شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن وهم ختان الذكور... وجهة نظر الدين والحبّ والطب

عن وهم ختان الذكور... وجهة نظر الدين والحبّ والطب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 12 يونيو 201709:55 ص

يسود المجتمعات الإسلامية طقس ختان الذكور، وأغلب الأباء والأطباء يقومون به في الأسبوع الأول من ميلاد الطفل.

في الماضي كان يتمّ ذلك وسط احتفالات كبيرة بهذا الحدث ويتم إحياء ليلة الختان بالغناء، وإقامة الولائم وتوزيع الطعام على الفقراء.

وفي مصر كان يتم طقس الختان على يد الحلاق، والحقيقة لا أحد يعرف العلاقة بين الحلاقة وممارسة الجراحة، وقد يكون السبب عائداً إلى امتلاك الحلاق المشرط والمقص ومادة السبرتو، وهذا مجرد تخمين.

منذ عدة أسابيع، جالت قافلة طبية إحدى المحافظات في مصر لختان الأطفال مجاناً، ونتج عنها تشويه وإصابة ثمانين طفلاً، وكان السؤال هنا هل ختان الذكور مُهم؟ وهل يختلف عن ختان الإناث أم أن الإثنين طقس خاطىء يجب التوقف عنه؟

أصل عادة الختان

عرفت شعوب عديدة الختان منذ العهود القديمة حتى اليوم. كان غالباً مناسبة لطقوس احتفالية، وكان من بين من اتبعه العرب قبل الإسلام، والمصريون واليهود والأدوميون والموآبيون والعمونيون.

من أول من اختتن نفسه بنفسه، بحسب الأساطير، كان "رع" إله الشمس في الحضارة المصرية القديمة، بحسب د. سهام عبد السلام في حوار سابق معها حول هذا الموضوع، وهي طبيبة وباحثة أنثربولوجيا، وتفسّر الأسطورة اللون الأحمر المصاحب للغروب، المسمى بالشفق، على أنّه دم ختان "رع".

وعلى هذا كان يجب على الكاهن الأعظم الذي يدخل قدس الأقداس في معبد الإله "رع" أن يكون مختوناً؛ ولم يكن هذا هو الطقس الوحيد الذي كان يمارسه الكاهن، بل كان يحلق شعر رأسه، وشعر جسده بالكامل، وكانت عملية الختان هذه تتم وهو في سن كبير نسبياً.

بعد أن كانت طقساً يمارسه كهنة معابد الإله "رع"، انتقل الختان إلى عامة الشعب من الذكور

وعلى جدران المعابد المصرية، نجد أن الختان يتم للصبية الكبار وليس للأطفال، ومع الوقت انتقلت عادة الختان من الكهنة إلى عامة الشعب بالتدريج. وكانت عملية الختان تتم في توقيت الفيضان من كل عام (شهر مسرى)، ويتم إلقاء الجزء المقطوع في النيل بإعتباره قرباناً لإله النهر.

أما د. لؤي محمود، أستاذ مساعد الآثار بجامعة مدينة السادات، وعضو الجمعية الدولية لعلماء المصريات، فيؤكد على أن الختان كان يتم للذكور فقط، مشيراً إلى أنّ الغرض الرئيسي من الختان هو الطهارة التي كانت جزءاً من طقوس التعبد في مصر القديمة وأحد أهم ممارسات الحياة اليومية.

فالمصري القديم، بحسب محمود، والذي يقوم بأفعاله بناءً على الملاحظة والتجربة، "وجد أن منطقة القلفة (الجلدة المحيطة برأس القضيب الذكريّ) يتجمع فيها آثار البول وتنتج عنها التهابات فطرية وبكترية ولأن الكهنة مطلوب منهم التطهر دائماً، فلربما كان الحل الأمثل حينها هو قطع القلفة"، على حد تعبيره. ثم تحولت تلك الممارسة مع الوقت إلى دليل على الخروج من طور الطفولة إلى طور الشباب والرجولة.

وقال لؤي "إن قصة اختتان رع لنفسه لم تكن مجرد أسطورة، وهي ليست المرجع لتلك العادة، فالأسطورة بشكل عام تأتي لتُقرَّ أمراً واقعاً بالفعل لا لتخلقه". ويتابع بأنّ "القصة جاءت في كتاب الخروج إلى النهار المعروف باسم كتاب الموتى. فدورة حياة "رع" يومية، حيث يولد مع الفجر ويشيخ عند الغروب، ولذا كان يجب عليه اختتان نفسه للولوج إلى مرحلة الرجولة والخروج من مرحلة الطفولة". 

في المسيحية والإسلام

الختان بحسب لسان العرب، هو ختان الذكور، حيث أن المصطلح لما نسميه ختان الإناث هو "الخفاض" أو "الخفض".

كان الختان، أو شكل من أشكاله، معروفاً في الجزيرة قبل الإسلام، حيث ورد في الأشعار الجاهلية.

ولكن في البحث في التراث الإسلامي، لا نجد ذكراً ولا نصاً قطعي الدلالة في القرآن الكريم عن عملية الختان، ولكن يوجد ذكر له في التفاسير في سياقات مختلفة.

ورد الختان في كتب الحديث والطبقات، فيذكر ابن سعد في كتابه بأن الرسول ولد مختوناً. كما يورد صحيحا مسلم وبخاري، والترمذي وبخاري، حديثاً عن الرسول أنّ "الفطرة" هي خمس: "الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب"، والاستحداد هو حلق شعر العانة بـ"الحديد".

والختان ليس محورياً، حيث يرد ذكره تحت باب الطهارة، ولا يقع في خانة العقيدة والأحكام. ومن هنا نستغرب الأهمية الكبيرة التي اكتسبها في العالم الإسلامي، فليس هناك ما يبررها في المصادر. وربما الأهمّ من ذلك أنّ هناك تعدداً في آراء المدارس الفقهية بخصوص الختان، فالبنسبة للشافعي، الختان واجبٌ، وأما برأي مالك وغالب الفقهاء، فهو سنّة، وليس واجباً. فنرى في التركيز عليه في المجتمعات الإسلامية اليوم إلغاء لهذه التعددية.

للتوسع في هذه النقطة، يمكن الرجوع لمقالة "الختان" في موسوعة الإسلام، النسخة الثانية. وهنا لابد من التنويه إلى أنّ الختان هو أساس من أساسيات العقيدة اليهودية. فهل تكرّس ختان الذكور في المجتمعات الإسلامية بتأثير بما يعرف بالإسرائيليات؟

الختان الذي كان جزءاً أساسياً من العقيدة اليهودية لم يدخل العقيدة المسيحية، فالقديس بولس، على سبيل المثال، يعتبر الاختتان فعل يبطل الإيمان بالمسيحية. فيقول في رسالته إلى أهل غلاطية، وهي أحد أسفار العهد الجديد (وبالتحديد الإصحاح الخامس، الآيات 2–4): "ها أنا بولس أقول لكم إنه إنْ اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً. لكن أشهد أيضاً لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس. قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم بالنعمة".

نجد أن وجهة نظر المسيحية تتضح أكثر في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية حيث يؤكد في الآية 29 من الإصحاح الثاني، أن الختان في المسيحية هو ختان القلب لا القلفة "ختان القلب بالروح لا بالكتاب"، فهو ختان "غير مصنوع باليد".

ماذا يقول الطب؟

يحرم الختان الإنسان من هذا التركيب الرائع لجسمه؛ لأن الجلد كلما التقى بغشاء مخاطي تكون هذه أكثر الأماكن حساسية في الجسم؛ لأن بها مستقبلات عصبية متخصصة باللمسس الخفيف، وهي موجودة في أماكن قليلة في الجسم مثل الشفاه، وتحت الجفن، وموجودة في قلفة الذكر والأنثى، والأنامل. مثلاً لو دخلت حبة رمل في العين نشعر بها كأنها جبل، لكن على الشاطئ ممكن أن نمشي حفاة حافية ولا نشعر بشيء. هذا لأن قدم الرجل لا يوجد فيها المثير من المستقبلات العصبية، وهذا هو ما يخسره الذكور والإناث في الختان.

مبادرات مصرية

من اللافت للانتباه أن أولى المبادرات المناهضة لختان الذكور قادتها امرأتان هما سهام عبد السلام، طبيبة وباحثة أنثروبولوجيا، ونوال السعداوي، الطبيبة والكاتبة المعروفة. جاءت المبادرتان في السبعينات، وقوبلت كل منهما بردود فعل غاضبة من شيوخ الدين.

تقول سهام عبد السلام إنّ ما لفت نظرها لأضرار ختان الذكور هو إجراء عملية ختان لطفل عمره شهر عام 1972. وتقول سهام: "عند إجراء الجراحة صرخ الطفل صرخة لا زلت أسمعها في أذني حتى الآن، ثم أبيضّ وجهه، وبدأ يتصبب عرقاً، وهذه أعراض الصدمة العصبية". وتضيف: "وبدأت أتساءل عن هذا الذي يحدث؟ فمما كان يعانى الطفل حتى يتم مد مشرط عليه؟ فقد كان سليماً تماماً".

