الاستعماران الفرنسي والبريطاني للعالم العربي في القرن التاسع عشر والعشرين، كانت لهما أسباب سياسية واقتصادية تبارى المتخصصون في تحليلها. ولكن الملاحظ أن الدولتين كانتا في بعض الأحوال تحاولان شرعنة احتلالهما، من خلال اختلاق ذرائع واهية، تبدو طريفة أحياناً.
المالطي والحمّار السكندري
طلب مالطي (من مالطا)، من حمّار سكندري يدعى سيد العجان، استئجار حماره للتنقل به وقضاء بعض المشاوير، فوافق. امتطى المالطي الحمار، والعجان يسير بجواره أو يجري، ممسكاً بلجام دابته، في ظهر يوم 11 يونيو 1882. وبعد أن أنهك المالطي الحمار وصاحبه، أعطاه أجرة أقل مما يستحق، فحدثت مشادة بينهما، انتهت بإخراج المالطي سكيناً من جيبه، وطعن الحمّار السكندري، عدة طعنات أدت إلى وفاته.بريطانيا وفرنسا أمام سواحل الإسكندرية
كانت الإسكندرية في ذلك التوقيت تعج بالأجانب، وكانت أحياء كاملة أغلب سكانها من الجاليات الأجنبية التي تعيش في مصر، بحسب ما ذكر أستاذ التاريخ، الدكتور عاصم الدسوقي لرصيف22. بعد الحادث هاج المصريون ووقعت اشتباكات واسعة بينهم وبين الأجانب، انتهت بمقتل العشرات من الطرفين، فوجدها الأسطول الإنجليزي فرصة لقصف الإسكندرية ومن ثم احتلال مصر، بحجة حماية الأجانب. ويقول عاصم الدسوقي إن هناك وثائق تشير إلى أن الخديوي توفيق، حاكم مصر، ربما كان هو المدبر للحادث، إذ توضح أنه عاتب عمر لطفي محافظ الإسكندرية، على استتباب الأمن والنظام بالمدينة، لأن ذلك يخدم موقف وزير الحربية، أحمد عرابي، المناوئ لسلطته.
الخديوي توفيق
وقال الخديوي للمحافظ إن اضطراب الأوضاع هو الذي سيدفع بريطانيا التي ترابط قواتها أمام سواحل الإسكندرية إلى مساندته ضد عرابي. وبالفعل وقعت حادثة الحمار والمالطي، واتخذتها بريطانيا ذريعة لاحتلال مصر وحماية الخديوي توفيق، ولم تغادر قواتها مصر إلا بعد توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954. كذلك فإن بريطانيا وفرنسا الدائنتين لمصر كانتا تريدان إجهاض المحاولات الرامية إلى إصلاح النظام النيابي، وإعطاء البرلمان المصري صلاحية إقرار موازنة الدولة، وهو أمر يحد من سيطرة بريطانيا وفرنسا على الاقتصاد المصري الذي كان مكبلاً بديون للدولتين الاستعماريتين. وكان توفيق قد حل البرلمان عام 1879، وسط معارضة كبيرة، بحسب الدسوقي.
أجرة حمار، صفعة باستخدام مروحة، إحراق سفينة... حجج تافهة استخدمها الغرب لاحتلال مدن عربية
سفينة داريا دولت
كانت السفينة الهندية "داريا دولت" التي ترفع العلم البريطاني تسير قبالة سواحل عدن في 4 يناير 1837 فجنحت، فطلب قائدها أس. بي. هينز من سلطان لحج، محسن فضل، سحبها مقابل 1200 دولار، ولما طلب السلطان 300 دولار إضافية غضب قائد السفينة وأحرقها.أسرة سلطان لحج
وسلطنة لحج هي سلطنة نشأت في جنوب اليمن وشملت عدن وبعض المناطق المجاورة، من 1728 حتى 1967. يقول عاصم الدسوقي إن هينز ادعى أن سفينته تعرضت لأعمال قرصنة وسلب ونهب من اليمنيين بأوامر من ابن السلطان نفسه، واتخذت بريطانيا من الحادث ذريعة لاحتلال عدن، رافضة الحصول على أيّة تعويضات مالية كما طلبت في البداية. فموقع عدن الإستراتيجي على خليجها المطل على المحيط الهندي، مهم للملاحة الإنجليزية المتجهة إلى الهند، درة التاج البريطاني كما كان يطلق عليها، وكان الهدف إنشاء ميناء لرسو السفن البريطانية وقاعدة عسكرية للتأمين هناك. ولم تقدم بريطانيا على احتلال عدن إلا بعد دراسة للمكان والتأكد أنه صالح لإنشاء القاعدة والميناء.
وعليه، اجتمعت قطع من الأسطول البريطاني أمام سواحل عدن، وأخذت تقصفها بالمدافع لمدة ثلاثة أيام، ولم تستطع حامية السلطان الصغيرة مع الأهالي الصمود، لتحتل بريطانيا عدن الواقعة على المحيط الهندي، أو ما يعرف بخليج عدن، في 19 يناير 1837. ولم تخرج منها إلا عام 1967، بحسب الدسوقي.
