صباح نهار غير عادي. جزء كبير من الشيعة في العالم يتجمعون في الطرقات يحيون ذكرى عاشوراء، الواقعة التي تشكل عليها الوجدان الشيعي وجزء من وعيه السياسي. في هذا النهار، يبكون تارة، ويصرخون تارة أخرى. شعارات على رأسها "هيهات منا الذلة"، ترافقها صيحات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل". من لا يفهم عاشوراء، يعصى عليه فهم واقع االشيعة اليوم، في كل جوانب تواجدهم، لا سيما السياسي منه، لأنه كجرس إنذار سنوي يعاد عبره ضبط عقارب ساعتهم.
في إحدى زوايا المشهد، تبرز مواكب التطبير. التطبير، أو الإدماء، عادة تقوم على أذيّة الجسد لا يزال جزء من الشيعة يمارسونها تأسيّاً على ما حصل في كربلاء. الزهد بالجسد، عبر إيذائه، وسيلة اعتمدتها معظم الديانات على مر العصور بنسب متفاوتة. بعض علماء الشيعة لطالما حرموه، في حين أن آخرين لا يرون ضيراً فيه، أو يشجعون عليه.
يمتعض كثيرون من الشيعة من التطبير لما قد يتركه من آثار سلبية على صورتهم في عيون الآخرين، فيما يستخدمه كثيرون من مؤيديه، على العكس، كوسيلة لإبراز القوة. هو نوع من التحدّي للذات، يجعل من تحدّي الآخرين أكثر حدّة. مع ذلك، عدد المطبرين يتراجع عاماً بعد عام. في مواجهتهم، تتكاثر الحملات المشجعة على التبرع بالدم، عوضاً عن هدره في الطرقات.
نحن في عام 2013، في النبطية، المدينة الجنوبية التي تشهد سنوياً أكبر مواكب التطبير في لبنان. إليها يتوجه الشباب الراغبون في شقّ رؤوسهم صباح عاشوراء. ساحة حسينيّة المدينة تكون مجهزة للأمر، بل عددٌ من طرقاتها التي ستعبرها مواكب المطبّرين. رجال في لباس أبيض يتوزعون في الساحة، وفي أيديهم أدوات حادة. إليهم سوف يتوجه الآباء والأمهات، ممسكين بأيدي أطفالهم.
لا عمر محدّداً للتطبير. بعض المطبّرين، أو الذين "يُطبّر لهم" لم يبلغوا بعد عمر المشي، يساقون إلى ممارسة تفضح تعبير وجوههم أنهم يرون فيها عقاباً. بين دموع معظمهم، تبرز بعض الابتسامات المندفعة. يدرك هؤلاء أهمية ما هم بصدد القيام به، يتحمسون له وكأنه فعلٌ يدخلهم إلى عالم الكبار. ليس تشجيع أهلهم، وتلك الكاميرات الموجهة إلى وجوههم، لتخليد اللحظة، سوى تأكيداً لهم على ذلك.
نحن هنا في الجزء البطيء من النهار. الصرخات تتعالى “حيدر، حيدر”. يبدأ الشباب في التجمع، يدخل الكبار إلى مشهد. الشباب هم أبرز ما يمكن ملاحظته في الجموع. عمر المراهقة، عمر الإدمانات الصغيرة، والرغبة في إثبات الذات. تشعر بأن التطبير يصبح إدماناً آخر، يضاف إلى قائمتهم، توقيعاً آخر على بطاقة إنجازاتهم. بعضهم يريك آثار الشطبات، التي راكمتها السنوات على رأسه.
لا عمر محدّداً للتطبير. بعض المطبّرين، أو الذين "يُطبّر لهم" لم يبلغوا بعد عمر المشي، يساقون إلى ممارسة تفضح تعبير وجوههم أنهم يرون فيها عقاباً... تقرير مصوّر عن مواكب التطبير التي تشتهر فيها مدينة النبطية في جنوب لبنان
مع تلاوة المصرع الحسيني، الذي يروي تفاصيل معركة كربلاء، على مكبرات الصوت، تتزايد حدة التطبير. صوت بكاء الجموع في الخلفية، يزيد من حدة توتر اليد على الرأس، أو السكين، أو السيف. هنا، كلما ازدادت حدة المعركة، تساقط الدم أكثر. يأخذ المطبّرين نوعٌ من الغشية عند مقتل الحسين. يعود الهدوء تدريجياً، تفرغ الساحة إلا من سيارات الإسعاف، ومن رائحة الدم… في قلوب من أحيوا هذا النهار، أعيد نفض الغبار عن الالتزام الديني، والسياسي، ككل عام.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع