شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رحلة البحث عن الخلود: من جلجامش إلى خالد بن يزيد ومصاصي دماء

رحلة البحث عن الخلود: من جلجامش إلى خالد بن يزيد ومصاصي دماء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 يونيو 201711:24 م
قالت سيدوري ساقية الآلهة، وهي تحاول إقناع جلجامش ملك أوروك السومري وأول الباحثين عن الخلود، بأن يستمتع بحياته ويجعل من كل يوم عيداً بدلاً من إضاعة الوقت في البحث عن الحياة الأبدية. فالموت هو قدر البشر الذي لا مفر منه. لكن جلجامش الذي سيطرت عليه فكرة الحياة الأبدية تجاهل كلام الفتاة الحسناء، ومضى في رحلته متحدياً المخاطر للبحث عن ضالته. إلى أين تمضي يا جلجامش؟ الحياة التي تبحث عنها لن تجدها. فالآلهة لما خلقت البشر، جعلت الموت لهم نصيباً، وحبست في أيديها الحياة. أما أنت يا جلجامش، فاملأ بطنك. افرح ليلك ونهارك. اجعل من كل يوم عيداً. ارقص لاهياً في الليل وفي النهار. اخطر بثياب نظيفة زاهية. اغسل رأسك وتحمم بالمياه. دلل صغيرك الممسك بيدك، واسعد زوجك بين أحضانك. هذا نصيب البشر (في هذه الحياة). إلا أن جلجامش عاد خائباً بعد رحلته الطويلة والشاقة، فالعشبة السحرية التي تمنح الخلود، والتي اقتلعها من أعماق بحر الدلمون، ابتلعتها أفعى ضخمة، بينما كان يستحم في النهر. وفي النهاية عاد الملك إلى أوروك حزيناً، وعندما اقتربت سفينته من أسوار المدينة الضخمة التي شيدها بنفسه، أدرك أن هذه الأسوار المتينة هي التي ستخلد اسمه وأنه لا بد أن يموت يوماً ما.

أباطرة الصين والموت بالزئبق

[caption id="attachment_104033" align="alignnone" width="350"]QinshihuangQinshihuang تشين شي هوانغ[/caption] البحث عن الخلود فكرة داعبت العقل البشري منذ القدم، ولم يكن جلجامش الملك الوحيد الذي سعى للحصول على الحياة الأبدية والشباب الدائم. فكثيرة هي القصص والأساطير التي تحدثت عن السعي الدؤوب لبني البشر للوصول إلى سر الخلود، ومن أشهرها قصة إمبراطور الصين تشين شي هوانغ الإمبراطور الأول لأسرة تشين، الذي توفي وهو في سن 39، نتيجة لتسممه بالزئبق، إذ كان يتناوله اعتقاداً منه بأنه سيجعله خالداً. لم يكن تشين شي هوانغ هو الإمبراطور الوحيد الذي توفي نتيجة تناوله حبوب الزئبق، بل هنالك الكثير من الشبان الصينيين الذين لقوا حتفهم في أعمار مبكرة، جراء تعرضهم للتسمم بالزئبق، كان منهم خمسة من أباطرة تانغ من بينهم الامبراطور جينزونغ.

المصريون القدماء: قطرات الذهب

إيماناً منهم بفكرة الخلود، قام المصريون القدامى ببناء صروح أدهشت العالم إلى يومنا هذا. فالموت عندهم لم يكن نهاية للحياة بل بداية للحياة الأبدية الخالدة، ما يفسر إنفاقهم ثروات بلادهم على بناء القبور الحجرية الفخمة كالأهرامات، كقصور لحياتهم الخالدة. كما انتشرت في عهدهم أسطورة شرب الذهب للحفاظ على الشباب والخلود. إذ تقول الأسطورة المصرية القديمة إن تحوت إله المعرفة عند المصريين القدماء، وهرمس الهرامسة، تناولا قطرات من الذهب السائل الذي منحهما الأبدية والخلود.