وأوضحت إنّ كلية الطب تدرسّ فقط أن القلفة هي قطعة من الجلد في مقدمة القضيب، وهي التي تُقطع دون عمل أي أبحاث عليها؛ ودون قراءة الأبحاث التي تمّت في هذا الموضوع. وتابعت: "وحينما أصبحت نائبة، كانت تأتينا في الاستقبال حالات نزيف لأولاد وفتيات بسبب عمليات الختان، وأذكر أنه في أحد الليالي سهرت طول الليل أنقل دم لطفل بسبب عملية الختان".

ومرة أخرى بدأت سهام تتساءل، وهي تقول: "فأنا لم أكن أعلم أي شيء عن الموضوع غير الخرافات التي كانوا يدرِّسوها لنا في كلية الطب مثل الخرافة التي تقول أنه يمنع السرطان، وغير ذلك". وقالت الطبيبة إن ما علينا فعله هو أن نقول ما نلاحظه وألا نخاف.

الثقافة العامة تخلط معتقدات وتراث متناقل عن أهمية الختان وبذلك تستمر ممارسته دون انقطاع

أما نوال السعداوي، فبالرغم من أنها معروفة بدعمها لقضايا المرأة على وجه الخصوص، إلا أنها وبحسب ما ذكرت في مؤلفاتها، تسعى لتأسيس حضارة إنسانية تعتمد على المساواة. 

وفي لقاءها الشهير الذي صرحت فيه بأنها ترفض ختان الذكور، اعتبرت أنه لا يقل خطورة عن ختان الإناث.

وأوضحت السعداوي إن من أضراره العقم الذي يأتي بسبب التلوث، مؤكدة إن حوالي 20% من حالات عقم الرجال تأتي بسبب ختان الذكور. وذكرت بأنها قامت بدراسة حول أهمية القلفة للرجل في الجنس ونواحي حياتية أخرى.

 الثقافة العلمية والأنثروبولوجيا

ومع أن آراء الخبراء لم تتوصل إلى إجماع حول الموضوع، إلا أنّ المعلومات الأدق حول الختان تتبناها جمعيات حول العالم تدعو لانهاء هذه الممارسة، وتوفر منصة للنقاش وتبادل المعلومات العلمية عنها. على رأسها مراكز موارد المعلومات التابعة لمنظمة الختان الوطنية في الولايات المتحدة كونها البلد الوحيد الذي يمارس فيه الختان على المواليد الذكور دون أسباب طبية أو دينية. كما أنّ الدعوة للتوقف عن ختان المواليد الذكور أصبحت قضية تبنتها عدد من مبادرات الناشطين حول العالم. 

تدعو هذه المبادرات، إلى احترام القلفة لأنها جزء طبيعي من الجسم، لها وظيفة وقائية، وتخدم المتعة الجنسية. 

فبحسب دراسة أجرتها جامعة كوينز العام الماضي، فإنّ القلفة هي أكثر مناطق العضو الذكري حساسية للمس. كما أن هذه المنصات تفنّد النظريات التي تعتقد بأن الختان يحمي من الأمراض ويخدم الطهارة، حيث تبيّن بأنها بمعظمها تعتمد على تصورات خاطئة.

حاول علماء الثقافات المقارنة وعلماء الأنثروبولوجيا تفسير ظاهرة الختان من وجهة نظر ثقافية. اقترح البعض بأنها كانت تُعتمد كحلّ جراحيّ لتفادي ما يعرف بـ"البشم"، أي تضيّق القلفة، لضمان خصوبة الذكور؛ وفسره البعض كطقس ديني لإعلان الانتماء للجماعة أو لاستقبال المولود إلى دين أهله. كما فسّر بعضهم الختان والاحتفالات التي تليه بأنها شكل من أشكال "طقوس العبور"، خاصة في الثقافات التي تطبق الختان بين عمر السبعة أيام وما قبل البلوغ، أو قبل الزواج.

إن كان هناك دراسات وتقارير تناقض الاعتقاد بفوائد ختان الذكور، وتؤكد على أضراره، يجب أن يكون هناك نقاش جدي حول جدوى ممارسته. فهل نجد فرصة لتأطير الختان في دوره في الطبيعة والثقافة العلمية في محاورة لتاريخه الطويل في العادات والتقاليد؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image