بمجرد النظر إلى بوتيك ميسر من الخارج، لا يمكن أن يتخيل أي شخص، أن هذا المتجر الصغير، الذي يقع في منطقة سكنية في حي العمارات العريق في الخرطوم، هو من أكثر البوتيكات شهرة وسط مجتمع السيدات في السودان. البوتيك هو عبارة عن محل ضيق، فيه جميع أشكال البضاعة النسائية من أحذية وحقائب إلى مستحضرات التجميل، لكنه يشتهر بخلطات التبييض التي يخترعها ميسر نفسه.
تقول مناسك، التي تعمل في البوتيك: "لا أعرف محتويات الخلطات، لأن ميسر هو الذي يصنعها بنفسه، لكن بالتأكيد جميعها خلطات طبيعية وغير مضرة بالصحة". وتضيف أن "لدى ميسر خبرة تزيد على 20 عاماً"، وتؤكد صفحته على Facebook، أن لديه خبرة طويلة في هذا المجال، وتذكر أن ميسر هو "مدخلك للبشرة النقية".
تقول سارة أحمد، وهي صحافية من الخرطوم، إنها استخدمت كريمات التبييض 5 سنوات متواصلة، ما سبب لها معاناة اقتصادية ونفسية. وتضيف: "كنت أعاني من مشاكل نفسية لأنني كنت أحب أن يكون لوني أبيض، وعندما لا أحصل على اللون الذي أريده، لا أكون مرتاحة نفسياً". وتشير أحمد إلى أنها "سمعت عن ميسر، لكنها لا تميل إلى الخلطات، بل كانت تستعمل الكريمات مثل "Skin success, bio-clear and top-girl".
ميسر والدنقلاوي وعمر لمبة، وغيرهم من الأسماء هم من الرواد في صناعة خلطات التفتيح أو التبييض في السودان. وهناك فرق بين كريمات التفتيح والخلطات، فالكريم يكون في الغالب مستورداً ومتوفراً في الأسواق والصيدليات، مثل "كريم ديانا" وهو لبناني المنشأ، أو "كريم كيلي" الذي يصنع في إندونيسيا، أو "كارولايت" المصنوع في نيجيريا. أما الخلطات فتصنع محلياً، ويصنعها من يضع نفسه في مكان الخبير مثل ميسر وغيره من خبراء التفتيح، أو "الجلخ" و"الفسخ"، كما يسمى في السودان.
تعد كريمات وخلطات التفتيح أو التبييض من أخطر المشاكل التي تواجهها النساء في السودان، وبحسب آخر تقرير من مركز الإحصاء التابع لمستشفى الخرطوم للأمراض الجلدية والتناسلية، ربع الحالات التي تم استقبالها أي 20852 من 80739 حالة عام 2014، كانت تشوهات ناتجة عن استخدام كريمات تبييض البشرة".
الطبيبة المتخصصة في الأمراض الجلدية، دكتورة شهيناز النقر، قالت لرصيف22، إن "الكريمات تحتوي على الزيبق والهيدروكينون، وهو يقوم على إزالة الميلانين، وهذه المادة هي التي تعطي الجسم لونه أو سمرته". لكن المعلومات متضاربة عن محتويات الخلطات، فيشاع عن استخدام مواد مثل السائل المنوي، أو حمض اللاكتيك، الذي يتطلب استخدامه الحرص الشديد، واستخدام كميات قليلة في الخلطات.
اقتصاديات التبييض
"قدر ظروفك" أو على حسب ظروفك الاقتصادية، هو مصطلح مشهور في عالم التبييض، ويدل على أن أي بنت يمكنها تبييض لونها على حسب الإمكانيات حتى إذا كانت محدودة. فميسر مثلاً يبيع خلطتين للاستخدام اليومي بسعر 130 و210 جنيهات (أي بين 22 و35 دولاراً)، وللمقبلات على الزواج خلطة للأطراف (الأيدي و الأرجل) بـ450 جنيه (75 دولاراً)، أو خلطة متكاملة بمبلغ 3500 جنيه (583 دولاراً). بينما تراوح أسعار الكريم بين 50 و150 جنيهاً (بين 8 و25 دولاراً) حسب النوع، غير الإضافات مثل صابونة ينصح بشرائها واستخدامها مع الكريم.