في أوروبا: مصاصو الدماء ولا الموت

[caption id="attachment_104029" align="alignnone" width="700"]Elizabeth_Bathory_PortraitElizabeth_Bathory_Portrait إليزابيث باثوري[/caption] في العصور الوسطى، ومع تطور العلم في العديد من البلدان، قامت تجارب وأبحاث لإيجاد إكسير الحياة، هذا الإكسير السحري، الذي يمنح صاحبه الشباب الدائم والحياة الأبدية، ولكنها باءت جميعها بالفشل، ولم يتمكن العلم من إيجاد هذا الإكسير، ما دفع بالكثيرين إلى السحر والشعوذة للحصول على غايتهم المنشودة. [caption id="attachment_104030" align="alignnone" width="350"]Enriqueta_MartíEnriqueta_Martí انكريتا مارتي[/caption] ولعل قصة الكونتيسة الهنغارية إليزابيث باثوري هي القصة الأشهر على الإطلاق. فكانت تعذب خادماتها وتقطع شرايينهن وتتركهن معلقات فوق حوض استحمامها لينزفن حتى آخر قطرة، لتقوم بعد ذلك بإبعاد الجثث والاستحمام بدمائهن. كما كانت تشرب الدماء صباحاً ومساءً، ظناً منها أن الدم له خصائص سحرية في الحفاظ على الشباب الدائم. ولكن كل تلك الدماء التي سفكتها لم تحقق لها غايتها وتوفيت عن عمر يناهز الرابعة والخمسين. ولما كانت فكرة الشباب الدائم تسيطر على عقول الأغنياء في أوروبا، وجدت انكريتا مارتي المعروفة تاريخياً باسم مصاصة دماء إسبانيا، ضالتها. فكانت تمارس طقوس السحر والشعوذة وتقوم بخطف الأطفال الفقراء، من شوارع برشلونة، لتقوم بقتلهم واستخلاص الشحوم من أجسادهم، بعد غليهم في قدور كبيرة لصناعة مستحضرات تجميلية سحرية لحسناوات المدينة الأغنياء، تمنحهن الجمال الدائم والشباب. وهن كن على دراية كاملة بمحتويات هذه المستحضرات، ومع ذلك يقبلن عليها ويدفعن المبالغ الطائلة دون مبالاة في سبيل تحقيق مبتغاهن. [caption id="attachment_104028" align="alignnone" width="350"]DianedePoitiersDianedePoitiers ديان دو بواتيه[/caption] أما في فرنسا فقد كان مشروب الذهب شائعاً للحفاظ على الجمال والشباب ، حيث كانت عشيقة الملك هنري الثاني ديان دو بواتيه شديدة الجمال وتتمتع بمظهر الشباب الدائم، وللحفاظ على جمال مظهرها كانت تعتني بنفسها كثيراً وتشرب كل يوم خليط مصنوع من كلوريد الذهب والإيتر الإيتيلي الذي كان منتشراً في ذلك الوقت كدواء سحري لمنع الشيخوخة، وقد ساهم هذا الخليط في تسممها المزمن بالذهب ووفاتها عن عمر يناهز الـ66 عاماً. في حين قام أحد أطباء الأعصاب ويدعى تشارلز ادوارد، بحقن نفسه بمستخلصات خصيتي الخنازير والكلاب لاعتقاده بانها تركيبة سحرية ستزيد من جمال البشرة وتحافظ على الشباب، ولكنها لم تساعده في الحصول على الشباب ولا الخلود حيث توفي عن عمر 76 عاماً نتيجة لأمراض والتهابات ناتجة عن تأثير تلك المواد.

العرب وعبادة الزيبق الأحمر

[caption id="attachment_104035" align="alignnone" width="700"]خالد-بن-يزيد-بن-معاويةخالد-بن-يزيد-بن-معاوية خالد بن يزيد بن معاوية[/caption] من الحكام والعلماء العرب الذين آمنوا بوجود إكسير الحياة وبحثوا مطولاً عنه، الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية، الذي وصف الزئبق الأحمر بأنه إكسير الحياة، وأطلق عليه في كتابه فردوس الحكمة في علم الكيمياء اسم زيبق الشرق إذ قال: يا طـالــبـاً بـوريـطش الـحكـمـاء عــي مـنـطـقاً حـقـاً بـغيرِ خفاءِ هـو زيـبـق الشرق الذي هتفوا به فـي كتـبـهم من جُـملة الأشياءِ سـمّـَوه زَهْـرًا فـي خـفي رموزهـم والخُرْ شُقُلا أغـمـضَ الأسـماءِ ولم يتمكن العلم إلى اليوم من تحديد فعالية هذا المركب الذي انتشر كدواء سحري للشباب في المنطقة العربية لعدة قرون.

ماذا يقول العلم؟

via GIPHY عجز العلم على مر العصور عن إيجاد إكسير الحياة القادر على الحفاظ على الشباب الدائم ومنح الحياة الأبدية. ولكن التجارب العلمية لم تتوقف إلى اليوم عن البحث عن هذا الإكسير. ولعل اكتشاف أنزيم التيلوميراز ونظريات الليثيوم أعادا للأذهان التجارب الحثيثة للوصول إلى هذا العقار السحري. وعن آلية الشيخوخة وإمكانية إيجاد مركب لإطالة عمر الإنسان والحفاظ على شبابه علمياً، يقول الطبيب رياض مصالحة أستاذ الأعصاب في جامعة دمشق أن دراسات حديثة عديدة تتحدث اليوم عن إمكانية تأخير شيخوخة الخلايا من خلال عزل أنزيم التيلوميراز، وهو أنزيم يكثر في الخلايا الشابة، ونقصه يؤدي إلى شيخوخنها. كما أنه مسؤول عن الحفاظ على مادة التيلومير الموجودة على طرفي الكروموزومات في نواة الخلية، والتي تتآكل تدريجياً مع الانقسامات المتكررة، ما يؤدي إلى توقف هذا الانقسام وشيخوختها، وبالتالي فإن تزويد الخلايا بهذا الأنزيم سيزيد من فرصها في المحافظة على حيويتها ونشاطها. ويضيف أن دراسات أخرى حديثة أكدت أن عنصر الليثيوم قد يكون هو إكسير الحياة المنتظر منذ زمن بعيد. فقد نُشرت دراسة في "سيل ريبورترز"، أكدت أن إعطاء جرعات قليلة من الليثيوم لذبابة الفاكهة، ساهمت في إطالة عمرها بمعدل 16% عن المعدل الطبيعي. كما أشارت إلى أن دراسات عديدة تطبق اليوم على الحيوانات، وأنه بعد فترة من الزمن سيكون بإمكان الباحثين تجريب مركبات الليثيوم على الإنسان، لرؤية تأثيراتها في مجال تأخير شيخوخة الخلايا. ويرى رياض مصالحة أن كبح جماح الشيخوخة يتم من خلال الغذاء المتوازن، والحياة الصحية والنفسية السليمة، التي يجب أن ينعم بها الإنسان، وأن ربط حياته بدواء قادر على منحه الصحة والجمال هو غير منطقي، وبعيد المنال حتى في أكثر عصور العلم نهضةً وتطوراً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image