شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
زائدات عقلٍ ودين، لا ناقصات: أو كيف أصبحت المرأة مسؤولة عن إيمان الرجل أيضاً؟

زائدات عقلٍ ودين، لا ناقصات: أو كيف أصبحت المرأة مسؤولة عن إيمان الرجل أيضاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 10 مايو 201904:49 م

أن تكون إنساناً ناقصاً شيئاً ما، فذلك يعني بأنك لا تستطيع تحمّل المزيد من التكاليف عوضاً عن الإنسان الكامل، أو الأكثر كمالاً منك على الأقل، فلا أتخيّل مثلاً أن يضع الوالدُ عبءَ أخطائه على كاهل طفله، ربما العكس قد يكون منطقيّاً، أما أن يجول الوالد شاكياً باكياً من أفعال الطفل التي تدفعه للجنون، فهذا في حدّ ذاته عبثٌ لا طائل منه ولا منطق فيه.

"المرأة ناقصة عقل ودين"، نعم أعلم أن إسلاميّاً هذا لا يعني بالضرورة أنها متهمة بشيء، ولكن فقط عقلها ناقص لأن عاطفتها تتغلّب على عقلها، ولأنها (مريضة بالنسيان)، ودينها ناقص لأن فروضها أقلّ من فروض الرجل نظراً لظروف دورتها الشهريّة التي تمنعها من تأدية نفس عدد الصلوات مثلاً، ولكن هل هذا هو الواقع؟ هل فعلًا نقصت فروض المرأة أم استُبدلت بفروضٍ أخرى من نصيب الرجل؟

هل فعلًا نقصت فروض المرأة أم استُبدلت بفروضٍ أخرى من نصيب الرجل؟

للأمر منظورين، منظور المجتمع ومنظور الدين، وإن كنت لا أرى غير اختلافاتٍ بسيطةٍ للغاية بينهما، ولكن لنتحدّث عن كليهما.

يرى المجتمع طوال الوقت أن قيام الرجل بفروضه مرتبطٌ بقيام المرأة أوّلاً بفروضها، إن تحرّش بها قيل أنها أثارت غريزته بما ترتدي، وإن ارتدت ما يمنع ذلك قيل ربما عطرها أو طريقة سيرها أو ضحكها أو صوتها، وأي (أو) تضع للرجل مبرّراً للهروب من ساحة محكمة المجتمع، حتى إن في مصر الآن وقعت أكثر من حادثةٍ لفتياتٍ (ناقصات عقلٍ ودين) قام أحدهم بالتعدّي عليهن لفظيّاً أو بدنيّاً، وتطوّر الأمر لقصِّ خصلاتٍ من شعرهنّ، عقاباً لهن على الخروج في نهار رمضان دون حجاب، وبالطبع التسبّب في كسر صيام بعض الرجال (كاملي العقل والدين).

يتفق الدين هنا مع المجتمع في أمرٍ ويعارضه في آخر، يتفق أنه لو أُثير رجلٌ بسبب تلك الخصلات، فصاحبة تلك الخصلات المثيرة ستحمل معها من وزر الرجل إضافة لوزر خروجها دون حجابٍ في الأصل، ويختلف الدين مع المجتمع في التعدّي عليهن أو اعتبار صومهن وصوم الرجال باطل فقط، وبحسبة غير معقّدة إطلاقاً، ستجد أن المرأة تحصل على نصيب الذكر مرّتين، ليس في الميراث بالطبع ولا في الشهادة، إنما في الذنب، على الرغم من أنها ناقصة عقل (كما ادّعى الدين والمجتمع) وأنها تتغلّب عليها العاطفة، وبالتدقيق فسوف تتأكّد أن في الموقف السابق مثلاً يبدو الرجل هو ناقص العقل تماماً.

وبما أنها تتحمّل رؤية عضلات الرجال وقصّات شعرهم دون أن تغلبها عاطفتها فتهرع للتحرّش بهذا الرجل أو ذاك، فربما وصفها بزائدة العقل أمر منطقي أكثر.

وبما أنها تتحمّل رؤية عضلات الرجال وقصّات شعرهم دون أن تغلبها عاطفتها فتهرع للتحرّش بهذا الرجل أو ذاك، فربما وصفها بزائدة العقل أمر منطقي أكثر، إضافة لتحميلها وزر الرجال فتتحوّل المرأة إلى زائدة دينٍ أيضاً، ولا أعلم تحديداً كيف تمّ احتساب معادلة نقصان عقل ودين المرأة، دينيّاً أو اجتماعيّاً، طالما ظلّت هي من تتعقّل إذا اعترتها رغبة مثيرة لا تحقّ لها، وتتحمّل عدم تعقّل الرجل إذا ما اعترته نفس الرغبة المثيرة.

قد يقول أحدهم أن الدين لم يقصد بناقصات العقل العاطفة وإنما حصر ذلك في شهادة المرأة التي تعادل نصف شهادة الرجل لأنها تنسى، ثم يأتي بمقطع العريفي الشهير وهو ينسب لعالمٍ "نسي اسمه" بحثاً "نسي اسمه أيضاً" يقول بإن هناك غدّة "لا يتذكّرها" مسؤولة عن ضعف ذاكرة المرأة، وبالطبع لن تجد صدى لذلك إلا في المحاكم التي تستمدّ طقوسها من الشريعة الإسلاميّة مثل محكمة الأسرة والأحوال الشخصيّة في مصر، أما باقي العالم فيبدو أنه لم يتوصّل بعد إلى بحث هذا العالم الذي نسي العريفي اسمه، واعتبر شهادة المرأة مثلها مثل شهادة الرجل.

وإنما وبافتراض أن هذا حقيقي، فكيف تصف إنساناً بأنه ناقص عقلٍ في الوقت الذي يحقّق نجاحات مكافئة لكامل العقل، وأحياناً يسبقه، على الرغم من تلك الصعوبات المعهودة التي تجد المرأة نفسها تواجهها في مجتمعاتنا، التي لا يرى معظم من فيها المرأة إلا "سكرتارية" ترتّب أوراق الرجل ومواعيده في غرفة الإدارة، إذا كان الله بالفعل قد خلق المرأة ناقصة عقلٍ ومريضةً بالنسيان في الأوقات الهامّة، واستطاعت منافسة كامل العقل، أليس ذلك يعني أنها تمتلك في عقلها ما يفوق بعض كاملي العقل هؤلاء، حتى أنها تغلّبت على "مرضها" المزعوم؟ أي أنها أيضاً زائدة عقلٍ بالتأكيد.

فكيف تصف إنساناً بأنه ناقص عقلٍ في الوقت الذي يحقّق نجاحات مكافئة لكامل العقل، وأحياناً يسبقه، على الرغم من تلك الصعوبات المعهودة التي تجد المرأة نفسها تواجهها في مجتمعاتنا!

 إذا كان الله بالفعل قد خلق المرأة ناقصة عقلٍ ومريضةً بالنسيان في الأوقات الهامّة، واستطاعت منافسة كامل العقل، أليس ذلك يعني أنها تمتلك في عقلها ما يفوق بعض كاملي العقل هؤلاء؟

وقد يرفض البعض مقارنة عضلات الرجال بخصلات النساء بما أن الأولى ليست عورة والثانية عورة، لكن الحديث هنا عن شعور المرأة نفسها، هل تجذبها بعض العضلات كما يجذب الرجال خصلات الشعر المنسدلة؟ نعم، لذا فالمقارنة بين ردود الأفعال من وجهة نظري منصفةٌ للغاية.

إذا كنت ما زلت تصرّ على أن المرأة ناقصة عقلٍ ودين فيجب عليك استحضار إجابةٍ منطقيّةٍ لهذا السؤال: هل يُكمل الناقصُ دينَ الكامل، أم أن وَصْم المرأة بناقصة العقل والدين كان في الأصل خُدعة لتتقبّل هي كلّ تلك الاتهامات الملقاة على حائطها المائل، وحينما تنتهي مهمّة إيهامها بذلك المصير، لا ترى الرجل إلا وهو حائط مستقيم تُقاس على رغباته الحياة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image