تعيد المجتمعات المحافظة، خصوصاً في مصر والسودان، الكتابة على الجسد الأنثوي بما يلائم هويتها الذكورية. من هذا المنطلق، كان الختان محدداً لبناء أو إعادة بناء أنثى وفق مقاييس المجتمع الذي تنتمي إليه. أنثى لا تخرج عن مقاييسه وقيمه الأخلاقية ومحاذيره حتى تعيش، وإن خرجت، كان جزاؤها الموت المعنوي كالرفض، أو الموت المادي وجرائم الشرف أفضل دليل.
عرفت المجتمعات القديمة ظاهرة الختان مثل الحضارة الفرعونية. كما عرفتها الحضارة الإسلامية، وينسب حديث نبوي شريف نصح فيه النبيّ امرأة تختن الفتيات: "لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة". وعلّل بعض الفقهاء الختان بنوافعه الكثيرة: فهو عملية تجميل للأعضاء الأنثوية، التي يمكن أن تنمو وتتضخم لتصبح شبيهة بأعضاء الذكورة، ومن أجل نظافتها وحمايتها من الإفرازات الكريهة. ورغم عمل المنظمات الحقوقية في إدراج الختان ضمن الاعتداءات الجنسية ضدّ المرأة، إلا أن هذه الظاهرة لم تلغ، وما زالت تمارس، خصوصاً في أرياف مصر والسودان.
تعدّ عملية استئصال البظر في المخيال الجمعي، ركيزة من ركائز حراسة الأنثى، والمحافظة على شرف العائلة، التي تعود إلى الرجل. وذلك بقتل الاستثارة الجنسية نهائياً. يعتبر الختان ضرباً من ضروب الحماية أو الوقاية الذكورية في مرحلة لاحقة للرجل، من متطلبات إشباع زوجته جنسياً. فيكتفي بطلبات الأكل والشرب واللباس، وحمايتها من الذكور الغرباء مقابل صون شرفه وعفافها. في المقابل، تكتفي المرأة بمجهود زوجها ونشاطه الجنسي من دون نقاش، ما يجعلها تحافظ على عفتها في حالة غياب زوجها. فهي لا تعلم شيئاً عن الشهوة الجنسية وكيفية إشباعها.
الحديث عن الختان هو حديث عن امرأة ميتة، ما دامت الشهوة الجنسية دمرت تماماً، والجنس لا يختلف كثيراً عن بقية الحاجات الضرورية الأخرى، كالأكل والشرب، رغم تهرّب نخب المجتمعات العربية، وخاصة بعض الحركات النسوية من الخوض في مسألة الجنسانية كمدخل أساسي إلى المساواة بين المرأة والرجل، وتعويضها بشعارات أخرى كالمساواة الإقتصادية والقانونية.
لنستحضر معاً ظاهرة الخصيان في التاريخ الإسلامي، رغم أن الحضارات ما قبل الإسلامية، لا سيما البيزنطية والإغريقية عرفت الإخصاء. وكانت عملية الإخصاء تعلب دوراً مهماً في حماية الشرف العائلي. نلقي الضوء في هذا المقال على دور المخصي في "الإسلام".
دوافع الختان هي نفسها دوافع الإخصاء، وهي قتل الاستثارة والقدرة الجنسية من أجل حماية الشرف الذكورياستعمل الخصيان في التراث الإسلامي في مخادع النساء، لا سيما في قصور الملوك والخلفاء، لقضاء حوائجهن، وليكونوا همزة وصل بينهم وبين عالم الذكور المحرّم عليهن. ينقلون الأسرار، ويقومون بوظائف اجتماعية محددة كالترفيه وخدمة النساء، من دون أن تفكر سيدة ولو للحظة في خطر المخصي على شرف العائلة. حرّم الإسلام الإخصاء، ونذكر في هذا السياق، الحديث النبوي الشريف، إجابة على شاب أراد أن يختصي: "خصاء أمتي الصيام والقيام ". في المقابل، لم يحرّم الإسلام استخدام الخصيان واستيرادهم من خارج حدود العالم الإسلامي. ونشط في تجارة الرقيق، بعض التجار اليهود بين ألمانيا وفرنسا، الذين يقومون ببيع العبيد المسبيين من طرف القراصنة في البحر، أو غنائم الحروب، لاستعمالهم في الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البيض. وشجع ملوك أوروبا على تجارة العبيد، كونها تشكل مصدر دخل مهم. وتم تصدير الغلمان الذين كانوا يتعلمون العربية والفروسية والغناء ويتربون وفق أخلاق وآداب المجتمع الأندلسي، إلى الأندلس. وعلى الرغم من تحريم الإسلام، الدين الرسمي لدولة المماليك، عرف عهدهم إخصاء الغلمان وإرسالهم إلى الحرملك. وقبلها أرسل الأطفال المخصيون من المستعمرات الإسلامية، خصوصاً من إفريقيا وآسيا، لخدمة الحرمين الشريفين. كما استعمل إخصاء الأطفال في الكنيسة للمحافظة على أصواتهم العذبة لغناء التراتيل الدينية. وتنسب بعض الروايات التاريخية إلى العهد الأموي، بينما تفندّه روايات أخرى وتنسبه إلى العهد العباسي، وعرف المخصي بلقب الآغا. من أشهر الخصيان في التاريخ الإسلامي كافور الإخشيدي، القائد الحربي والسياسي الذي لم تشفع له مرتبته السياسية والعسكرية، ليكون رجلاً كامل الفحولة. وهو الذي هجاه المتنبي في قصيدة ذائعة الصيت. تنعدم الهوية الجنسية للمخصي، فهو ليس رجلاً، إذن هو كائن ميّت، دوره ينحصر في إشباع رغبات الرجل في حماية أسرته وحراستها وهي قيم ذكورية بالأساس. ربّما يتساءل القارئ عن علاقة عملية الختان بعملية الإخصاء، والإجابة أن العمليتين تلتقيان على هدف واحد. هو تكييف السلوك الجنسي للمخصي والمرأة لمصلحة الهيمنة الذكورية، مورس على كليهما الاضطهاد الجنسي، من أجل طاعة السيد الذكر وقيم ثقافته. تفرض الثقافة الذكورية هيمنتها بسلطة الأدوات الحديدية "المقص والمشرط"، لتعبّر بشكل مباشر وفجّ عن حدتها وقسوتها، وعنفها تجاه رجال ونساء، أو أفكار مثل المساواة أو الحرية. وتهدّد وجودها، بل تنسفها تماماً في حالة انتصارها أو انتشارها. دوافع الختان هي نفسها دوافع الإخصاء، وهي قتل الاستثارة والقدرة الجنسية من أجل حماية الشرف الذكوري. علاقة قائمة على ثنائية السيطرة والخضوع، يتمّ التعامل مع المرأة المختونة والرجل المخصي كمتاع، تنسب ملكيته للرجل الذي يتفوق عليهما في أدائه الجنسي الكامل، بعد قمع رغباتهما الجنسية، والاكتفاء بدورهما الموكل إليهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون