في كل عام، ومع اقتراب العاشر من محرّم، ذكرى مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأفراد أسرته، في كربلاء، يحيي الشيعة حول العالم المناسبة ويمارسون طقوساً خاصة بها.
يختلف المشهد بين بلد وآخر، إذ تتمايز كل مجموعة شيعية بطقوس وعادات وممارسات خاصة. ولكنهم جميعاً يجتمعون على إبراز حبهم للحسين وآل بيته عبر تمثيليات عاشورائية وإقامة مجالس العزاء وإطعام الناس "عن أرواح" أهل البيت.
يضيف بعض الشيعة على هذه الطقوس الموسيقى، وبعضهم يكتفي بمجالس العزاء، وبعضهم يبالغ في أذية نفسه للتعبير عن محبته لآل البيت، كلٌ بحسب ثقافته المحلية، إذ يلاحظ اندماج الشعائر العاشورائية مع العادات والتقاليد المحلية.
وفي بعض الأماكن، يشارك السنّة في إحياء الذكرى، في أجواء يختلط فيها الحزن على مقتل الحسين مع الموروثات الثقافية، كما يحصل في ليبيا والجزائر وتونس ومصر، ويردّ بعض الباحثين ذلك إلى الحقبة الفاطمية التي تركت أثرها في هذه البلاد، فيما يصرّ بعض آخر على حصرها بالسنّة النبوية التي دعت إلى صيام يوم العاشر من محرّم، وهو يوم نجاة النبي موسى من فرعون.
في حين تتربع "الهريسة" على عرش الأطباق التقليدية في عاشوراء، وهي نوع من الطعام يُقدَّم في كل من لبنان وسوريا والعراق وبعض أجزاء إيران، تفيض المطابخ حول العالم بأطباق أصبحت ترتبط بشكل خاص بهذه المناسبة وتروي كل منها قصة هوية محيي هذه الذكرى في بقاع مختلفة من الأرض.
وفي الآتي، نستعرض بشكل مختصر بعض هذه الأطعمة.
"الهريسة" بطل الأطباق المشرقية
البداية مع دول المشرق العربي. في لبنان، تقدم "هريسة" قمح مطبوخة مع اللحم أو الدجاج.
الهريسة
كما يحضّر نوع من الكعك المحلى والمعروف شعبياً باسم "كعك العباس"، بالإضافة إلى تحلية بسيطة قوامها البسكويت وراحة الحلقوم.
كعك العباس
يتشابه الحال في سوريا، حيث يقدّم السوريون الشيعة الهريسة، كعك العباس بالإضافة إلى الأوزي واللحم بالعجين.
أما العراق الذي يشتهر أبناؤه بالمضافات التي تقدِّم الطعام لزوار مقام الحسين، فأبرز ما يُقدّم فيه "القيمة" المكوّنة من الحمص والطماطم والبصل والكمون والقرفة والليمون اليابس واللحم، و"الآش" أو "شوربة زين العابدين" المكوّنة من العدس والفاصولياء والبازلاء والشبت والبقدونس والبصل الأخضر والكزبرة واللحم ).
القيمة العراقية
كما يقدّم العراقيون الهريسة المكوّنة من القمح واللحم والدجاج والسمن والقرفة، "الزردة"، وهي حلوى مكوّنة من الأرز والزعفران والهيل والسكر والقرفة وماء الورد، و"الزبيبية الموصلية" المكوّنة من الجوز واللوز والزيتون والتين والزبيب والقسب والتفاح والسفرجل والدبس بعد ومنقوع السماق واللحم، بحسب الدكتور العراقي محمد أبو صبيع.
وتقول الروايات إن الهريسة هي الطبق الذي حضّرته زينب بنت علي، أخت الحسين، للسبايا من بنات الحسين والنسوة اللواتي خُفرن من بغداد إلى الشام، ولذلك يدأب محيو عاشوراء على تحضيرها.
وتحضَّر الهريسة بشكل جماعي في مكان مكشوف، ويتشارك الجميع في طهيها لنيل "أجر" مواساة أهل البيت، وتوزَّع على العامة حيث تتبارى العائلات والحسينيات والمراجع الدينية في نصب القدور الكبيرة في الأحياء لتحضير الطبق الذي يحتاج إلى ساعات طويلة وجهد مضنٍ في تحريك الطعام قبل نضوجه.
تقول الروايات إن الهريسة هي الطبق الذي حضّرته زينب بنت علي للسبايا من بنات الحسين والنسوة اللواتي تم خفرهن من بغداد إلى الشام، ولذلك تتربّع على رأس الطعام المقدّم في عاشوراء... ولكن هنالك أطعمة كثيرة أخرى
في حين تتربع "الهريسة" على عرش الأطباق التقليدية في عاشوراء، وهي نوع من الطعام يُقدَّم في كل من لبنان وسوريا والعراق وبعض أجزاء إيران، تفيض المطابخ حول العالم بأطباق أصبحت ترتبط بشكل خاص بهذه المناسبة
وقام مؤخراً مبرمجو كومبيوتر من العراق بتطوير تطبيق يرشد المستخدمين على الأماكن التي تطبخ فيها القيمة والهريسة والزرد اسمه "تمن وقيمة" (التمن هو الأرز)، ويرتبط التطبيق بموقع إلكتروني يقدم نفس الخدمة.
من مصر إلى الخليج
في مصر، يطهو الناس حلوى العاشوراء المكوّنة من القمح والسكّر والحليب والمكسرات.