[one_third]وللبنات اللواتي يردن استثمار مبالغ أكبر في عملية الذهاب من اللون الأسمر إلى البياض الصناعي، يمكن اللجوء إلى الحقنة، وهي طريقة لإدخال كمية مركزة من سموم التبييض إلى الجسم من خلال الدم."إذا كان لديك رأس مال إضافي لاستثماره في نفسك، أنصحك باستخدام الحقنة، لكن سعرها يزيد عن ألف جنيه"، قال عوض يوسف، الذي يعمل في محل مستحضرات تجميل في مدينة أمدرمان، حين سألناه عن كريمات التبييض. المحل الذي يتوسط عدداً من المحالّ المشابهة، يبيع مختلف مستحضرات التجميل، لكنه يشتهر بكريمات وخلطات التفتيح، التي يحمل بعضها أسماء مثل "72 ساعة" الذي يوحي بسرعة الأداء، و"خلطة النيل الأزرق"، التي ترتبط بمذيعات تلفزيون النيل الأزرق اللواتي يشتهرن بتفتيح لونهن.
تقول سارة أحمد إنها "لم تلاحظ التدهور في صحتها إلا بعد أن شرعت في ترك كريمات التفتيح، إثر نصيحة من شخص قريب منها، ومساعدته لها بالدعم النفسي كي تجدد الثقة في نفسها ولونها الأسمر". وتضيف: "كنت ضعيفة ووزني يستمر في النقصان، وأبدو مرهقة وشاحبة وأكبر سناً بسبب ظهور العروق في مناطق متفرقة من جسمي".
العودة إلى الطبيعة في جامعة الخرطوم
في مايو 2015، تابع مستخدمو موقع تويتر هاشتاغ #Bashrati، وهو يحمل اسم حملة تهدف لنشر الوعي عن جمال جميع الألوان التي تجعل من السودان بلداً متنوع الثقافات. وعن الحملة تتحدث أمنية حمزة، التي شاركت في إدارة الحملة من كلية الصيدلة في جامعة الخرطوم، إن "كريمات التبييض ظاهرة في المجتمع السوداني، ومنتشرة حتى في المجمع الطبي في جامعة الخرطوم وسط بنات يتعرفن إلى مخاطر التبييض كجزء من دراستهن".
أحدثت الحملة ضجة في جامعة الخرطوم، وفي الإعلام السوداني لأنها تحمل رسالة إيجابية، لم تلق اللوم على مستخدمات كريمات أو خلطات التفتيح. وتضيف حمزة: "مخاطر مستحضرات التبيض أصبحت معروفة إلى حد ما، لكننا حرصنا في الحملة على مساعدة البنات لاسترجاع الثقة في أنفسهن، ولونهن الطبيعي من دون إضافات، لأننا نعرف أن هناك ضغوطاً اجتماعية تدفع البنات للتفتيح".
الضغط المجتمعي يعد إحدى الإشكاليات التي تدفع البنات إلى التبييض، إلا أن هالة الكارب، المديرة الإقليمية لشبكة المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي "شبكة صيحة"، تعتبر أن "التبيض يمكن أن يعد كأحد إفرازات الوضع السياسي في السودان الذي أثر في رؤية المجتمع للنساء، والذي يعتمد على ثقافة سياسية ضد التنوع وضد هوية السودان الإفريقية، وتحاول دوماً تعزيز عروبة البلاد من خلال أجساد النساء". وتضيف أن هذه "الثقافة تفرض الانصهار على الناس لكي يكونوا بالمظهر نفسه حتى في ملابسهم، وتهمّش الأشخاص الذين يرفضون الانصهار".
في أبريل 2014، جدد المجلس القومي للأدوية والسموم في السودان تحذيره من 13 نوعاً من كريمات التبييض، بعد أن أصدر هذا التحذير عام 2011، لكنه لم يلق أي صدى في الأسواق والصيدليات واستمرت عمليات بيعها من دون أي مشكلة".
حتى إذا تم منع الكريمات، تؤكد المستخدمات أنها تتخزن في الجسم لفترة طويلة. وتقول سارة: "تعالجت من الكريمات بأخذ مجموعة من الفيتامينات التي تعمل على شفط السموم التي تتركها هذه الكريمات في الجسم، وإذا عاد بي الزمن إلى الوراء، لن أستخدمها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...