الناقد الفني الياس سحّاب يقول إن هذه الرواية إذا صحّت، مُحزنة، وإنها تدلّ على سوء حظ الفنانة المغمورة المظلومة التي لم تأخذ حقها، وصوتها "من أجمل الأصوات التي سمعتها في حياتي" كما يصفه سحّاب. لم يُكتب إذاً لوداد أن تغني من ألحان عبد الوهاب، فيما يشكك ناقدون فنيون آخرون وأبرزهم محمود الزيباوي في هذه الرواية ويقول إنها من "تأليف وتلحين المطربة وداد" التي كانت تتمنى أن يحدث سيناريو كهذا، لكنه في الحقيقة مختلق ومن نسج خيالها ليس إلا.
بمعزل عن دقة الرواية التي تخرج على لسان وداد نفسها في الفيلم الوثائقي "لحظة أيها المجد" (إخراج شيرين أبو شقرا)، فإنها تعبّر عن رغبة طافحة لدى وداد في أن تقول "لا" للرجل أكان موسيقاراً أم زوجاً أو أباً.
فهي لكي تتخلص من سطوة أبيها الذي كان يقف عائقاً في وجه طلبها للشهرة لدرجة أنه دخل مرة إلى ستوديو التصوير وسحبها من شعرها. تزوّجت من عازف القانون الشهير محمد عبده صالح الذي كان يقود فرقة أم كلثوم الموسيقية، وكان شرطها للزواج أن يساعدها لكي تغني وتمثّل. لكنه بدوره أظهر غيرة مرضية عليها فما كان منها إلا أن طلبت الطلاق لترتبط بعبد الجليل وهبي، أحد أهم شعراء الزجل اللبنانيين، وكتب لها الكثير من أغنياتها وأنجبت منه صبياً قبل أن تنفصل عنه لترتبط أخيراً بحب حياتها الموسيقار توفيق الباشا، وهو ارتباط انتهى ايضاً بالفشل والطلاق.
في "لحظة أيها المجد" تقول وداد إن سامي الصيداوي كان يحب لها أن "تقرص الرجال" على حد تعبيرها. وقد تُرجم ذلك في الأغنيات التي قدماها معاً، والتي تحمل في طيّاتها شحنات من النسوية الأنيقة التي تفرض "توازن رعب" مع الرجل- الحبيب
"بتندم" هي أغنية نديّة تمجّد الصبر في التعامل مع الرجل- الحبيب وتقارعه في حلبة الحب، بالحب والعاطفة تارة، وبالقسوة والهجران طوراً، فلا تخضع للإيقاع الذي تفرضه الذكورية على الأغنيات الشرقية عموماً.
تأتي أغنيات وداد لتقرص الرجل في ذكوريته وتقرص المرأة لتستفيق من استسلامها لهذه الذكورية. ولا مناص هنا من الوقوف عند ملاحظة جندرية هامة تتعلق بكتابة الأغاني العربية، مع غياب شبه تام للنساء عن هذا المجال كما عن مجال التلحين، ولينحسر دورهن في الغناء.
وربما تكون صفوة هذا النوع من الأغنيات المتمردة على الرجل تلك التي غنتها وداد أيضاً من كلمات وألحان الصيداوي: "على علمي إنك فهمان فهمان وراسك مليان، ليه لما تحكي بالحب بتروّح فهمك ضيعان؟ يا ضيعان فهمك". وتخلص في هذه الأغنية إلى معادلة ذهبية حاسمة: "بدك تهوانا منهواك، بدك تنسانا مننساك، بتاخذ قلب بتعطي قلب ولّى عهد الاستملاك وتغيّر وضع الإنسان... يا ضيعان فهمك".
في "حيرت قلبي معاك" تغني أم كلثوم من كلمات أحمد رامي: "بدّي اشكيلك من نار حبي، بدّي احكيلك عاللي في قلبي، واقولك عاللي سهرني واقولك عاللي بكاني واصورلك ضنى روحي وعزّة نفسي مانعاني". قد تكون هذه الجملة في أغنيات أم كلثوم الأكثر شدّة في التعامل مع الضعف الناتج عن انعدام التوازن العاطفي بين الرجل والمرأة في الأغاني الغرامية التي تغنيها النساء العربيات بشكل عام. عزّة نفس أم كلثوم تمنعها من التعبير عن مشاعرها لحبيبها، طبعاً مع الإشادة بذكاء أحمد رامي الذي يقول كل ما في قلب الستّ، ثم يتمنّع بعزّة ووقار. لكن سامي صيداوي بلسان وداد، يذهب أبعد، إذ يدمج، في الأغنية الواحدة، بين التعبير عن الحب الرقيق وبين القوة المتمثلة بالقدرة على قول "لا" كبيرة في وجه السلطة الذكورية التي يعززها الحبّ الذي يضعف المرأة العاطفية، ويعطي الرجل سطوة إضافية مزيدة على سطوته الإجتماعية والثقافية:"يا حبيّب شو بدك تندم"!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...