنيف، وتدافع عن ضرورة وجود تلك المشاهد خاصَّة إذا كان لها دور في الحبكة الرئيسية، تقول: "إن لزم وجود تلك المشاهد أو خدمت الدراما في العمل الفنِّي فلمَ لا؟!".
تعمل فهيمة في مجال التمريض، ومُستقلّة مادياً عن أسرتها، إلا أنَّها تحرص أمامهم على الظهور بالشكل الذي يناسب المجتمع المحافظ، وإن كانت تُخفي عكس ذلك، دون أن تجادلهم، من بينها عدم قدرتها على إقناعهم بضرورة وجود تلك المشاهد، والسبب بنظرها طريقة تربيتهم على "قناعات واحدة عن البطل الذي تسبَّب في حمل الفتاة بعد تقبيلها، وعلى الخجل من لمسة يد زميل بالخطأ داخل العمل، وأنا كشخص ناضج أعلم أنّ القبلة لن تتسبَّب في الحمل، وأنَّ السلام باليد شيء عادي، وأنَّ المشهد الخارج ليس جنسي في المقام الأول، وهو الأمر الأصعب على الشرح أمام أبي وأمي، لأنهم لا يحبون الأفلام الإنجليزية أو الأفلام التي تحمل ترجمة، وإن كانت أنيمشين سيرفضونها!".
وتضيف فهيمة: "إن وضعتُ لهم فيلماً بترجمة وبه مشاهد خارجة فستكون الحرب قادمة"، وتستطرد: "لا أحمل جهاز الحاسوب المحمول معي في أغلب الزيارات للمنزل، وإن حدث فأنا أُفضِّل مشاهدة الأفلام وحدي أثناء السهر، أو صباحًا في أوقات فراغي".
ولكن الشاب المصري محمد حسن الصيفي، يكتب القصة ويعمل بإحد المواقع الإلكترونية، فيرفض مشاهدة مسلسل "لعبة العروش" من الأساس، والسبب أنه بالنسبة له "مرفوض على المستوى الأخلاقي" كما يقول لـ "رصيف 22".
كذلك يرى "الصيفي" أن المسلسل رغم كونه حقق نجاحًا جماهيريًا، و"غزا" كلَّ دول العالم؛ إلا أنه لا ينسجم مع فكرة "الانفتاح الشديد في المسلسل"، بحسب وصفه، ويتساءل مديناً "طقوس فرجة" المسلسل: "أيّ فنّ هذا الذي تتوارى لتشاهده في الظلّ أو في معزل؟ وتخاف أن يراك أحد أبويك أو إخوتك الصغار؟!".
"أيّ مسلسل هذا الذي تتوارَى لتشاهده في الظلّ، وتخاف أن يراك أحد أبويك أو إخوتك الصغار؟!".
طقوس "الفرجة" من الأسرة إلى الوحدة
قبل سنوات كانت الأسرة تجلس مجتمعة حول التليفزيون، في انتظار المسلسل في الثامنة مساءً، ويدور الحديث حول مصير أبطاله في الحلقة القادمة، ممَّا كان يخلق حالة من الترابط الأسري، أمَّا الآن فأضحى لكلّ منَّا طقوسه الخاصَّة.
تتذكَّر فهيمة: "قديمًا كُنَّا أطفالاً نجلس حول المائدة ننتظر مسلسل الثامنة، وننام بعد نهايته، ونحفظ مواعيد عرض الأفلام الجديدة على القناة الأولى والثانية في الأعياد، ولم تكن الخيارات كثيرة، والقنوات التلفزيونية الإقليمية قليلة، وكلّ الأسر تشترك تقريبًا في مشاهدة المسلسل المعروض على قناتي التليفزيون".
أمَّا عمَّا يحدث الآن فتُضيف: "أصبحت القنوات كثيرة بعدد لا نهائي من الخيارات، والمُفضَّلات تتغيّر للشخص الواحد داخل الأسرة، فسنجد الأم تُفضّل المسلسلات الهندية أو التركية، والابنة لا تحبّ تلك المسلسلات بسبب إطالة الأحداث، ومطّها لتناسب عدد ضخم من الحلقات والمواسم، فباتت المشاهدة وحيدًا أو مع شخص يحمل نفس التفضيلات هي الخيار الأول، عكس الأعياد والمناسبات بالطبع عند تجمع العائلة ومشاهدة مسرحيَّات أو عمل جديد يعرض لأوَّل مرة".
ولكن الصيفي يصف تغيرات "طقوس الفرجة" بطريقة أخرى: "خلق عالم اليوتيوب ومنصات الديجتال فجوة كبيرة بين أفراد العائلة الواحدة، لم يعد يلتفّ الجميع حول مسلسل أو فيلم وقت الغداء أو حتى إجازة نهاية الأسبوع، وأصبح كلّ فرد في العائلة له عالمه الخاص، تحديداً الشباب ومن هم أقل من الأربعين".
أمَّا السيناريست أشرف توفيق فيشير إلى تغيّر طقوس المشاهدة في المجتمع المصري بسبب اختلاف "أذواق الأجيال"، ففي الوقت الذي يميل فيه الأحفاد إلى مشاهدة الأعمال ذات الإيقاع السريع والجريئة، نجد الجدّ ما زال يتابع حلقات المسلسلات الكلاسيكية ذات الطابع الاجتماعي، مضيفاً: "لذلك كان منطقياً ألَّا يجتمعوا، وحتَّى وإن حدث اجتماعهم لمشاهدة عمل واحد، فقد تكون من قبيل الصدفة ولن تتكرَّر ثانية".
أما عن تأثير مشاهدة مسلسلات مثل "لعبة العروش" في صناعة المحتوى الدرامي فيقول: "إنه أثَّر بالفعل، فأن تجد أعمالاً كتب عليها +18 تُعرض في شهر رمضان، وعندما نشاهدها لا نجد غير أن البطل اقترب من البطلة قليلاً، او ربّما قبلها، فهو بذلك يحترم ذائقة الجد لا الحفيد".
وأخيرا، يلفت توفيق إلى أنَّ المنصات المتاحة على شبكات الإنترنت، والتي تعرض مثل تلك الأعمال الدرامية، تتطلَّب أن يدخل إليها الشاب بإرادته لمشاهدة عمله المفضل، لذلك تسعى المنصات العربية إلى توفير المكونات المناسبة، والتي تعمل على ألَّا تكون زيارته الأخيرة، في إشارة إلى ترويج مسلسلات كـ"لعبة العروش" أكثر على المنصَّات الإلكترونية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم