ليس من السهل على المرأة المسلمة أن تتحدث عن الظروف الحياتية الصعبة التي تواجهها في كنف مجتمعاتٍ يغلب عليها الطابع الذكوري، خاصة وأنه في معظم الأحيان، تتعرض النساء المسلمات لسيلٍ من الإنتقادات والصور النمطية التي يرسخها بعض الأشخاص، والتي تكون في الغالب من أشخاصٍ لا ينتمون إلى الديانة الإسلامية وبالتالي يزعمون العلم بأشياءٍ وهم يجهلونها في واقع الحال.
ففي العام 2016، قرأت الكاتبة النسوية "مريم خان" أن رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً "ديفيد كاميرون" ربط بين تطرف الرجال المسلمين و"الإذعان" التقليدي والطاعة العمياء من قبل النساء المسلمات، إلا أن "خان" كانت متأكدة من أنه لا يوجد امرأة واحدة تصف نفسها بهذه الطريقة، وطرحت على نفسها السؤال التالي: لماذا نسمع عن نساء مسلمات من قبل أشخاص ليسوا مسلمين وليسوا نساء حتى؟
ومع مرور السنوات، وتزايد خطاب "الكراهية" ضد النساء المسلمات، وانتشار "الإسلاموفوبيا" في أذهان المتشددين، قررت "خان" أن تصدر كتاب "It’s Not About the Burqa" بهدف تغيير نظرة المجتمعات إلى المرأة التي ترتدي النقاب، هذا بالإضافة إلى محاولة الإجابة على السؤال الذي يشغل بالها وبال الكثيرين: ماذا يعني بالضبط أن تكوني امرأة مسلمة في المجتمع الغربي؟
إسقاطات اجتماعية
"أنا أكره الإسلام"، هذا ما قالته يوماً الطالبة المسلمة البالغة من العمر 19 عاماً "مريم خان" لمعلمة القرآن في إحدى المساجد التي ترتادها باستمرار، وبعدما كشفت "خان" عن قائمة الأشياء التي لا تعجبها، أكدت لها المعلمة أنه "لا علاقة لكل هذا بالإسلام، إنما نتحدث هنا عن الثقافة".
وهكذا سرعان ما أدركت "الطالبة" من خلال حديثها مع المعلمة أن الكثير من الأمور الناقمة عليها هي وليدة الإرث الثقافي وليس الدين الإسلامي.
وتعليقاً على هذه الحادثة التي حصلت معها منذ بضع سنوات، قالت "خان" (26 عاماً) لصحيفة "مترو" البريطانية:" لا أعرف ماذا كنت سأكون عليه لو لم يخبرني أحد عن هذا الفرق، لأن الثقافة تخنق النساء"، مشيرةً إلى أن الجانب الثقافي متشابك للغاية مع الدين و"من الصعب الفصل بينهما"، على حدّ قولها.
ماذا يعني بالضبط أن تكوني امرأة مسلمة في المجتمع الغربي؟
وبالرغم من التداخل الكبير بين الدين والثقافة إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتصوير المرأة المسلمة، فإن وسائل الإعلام تركز على الشق الثقافي من الموضوع وتعمد إلى تسليط الضوء على الرجال، رغم أن القضية المطروحة تكون خاصة بالنساء.
وهكذا تستثنى المرأة المسلمة من الحوار في معظم الأحيان لا سيّما عند الحديث عن الملابس الإسلامية، وعليه يُسأل كل شخص عن رأيه بشأن "البرقع" في حين أن المرأة المسلمة تبقى خارج الحوار:" عندما يتعلق الأمر بتمثيل النساء المسلمات، فإننا بحاجة إلى معرفة مدى فائدتها الآن، فقيام شخص ما بإظهار امرأة مسلمة من دون إعطائها منصة لإبداء رأيها يثير الشكوك حول مدى فائدة التمثيل"، مضيفةً: "إذا لم يُسمح لنا بالتحدث، فإننا لن نحرز اي تقدم، لا بل سيتم استخدامنا جميعاً كصور رأسية في العالم الرأسمالي".
أصوات نسوية
بعدما ضاقت ذرعاً بالصور النمطية التي يضعها المجتمع الغربي بحق المرأة المسلمة، خاصة لناحية اتهامها "بالخضوع" للرجل والحكم عليها من خلال اللباس الديني، قررت الكاتبة النسوية "مريم خان" أن تجمع مقالاتٍ تعود لصحافيات، ناشطات وباحثات مسلمات يخبرن عن حياتهنّ الخاصة والتجارب المريرة التي مررن بها، هذا بالإضافة إلى قصة حياة "خان" الشخصية ورأيها بموضوع البرقع والحجاب.
المرأة المسلمة يمكن أن تكون أكثر من مجرد حجاب أو إمرأة في برقع أو نقاب.
ففي كتاب It’s Not About the Burqa، تتحدث 17 امرأة مسلمة عن رأيها بصراحةٍ مطلقةٍ حول مواضيع تعتبر حساسة ودقيقة بالنسبة إلى الكثيرين، كموضوع الحجاب، الإيمان المتقلّب، الحب، الطلاق، النسوية، المثلية الجنسية، الجنس، الصحة النفسية والتهديدات التي تتعرض لها المرأة في المجتمع الرافض والذي يطغى عليه الفكر العنصري والذكوري.
