القلق والتلكؤ عنوان استعداد المصريين لشهر رمضان هذا العام، بسبب المنعطفات الاقتصادية والسياسة التي أدت إلى جنون أسعار شمل حتى فانوس رمضان.
الزائر السنوي المتجذر في تاريخ الفلكلور المصري قد لايكون له مساحة هذا الموسم بسبب ضيق الحال. ربما يجد بعض المصريين ضالتهم في الفوانيس المحلية البسيطة، لعلها تضيء عتمة أيامهم بعد إخفاق السياسة والسياسيين في إنارتها.
بداية الحكاية
للفانوس حكاية قديمة مع المصريين مرت بأطوار ومتغيرات كانت بدايتها مع دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة بعد أن أتم جوهر الصقلي بناءها كعاصمة للفاطميين، ذلك في في الخامس من رمضان عام 358 هـ، ليستقبله الناس بالمصابيح التي بقيت معلقة طوال الشهر. وفي رواية تاريخية يقال أن الفانوس أضاء الليالي الرمضانية بعدما سمح الحاكم بأمر الله خلال حكمه الدولة الفاطمية "966 -1021" بخروج النساء من بيوتهن شرط أن يتقدمهن غلام يحمل الفانوس فيفسح لهن الطريق. وصولاً إلى عهد الملك فاروق الذي ابتُكِر فانوسٌ باسمه وكان مصنوعا من الصاج، رباعيَّ الأضلاع ومزيناً بأشكال هندسية تراثية، حمل اسم الفاروق "آخر ملوك الأسرة العلوية في مصر" لأنه كان يُستخدم في مناسباتٍ متعلقة به، أهمها يوم ميلاده. وعبر التاريخ كان الفانوس أحد مكونات الشهر الفضيل، لكنه وفي عهود مضت لم يتجاوز كونه مصباحاً تتوسطه شمعة ينير دروب المارّة، ليتحول في عصرنا الحالي إلى شاهد على الوضع السياسي ومرآة لحاله.قلب الأسد، بوجي وطمطم
فمع بداية العقد الأخير بدأ الفانوس الصيني يغزو الأسواق المصرية متأثراً بالتحولات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلد، وأرخت ظلالها حتى على الفانوس.منذ بدايته أيّام حكم الفاطميين، أصبح الفانوس زائر رمضان الدائم في بيوت المصريين
تغيّر شكل فانوس رمضان في مصر في الأعوام الأخيرة ليعكس مناخ البلاد السياسيفالقلقلة الاقتصادية جعلت التجار يوجهون أنظارهم للمنتج الصيني لانخفاض سعره عازفين عن الفانوس التقليدي المصري ذي الشكل الأصيل والسعر المرتفع، أما المشهد السياسي فقد انعكس في أشكال الفوانيس التي قدمت حاملة أشكال السياسيين والقادة. عام 2012 جاء شهر رمضان بعد حوالي شهر من تسلم محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر، الرئيس القادم من جماعة الأخوان المسلمين فرض مناخاً سياسياً مظللاً بعباءة الدين. وظهر ذلك جليّاً في مختلف مظاهر الحياة بما فيها الفانوس الذي بات يباع على شكل مسجد يتوسطه صورة لمرسي وبعض عبارات التأييد والآيات القرآنية. قال محمد رجب شريك في أحد شوادر الفوانيس بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، "في ظل ظهور لافت للسلفيين وتيار الإسلام السياسي عقب ثورة 25 يناير 2011، ظهر أيضاً فانوس على شكل شيخ سلفي ملتحي يرتدي جلباباً وغطاء رأس أبيض". لافتاً إلى أن مبيعات ذلك الفانوس كانت جيدة ومتناسبة مع دخل المواطن المصري. منعطفٌ سياسيّ آخر أطاح بحكم مرسي وبفانوس الشيخ الملتحي، ثورة الـ30 من يونيو التي قدمت الفريق أول عبد الفتاح السيسي كبطل خلص الشعب المصري من الأخوان، ليجلس بعدها على عرش مصر ويتصدر أيضاً أسواق الفوانيس. حمل بعضها اسم "قلب الأسد"، وهو فانوس يجسد شكل السيسي ببزته العسكرية مع دبابة أو بدونها، مرفقاً بموسيقى أغانٍ كـ"بشرة خير" و"تسلم الأيادي". لأكثر من سنتين انتشر فانوس السيسي، علماً أن بعض العوائل المصرية لم تكن قادرة على شرائه لارتفاع ثمنه حسب مصادر، ثم زاد الطين بلة ماحل بالبلد بعد تعويم سعر الجنيه وارتفاع أسعار المنتجات. ذلك ما أكده محمود أحد باعة الفوانيس في منطقة "باب الخلق" قائلا: "التدهور الاقتصادي الذي أصاب البلاد أثر على قدرة المواطن الشرائية، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، حيث تضاعف سعر الفانوس المصري بنسبة 100%، أما فوانيس الكرتون ارتفعت بنسبة 150%". والتي جاءت هذا الموسم على هيئات مختلفة يتصدرها "بوجي وطمطم"، دميتا عرائس قادمتان من برنامج تلفزيوني شهير في تسعينيات القرن الماضي حمل ذات الاسم. أضاف محمود أن الموسم الحالي لفوانيس رمضان يحمل أيضاً أشكال والت ديزني (فيلم حكاية لعبة) و(ميكي ماوس وميني). حيث تزايد إقبال الناس عليها مع عزوفهم عن السياسة التي خيبت آمالهم في حياة عادلة كريمة. ينهي محمود حديثه بالإشارة إلى ضعف التنوع هذا العام قياساً مع المواسم السابقة معللاً ذلك بقرار وقف الاستيراد الذي أُصدر منذ سنتين.
بانتظار "عم شكشك"
ومايميز الموسم الحالي للفانوس المصري أنه محليّ الصنع بعد قرار وزارة التجارة والصناعة المصرية حظر استيراد الفوانيس الصينية عام 2015. ماجعل الصنّاع يعتمدون على الخامات المحلية السيطة ليظهر الفانوس الخشبي المكلل بأقمشة الخيامية التراثية المعروفة، إلى جانب فانوس الصفيح الكلاسيكي، سيد السوق. "وقف الاستيراد جعل فوانيس الخشب والصفيح الأكثر انتشاراً، ويلقى الأخير إقبالاً متزايداً في حين تتراوح أسعاره بين 10-4000 جنيه، حسب جودة وطريقة التصنيع". هذا ما قاله عمرو اسماعيل بائع فوانيس في منطقة السيدة زينب، مشيراً إلى أن فتح باب الاستيراد مجدداً سيجعل "عم شكشك" سيد سوق الفوانيس حسب توقعاته بعد انتشار الشخصية التي يؤديها الفنان مصطفى خاطر في برنامج (شكشك شو)، (شكشك) يغزو أكياس الهدايا وألعاب الأطفال في المحال التجارية. وفي انتظار فانوس (عم شكشك) يمضي المصريون يومهم في ظل أعباء أثقلتهم درجة أن الفانوس الذي كان ضيفاً دائماً لعقود من الزمن قد يضل طريقه هذا العام، في حين يبقى الأمل سلاح الباعة لعلّ بضاعتهم تنفذ فتخلو متاجرهم من (بوجي وطمطم) وتتحرر مصائرهم من قبضة السياسة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع