شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن عوالم مهنة نبش القبور والاتجار بالجثث سراً في مصر...

عن عوالم مهنة نبش القبور والاتجار بالجثث سراً في مصر...

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 28 يوليو 201707:31 م
يخيم الظلام على الممر المتعرج الضيق، ولا تستطيع العربة السير فيه، فينطلق رضا الجندي (23 عاماً) وزميله سيراً على الأقدام للبحث عن الحاج يحيى في مقابر باب النصر. يحيى (اسم مستعار) هو "الترابي" أو حارس المقبرة، في منطقة باب النصر القدية شمال شرق القاهرة، ورضا طالب طب في جامعة عين شمس، يود عقد صفقة واستئجار جثة. يعلم رضا وزميله أن الحصول على جثة بمساعدة يحيى أمر غير قانوني وقد يعرضهم لخطر كبير، لكنهم يقولون إنه لم يكن أمامهم خياراً سوى هذه الوسيلة. فالحصول على جثة سليمة وتشريحها من شروط النجاح في الكلية، وإمكانياتهم المادية لا تترك أمامهم سوى استئجار جثة من الحاج يحيى، وتجزئة سعرها بينهم، ثم إعادتها بعد الامتحان. يقول رضا لرصيف22: "أصبحنا كتجار المخدرات نشتري الأعضاء في الخفاء ونقوم بالتشريح في الشقة ليلاً، خشية أن يعلم بأمرنا أحد". تضم مصر، وفقاً لصفحة المجلس الأعلى للجامعات، حوالي 24 جامعة حكومية، تحتوي تقريباً 20 منها على كليات طب بشري، إضافة إلى كليات الطب التابعة لجامعة الأزهر، ويعد علم التشريح أحد المواد الرئيسية على مدار سنوات الدراسة السبعة داخل الكلية. يكون في العادة ضمن كليات الطب البشرى مشرحة لحفظ الجثث داخل الحرم، توضع تحت تأمين شديد من قبل موظفي الجامعة، لكن هذه المشارح لا تلبي حاجة طلابها. فعدد الجثث لا يكفي، مما يدفع رضا وغيره من آلاف طلاب الطب في مصر للبحث عنها في أماكن غير شرعية، وتكون بالتالي أرخص سعراً، وقد بات طلاب الطب زبائن دائمين لحراس المقابر الذين يتحول عملهم في المساء إلى نابشي قبور وتجار جثث. وبعدما يغادر أهل الميت مطمئنين أن فقيدهم يرقد في مثواه الأخير بسلام، يبدأ عمل يحيى.

هذا ما تقوم به الكليات لتوفير الجثث

يقول الدكتور فتحي خضير، عميد كلية طب قصر العيني في جامعة القاهرة، أن هناك نقص حاد في عدد الجثث في كليات الطب، والهياكل البلاستيكية البديلة التي يوفرها الأطباء لا تفي بالغرض حيث تصعب دراستها وتشريح الأوعية والشرايين فيها. يقول خضير لرصيف22 أن كليات الطب كانت تستورد الجثث من شرق آسيا لتغطي العجز، حتى وصل سعر الجثة الواحدة إلى 150 ألف دولار، وكان يتم استيراد 5 جثث سنوياً يوزعون على الكليات. ومع انخفاض ميزانية هذه الكليات على مستوى جامعات مصر، أصبحت عاجزة عن استيرادها من الخارج. ويقول خضير بأن هناك طرق أخرى تلجأ إليها كليات الطب بمصر لسد النقص، تتمثل في توفير الجثث مجهولة الهوية للطلبة في مشرحة الكلية، ويتم تقسيمها على الطلاب. لكن ما تبذله الكليات لا يكفي لتوفير الجثث المطلوبة للدراسة، والحصول على الجثث المجهولة والتحفظ عليها أمرٌ صعبٌ ويتطلب وقتاً وتصريحًا من النيابة المختصة أو النائب العام، كما بين أحمد السجيني، أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب في جامعة عين شمس. ولا يستغرب السجيني توجه الطلاب إلى حراس القبور، فقد بات توفير الجثث للطلاب في المشرحة أمراً صعباً للغاية بسبب زيادة عدد طلاب الطب، ويضيف أن من يعرف معاناة الطلاب في الحصول على جثث ورفات موتى للدراسة والتشريح وما يتعرضون له من استغلال، يتفهم قيامهم بذلك ويشفق عليهم. فلا مفر أمام طلاب الطب إلا التفاوض مع حراس المقابر وشراء الرفات من أجل الدراسة.

لائحة الأسعار

يبلغ عدد المقابر الموجودة بالقاهرة نحو 200 ألف مدفن، كما أفادت إدارة جبانات القاهرة من خلال اتصال مع رصيف22، ويقول رضا أن تجار بيع الجثث والرفات باتوا معروفين بين الطلاب بالكلية، ويعرف الطلاب الأسعار الموحدة مسبقاً، بل ويخشون ارتفاعها. يقول يحيى أن سوق بيع الجثث ينشط في الشتاء وهو موسم "المذاكرة والامتحانات". وكأي تجارة، يضع حراس المقابر تسعيرة لبضاعتهم، وتختلف الأسعار بحسب الزبون. فالسعر لطالب يختلف عن الأسعار التي تباع لزبائن الجملة، أو سماسرة الطلبة أو للمراكز التعليمية التي تحيط بكليات الطب. ويؤكد أن رفات الموتى تعد أكثر البضائع المطلوبة وأعلاها سعراً، فيتراوح سعرها ما بين 2000 و5000 جنيه. أما الهيكل العظمي الكامل للجثة فسعره بين 1000 و1500 جنيه. يبيع يحيى الجمجمة بـ250، وفي أماكن أخرى يتم بيعها بـ600 جنيه. ويختلف سعرها بحسب حالتها لأن هناك علامات فارقة بين الجماجم الخاصة بالشباب والكبار. يزداد غلاء ثمن الجثة كلما اقترب البيع من تاريخ الوفاة، فالطلاب يفضلون الجثث التي لم تتجاوز وفاتها الأربع ساعات، وإن مضى عليها أكثر من ذلك تبدأ بالتحلل، فيضطر الحارس لمعالجتها بالفورمالين، وهو ما لا يريده الكثير من الطلاب. "وكله بتمنه"، يقول يحيى.
"كنت أدخل للمقابر ليلاً بعد مراسم الدفن، دون أدنى خوف وأحضر الجثمان للسمسار"، هكذا يتم الاتجار بالجثث
"أغلب الطلبة هم ولاد ناس، أما الطلاب الغلابة بنأجرهم الجثث ويعيدوها بعد الاستعمال".. عن "بزنس" نبش القبور
يتفق الطرفان على السعر والبضاعة، ثم يقوم الحارس بنبش القبر وإيصال الأعضاء إلى منزل الزبون.

كيف يتم نبش القبور وبواسطة من؟

يحكي يحيى، حارس مقابر باب النصر كيف دخل عالم نبش المقابر فيقول: "ذات ليلة وأنا جالس بين المقابر فكرت ببيع الجثث المدفونة حديثاً، نفذت الأمر أكثر من مرة أحياناً، جثث كاملة مقابل 1000 جنيه، وأحياناً هياكل عظمية مقابل 50 جنيهاً". يضيف يحيى لرصيف22: "كنت أدخل للمقابر ليلاً بعد مراسم الدفن دون أدنى خوف لنشأتي بينها وأحضر الجثمان للسمسار ليتصرف فيها، ذاع صيتي وبدأ طلاب الطب يتوافدون عليّ من المحافظات كافة لشراء جثث كاملة، وأحياناً يطلبون عظام يد أو حوض أو هيكلاً عظمياً". يشرح تفاصيل نزع العظام من اللحم، فيقول إن الترابية، أو حراس القبور، يقومون بغلي العظام لإزالة الشحوم والأنسجة واللحوم والتخلص من الرائحة الكريهة، وبذلك يتسنى للطلاب التعامل معها والدراسة عليها. وقد يتبع أحياناً طريقة أخرى لإزالة الشحوم بدهنها بالزيت قبل بيعها للطلاب. ويؤكد أن هناك ترابية متخصصين في بيع العظام والرفات فقط، ويتواجدون بكثرة في مقابر "الغفير والمجاورين" بمنطقة منشية ناصر.

ما رأي القانون في الأمر؟

ثمة نقاط قصور قانونية شديدة فيما يخص نبش المقابر وسرقة جثمان الموتى أو أشياءهم كما يقول أسعد هيكل، محامي بالنقض والناشط الحقوقي المصري، إذ يعاقب القانون من يقومون بنبش القبور بغرامة مالية لا تقل عن 100 جنيه مصري ولا تزيد عن 500 جنيه، دون حبس. وهي عقوبة غير رادعة برأي الكثير من الحقوقيين، مما يدفع لاستمرار هذه الجريمة. ويقول هيكل أن دفاتر أقسام البوليس تعج بمحاضر ضبط لنابشي القبور وأخرى بشكاوى الأهالي عن غياب جثث ذويهم، كانت آخرها نبش 60 جثة دفعة واحدة من إحدى مقابر مصر القديمة.

وسطاء البيع لنابشي القبور

تنتشر حول جامعة الأزهر وعين شمس والقاهرة بمصر مكتبات تبيع مستلزمات وأدوات للدراسة، وتجد عندها أعضاءً وعظاماً يحتاجها الطلاب في الدراسة، يبيعونها فقط للطلاب الذين يعرفونهم جيداً، خشية أن طالب غريب بإبلاغ الشرطة عنهم. يقول منعم محمد، وهو طبيب في كلية طب جامعة الأزهر، أنه جلب العظام التي احتاجها هو وزملاؤه من عند بائع مكتبة قريبة من جامعة عين شمس. وقد ربطته علاقة طيبة بالعديد من حراس المقابر، واشترى منهم جثة كاملة، اقتسم سعرها والعمل عليها مع زملائه، كما ابتاع عظماً بنحو 900 جنيه. يقول خميس، والذي يعمل ترابياً، لرصيف22 بأن طلبات الطلاب تتحدد بحسب السنة الدراسية، وهو ما يعرفه حراس المقابر جيداً، فطلاب الفرقة الأولى مثلاً يطلبون في الغالب فقرة الحوض ورجل وذراع، "لأنهم بيدرسوا في هذه المرحلة الهيكل السفلي من جسم الإنسان"، بحسب وصفه. “أغلب الطلبة الذين يترددون هم ولاد ناس، أما الطلاب الغلابة أبناء الفقراء نقوم بتأجيرها لهم، ويقوم الطلاب بإعادة العضو مرة أخرى"، يقول متولي، وهو حارس قبور آخر. ويضيف أن الزبائن ليسوا فقط من طلاب الطب، فهناك سماسرة الجامعات الذين يتعاملون مع المراكز التابعة لكليات الطب، ويزودونها بالجثث. بالإضافة إلى سيدات يتوجهن إليه طالباتِ أجزاءٍ مختلفة من الجسم، أو الكفن أو الأسنان، لإعطائها للدجالين واستخدامها في أعمال السحر والشعوذة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image