فانطلاقاً من رأي الكاتبة النسوية المصرية-الأميركية "منى الطحاوي" والتي تطالب بثورةٍ جنسيةٍ في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الصحافية والمذيعة "سايما مير" وتجربتها مع الزواج المدبّر والطلاق والنظرة السلبية والقاسية تجاه المطلقات في الثقافة الإسلامية الباكستانية، مروراً بتجربة الكاتبة "صفية أحمد" والكاتبة المسرحية "أفشان دسوزا لودي" التي تتحدث عن علاقتها بالحجاب، قصصٌ كثيرة تتأرجح بين المواقف المضحكة والتجارب الحزينة، والمواقف الغاضبة في أغلب الأحيان، مع العلم أن هناك هدف واحد يجمعها: محاربة الظلم وكسر القوالب النمطية والتغلب على الإسلاموفوبيا والكراهية المتنامية ضد النساء.
واللافت أنه منذ أن أبصر الكتاب النور، لاقى استحساناً كبيراً لدى القراء، فقد اعتبرت الكاتبة "نيكاش شوكلا"، صاحبة كتاب The Good Immigrant أن:"هذه المقالات عاطفية، غاضبة ومثيرة للإهتمام"، وبدورها أوضحت "كيران ميلوود هارغراف"، مؤلفة كتاب The Girl of Ink and Stars أن هذا الكتاب أساسي في وقتنا هذا، معتبرةً أن المقالات فيه "مضحكة، غاضبة، مفعمة بالأمل"، وتجعل القراء يشعرون بقصص النساء الواردة فيه.
لماذا البرقع؟
"إن البرقع هو أكثر كلمة مسيّسة حول النساء المسلمات"، هذا ما كشفته "مريم خان" في حديثها لمؤسسة "طومسون رويترز".
فقد اعتبرت "خان" أن "البرقع والحجاب هما أول ما يخطر على بال الكثير من الناس في الغرب عندما يفكرون في النساء المسلمات"، وبالرغم من أن هذا الأمر لا يعتبر مشكلة، على حدّ قول "مريم"، غير أن هذه الأخيرة أكدت أن هناك الكثير من الأمور الخاصة بالمرأة المسلمة والتي هي أبعد من مسألة الملابس التي ترتديها:"المرأة المسلمة يمكن أن تكون أكثر من مجرد حجاب أو إمرأة في برقع أو نقاب"، مضيفة:"أريد أن اقوم بتنويع قصصهنّ".
إن البرقع هو أكثر كلمة مسيّسة حول النساء المسلمات
واللافت أن موضوع البرقع يثير الجدل باستمرار خاصة في البلدان الغربية، بحيث يعتبره البعض حرية شخصية من الواجب احترامها خاصة في مجتمعاتٍ تدّعي احترام الرأي الآخر والتشجيع على مبدأ الديمقراطية، في حين أن الآراء الأخرى تنظر إلى البرقع كمظهرٍ من مظاهر القمع.
بعض النسويات في الغرب يعتبرن أن الحجاب هو أداة "قمع"، لكن بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب مثلي، نعتبر أنفسنا غير مقموعات. أنا استمد القوة منه، لأنني اخترت ارتداءه.
وفي هذا الصدد، كان وزير الخارجية البريطاني السابق "بوريس جونسون"، قد تعرّض في العام الماضي، لانتقاداتٍ حادةٍ ولموجة غضبٍ عارمةٍ اثر المقال الذي كتبه لصحيفة "ديلي تلغراف" حول موضوع النقاب والبرقع، إذ وصف النساء المسلمات اللواتي يرتدين البرقع بأنهن "يشبهن صناديق البريد وسارقي المصارف".
وبالرغم من أن "جونسون" اعتبر أن الدانمارك قد أخطأت بحظر النقاب الذي لا يظهر من المرأة سوى عينيها، إلا أنه وصف البرقع بأنه قمعي وسخيف: "إذا تقول لي إن البرقع ظالم، سأتفق معك. وإذا قلت إنه أمرٌ مريب ونوعٌ من الاضطهاد أن تتوقع من النساء تغطية وجوههن، سأتفق معك تماماً، وسأضيف أنني لا أجد أي سندٍ شرعي في النص القرآني يبرر مثل هذه الممارسة".
من جهتها، اعتبرت "مريم خان" أنه من المجحف الحديث عن قصص النساء على لسان أشخاص غير مسلمين في الأصل، ويعمدون إلى تشويه صورة المرأة المسلمة:" لقد تعبت من انتظار شخص ما يأتي ليظهر المرأة المسلمة بطريقةٍ مختلفةٍ تحترم هويتها الحقيقية".
أما بشأن التصريحات الأجنبية المسيئة للبرقع، فقد تحدثت الكاتبة النسوية في كتابها عن تجربتها الخاصة مع الحجاب وعمّا أسمته "النسوية البيضاء" والتي لا تتلاءم مع الخيارات التي اخذتها بالتماشي مع عقيدتها، وشرحت هذه النقطة بالقول:" بالنسبة لبعض النسويات في الغرب، فإنهنّ يعتبرن أن الحجاب هو أداة "قمع"، ولكن بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب مثلي، فنحن نعتبر أنفسنا غير مقموعات. أنا استمد القوة منه، لأنني اخترت ارتداءه".
في الختام، تأمل "مريم خان" من خلال كتابها أن يكتشف الناس أن النساء المسلمات لا يندرجن تحت رواية واحدة منفردة"، شددةً على أنه من الواجب سماع اصواتهنّ وقصصهنّ المختلفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...