العاشوراء المصرية
وفي البحرين، يقوم "العجم" (المواطنون من أصول فارسية) على وجه الخصوص بتقديم "الشلة" المكونة من البقوليات والأرز والثوم والكزبراء ومعجون التمر الهندي.
الشلة
ويشتهر عرب البحرين الشيعة بتقديم "الهريسة" و"الباچة" (مكوّنة من أقدام ورأس وأحشاء الخروف المحشوة بالأرز مع السماق والكركم ومسحوق الليمون الأسود) و"المموش" (مكوّن من الأرز والقريدس المطبوخ بالبهارات والكركم والهيل).
وتمتد الموائد العاشورائية في المناطق الشيعية في السعودية حيث يقدم محموص الأرز باللحم أو كما يسمى "عَيشُ الحُسَين" (مكوّن من الأرز المطبوخ مع البصل المحمر والبهارات واللحم)، والأرز الأبيض مع حساء الخضار واللحم.
محموص
وفي عُمان، تقدَّم "السمبوسة" وهي عبارة عن عجينة مقلية محشوة بالخضار أو اللحوم أو الجبن و"الحليم" (هريسة القمح واللحم)، بالإضافة إلى "الأرز القبولي الظفاري" (مكوّن من الأرز المطبوخ باللحم والبهارات والزنجبيل).
وفي الكويت يدأب الكويتيون على تقديم "مدجبوس اللحم" المكوّن من الأرز المطبوخ باللحم والزعفران والكركم مع صلصة الدقوس، و"المنسف"، وشراب "الفيمتو"، وهو شراب محلّى بطعم التوت.
مدجبوس
في شبه القارة الهندية
في باكستان، يحضّر البرياني، أرزّ بولاو الباكستاني، و"المونغ ماسور دال" المكوّن من العدس الأصفر والأحمر والأرز والسمن والكركم وبهارات الماسالا والكزبرة والحار، أي شوربة العدس الأصفر بالأرز، مع تشكيلة من المرطبات التي تضم شراب الحليب البارد بالورد، شراب الورد والليموناضة.
مونغ ماسور دال
وفي بنغلادش، تُقدّم طبخة الخليط، وهي مثل الهريسة لكنها تطبخ بالأرز والتوابل.
وفي الهند، تقدّم شوربة العدس الأصفر والأرز بالكاري واللحم أو "الدال غوشت"؛ و"الخيشرا"، أي العدس المطبوخ بلحم الماعز والبقر، وهي تشبه الهريسة؛ و"الحليم" وهو مثل "الخيشرا" لكن المقادير تختلف. ويقدم بجانبها شراب ماء الورد.
دال غوشت
دول المغرب
يختلف الحال في المغرب، تونس، الجزائر وليبيا، حيث يختط الموروث الفاطمي مع السنّة النبوية المحتفية بالعاشر من محرّم، فتقدم الفاكية/ القشقشة وهي عبارة عن فواكه ومكسرات جافة، مع حلوى عاشوراء (تشبه حلوى عاشوراء المصرية) وهريسة الشعير بالقديد المعروفة باسم "تيمغطال"، والفول والحمص المطبوخين مع البيض، والرشتة بالدجاج (رقائق عجين تُعجَن بدون تخمير وترق عدة مرات وتقطع طولياً وتترك لتجف وبعد ذلك يتم طهيها مع الدجاج والخضار والبهارات)، والكسكس بالدجاج.
عاشوراء في إيران وتركيا
أما في إيران، فتشكل "قورمة سبزي" طبقاً أساسياً في مناسبة عاشوراء، وتتكون من لحم الغنم والسبانخ والحلبة والفاصولياء الحمراء والليمون الأسود الجاف ومعجون الطماطم بالإضافة إلى "عدس بولو" (أرز وعدس أخضر وزعفران وكركم وكمون)، و"خورشت قيمه" (لحم غنم مقطع وحمص وليمون أخضر جاف وكركم وزعفران).
قورمة سبزي
وتقدّم أيضاً في إيران حلوى "الزردة" (أخذت عنها حلوى الزردة العراقية المكوّنة من الأرز والزعفران والهيل والسكر والقرفة وماء الورد).
الزردة
وفي تركيا، يشترك السنّة الأتراك والشيعة بتقديم حلويات باسم "أشورا"، وهي عبارة عن قمح مسلوق ولوز وزبيب وتين وصنوبر وبندق وحمص وفاصولياء وسكّر ورمان، في حين يقدّمها أبناء الجماعة العلوية ولكن في الثالث عشر من محرم بمناسبة نجاة زين العابدين بن الحسين من القتل في كربلاء، بحسب الشيخ حسن قناعتلي من تركيا.
أشورا
ولشيعة آسيا الوسطى حصتهم أيضاً. فالأذربيجانيون والطاجيك يشتركون بتقديم الأوزي والبلوف (منسف) والغولبوسي (ملفوف محشو بالأرز واللحم المفروم والبصل والنعناع اليابس).
وفي ميانمار (بورما) أيضاً، يقوم المسلمون بإحياء ذكرى العاشر من محرّم بتقديم الأرز والدجاج مع شراب الشاي بالحليب.
ونجد أن أهل تنزانيا يحيون عاشوراء ويقدّمون طبقاً يسمونه "بوكوبوكو"، وهو يشبه الهريسة المشرقية بدرجة كبيرة.
بوكوبوكو
ما سبق هو فقط لمحة بانورامية عن "طعام عاشوراء"، وهنالك المزيد في الدول المذكورة وفي دول أخرى غير مذكورة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...