"الدكتور المسيحي طبعاً أشطر"... من أين جاء هذا المعتقد الشعبي بمصر؟
الأحد 10 سبتمبر 201709:26 ص
تُعرّف الطبقة الشعبية في مصر بأنها الفئة التي تلتزم بالعادات والتقاليد والفكر التراثي. ويشعر بعض أبناء هذه الفئة بأن الطب هو المجال الذي تفوّق به مسيحيو البلد، فتتكرر بينهم مقولة "دكتور مسيحي يبقى شاطر"، وقد توارثوها عن آبائهم لتصبح راسخة في معتقدات بعضهم.
تتفاوت الآراء بين متفق ومختلف، مع نسب مهارةٍ أو كفاءةٍ ما لفئة بسبب طائفتها. وفي كل حال، لم يرقَ هذا الشعور ليصبح نمطاً اجتماعياً، أو حتى ظاهرة في بلد يشكل الدين محوراً أساسياً في حياة سكانه واختياراتهم.
لكن، ما هي جذور هذا المعتقد في المجتمع المصري؟
الأقباط والطب
مارس المصري القديم التطبيب وطرق العلاج، ودوَّنها في بردياته الجامعة معظمَ اختصاصات الطب الحديث. فحوَت بردية "إيبرس" على سبيل المثل، عدداً كبيراً متنوعاً من الأمراض المعروفة في الاختصاصات الباطنية والأسنان والعيون والجلد وغيرها. وكانت مهنة التطبيب والعلاج، يقوم بها الكاهن أو رجل الدين أو الرجل المعروف بالصلاح والإخلاص للإله. وتلمّس المرضى في مصر الفرعونية الشفاء في المعابد، ثم تحولوا إلى الكنائس بعد دخول المسيحية إليها، ما يستدل به البعض على أن الطب في مصر متأصل بتأصل المسيحية وقديم بقدمها.هل تعرف "السبع بنات"؟
في محافظة قنا، لم يعرف الوعي المجتمعي الطب إلا من خلال ممارسة مسيحية يقوم بها فريق من الراهبات يحمل اسم "السبع بنات". "كنا نُدهش في طفولتنا، في قرية نقادة، حين نسمع أن هناك أطباء مسلمين، حتى كبرنا وعرفنا أن الطب يُدرّس في كلية خاصة يدخلها المسلم والمسيحي على حد سواء"، يقول ابن قنا، المسلم محمد أبو شنب (40 سنة) الذي يعمل مهندساً مدنياً. ويضيف: "كان المريض يذهب مباشرة إلى البنات، وهو فريق راهبات ضمن الإرسالية التبشيرية الفرنسية، يتكون من 7 راهبات متمرسات في الخدمة العامة، والتوعية الصحية، وهن موجودات في كل قرى مصر تقريباً". أنشأت الإرسالية الفرنسية ثلاث مدارس كاثوليك فرنسية، كانت الأولى من نوعها في مصر في عهد محمد علي، وهي: مدرسة الراعي الصالح بون باستور للبنات، مدرسة فتيان الإحسان عام 1845 ومدرسة اللعازريين عام 1846.في بلاد الشرق يُرد النجاح الإنساني في أي مجال مرداً دينياً، فيشعر البعض أن الطبيب المسيحي أفضل بسبب عقيدته
تتكرر بين الفئات الشعبية في مصر مقولة "دكتور مسيحي يبقى شاطر".. شباب يحاولون تفسير أصول هذا المعتقدامتد هذا النشاط إلى مدن الصعيد وقراه، حتى أنه لم تكن هناك قرية صعيدية تخلو من مركز طبي يعمل فيه الرهبان والراهبات الفرنسيسكان. وتطورت فرق راهبات "السبع بنات" في قرى مصر ومحافظاتها، إلى مستشفيات أو مُستوصفات صغيرة، تشبه وحدات الطوارئ الطبية وتحمل الاسم عينه. فنجد مثلاً مستشفى السبع بنات في منطقة العتبة بمحافظة القاهرة، وآخر يحمل الاسم نفسه في منطقة اللبان بمحافظة الإسكندرية، وثالثاً في محافظة الإسماعيلية. وتُعرف تلك المستشفيات بين العامة بـ "مستوصف السبع بنات" أو "مستوصف الراهبات". ويؤكد أبو شنب أنه تداوى على أيدي راهبات مستشفى البنات في صغره من مرض ألمَّ بعينيه وآخر بأذنيه. وتعالج في المكان نفسه في الماضي والده وجده، واعتادت العائلة التداوي على أيدي الراهبات المسيحيات وطب الكنيسة بشكل عام.