حادث المروحة
كانت فرنسا مديونة للجزائر بحوالي 24 مليون فرنك فرنسي، منذ عهد نابليون بونابرت، نتيجة استيراد سلع أساسية، على رأسها القمح. في 29 أبريل 1827، كان بيار دوفال، قنصل فرنسا بالجزائر، يزور الداي حسين، الوالي العثماني على الجزائر، يوم عيد الفطر، فطالبه الأخير بسداد بلاده الديون المستحقة عليها، فرد عليه بطريقة مستفزة، فصفعه بمروحة، أو طرده من بيته ملوحاً بصفعه بالمروحة، في ما اشتهر بـ"حادثة المروحة".القنصل الفرنسي بالجزائر
وبناء على هذا الحادث الذي رفض الداي حسين الاعتذار عنه، أرسل ملك فرنسا شارل العاشر جيشاً من 40 ألف جندي، لاحتلال الجزائر، ثأراً لكرامة بلاده. ويقول أستاذ التاريخ، الدكتور كمال جرفال لرصيف22، إن حادثة المروحة هي الذريعة الواهية لاحتلال الجزائر، لكن هناك أسباباً أخرى حقيقية، مشيراً إلى أن باريس كانت تبيّت النية لاحتلال الجزائر منذ عهد شارل التاسع. وفي عهد نابليون بونابرت، وضع القنصل الفرنسي بالجزائر، سانت أندري، خطة للغزو عام 1802، وظلت حلماً يراوده، إلا أن الأسطول الحربي الجزائري كان قوياً وقتذاك، ما جعل خطط الغزو كلها تؤجل لوقت آخر. وهنالك أيضاً أسباب أخرى، كانشغال نابليون بحروبه المتنوعة وأزماته الداخلية.
وكان تنافس فرنسا مع بريطانيا على السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، سبباً رئيسياً في احتلال الجزائر، بالإضافة إلى تطلعها لتعويض المستعمرات التي فقدتها في أمريكا. كذلك فإن الجزائر بلد غني بالثروات الطبيعية، خاصة الزراعية والمعدنية، عدا أن الاحتلال سيعفو باريس من ديونها المستحقة للجزائر.
وأخيراً كان الملك شارل العاشر يعاني اضطرابات سياسية في فرنسا، ويريد توحيد الرأي العام حول معركة، فكان احتلال الجزائر هو الحل. واستمر هذا الاحتلال حتى عام 1962، بحسب جرفال.
تأديب خمير
محمد الصادق باي
تسكن قبائل الخمير على الحدود بين تونس والجزائر. في عام 1881 كان حكم محمد الصادق باي لتونس باسم الدولة العثمانية يشهد ضعفاً وتمرداً عليه من القبائل، التي كانت ترفض دفع الجباية الباهظة المفروضة عليها من قبل الحكومة. وفي التوقيت نفسه، كانت فرنسا تحتل الجزائر، وكان الصادق باي يتمتع بعلاقات قوية معها، نتيجة الديون المستحقة لها عليه. يقول كمال جرفال إن قوات الاحتلال الفرنسي للجزائر افتعلت بعض المناوشات مع قبائل خمير التونسية، أدت إلى قيام معركة محدودة بينهما، في 31 مارس 1881، تكبد خلالها الفرنسيون خسائر في العتاد والرجال، فطالب رئيس الوزراء الفرنسي حكومته والبرلمان بإرسال حملة عسكرية ضخمة لتأديب القبائل التونسية. وبالفعل دخلت القوات الفرنسية مدينة بنزرت التونسية في 3 مايو 1881، وأمر صادق باي قواته بعدم التصدي لها، لأنه يريد تأديب قبائل خمير، ولعلمه أن الهدف من الحملة ليس احتلال البلاد. ولكنه أخطأ في توقعاته، ولم تنل تونس استقلالها إلا عام 1956. تأديب القبائل كان مجرد ذريعة، فالهدف الأساسي كان السيطرة على الاقتصاد التونسي ونهبه، بعد الأموال التي أقرضتها لتونس بفوائد قد تصل إلى ما يقرب من الضعْفَين، أي 65 مليون فرنك فرنسي، إضافة إلى التنافس الاستعماري بين دول أوروبا في السيطرة على تركة الدولة العثمانية المتراجعة، أو رجل أوروبا المريض كما كان يطلق عليها، ولتحجيم نفوذ روسيا التي كانت قد بدأت في إنشاء تحالفات في عمق أوروبا، بحسب جرفال.
الطبيب الفرنسي
في عام 1905، استقر طبيب الأسنان الفرنسي موشان في مراكش، بهدف العمل وتقديم خدمات طبية للسكان، وأنشأ مستوصفاً لهذا الهدف. استطاع موشان بناء علاقات قوية بالأهالي، وكان يقدم لغير القادرين خدمات علاجية مجانية، ويحسن معاملتهم. ثم وصلته إمدادات من بلاده وحوّل المستوصف الصغير إلى مستشفى، ما عزز من نفوذه لدى الأهالي، بحسب كتاب "التدخل الأجنبي والمقاومة بالمغرب، 1910-1894: حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية" لعلال الخديمي. بعد فترة، ثبت الطبيب الفرنسي علم بلاده فوق المستشفى، وبجواره جهاز أجمع الأهالي أنه للتجسس عليهم لحساب فرنسا التي تحتل جارتهم الجزائر، والتي اقتحم جيشها بلادهم أكثر من مرة قبل ذلك، فهجموا على الطبيب بالفؤوس والعصي وانهالوا عليه بالضرب حتى قتلوه. بعدها بأيام اقتحمت القوات الفرنسية مدينة وجدة، قادمةً من الجزائر، بذريعة حماية رعاياها، ومن وجدة انبسط النفوذ الفرنسي تدريجياً على الشمال المغربي كله.يرى الخديمي أن مسألة الطبيب كانت مجرد ذريعة، وأن التنافس الاستعماري على المغرب هو السبب الأصيل. فقد حاربت فرنسا المغرب عام 1844، بعد لجوء الأمير عبد القادر، قائد المقاومة الجزائرية إليها. وكان التنافس الاستعماري بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا عظيماً على المغرب، فكل واحدة من هذه الدول لديها مصالح هناك، ولكن في عام 1904 حدث اتفاق ودي بين بريطانيا وفرنسا على ترك يد لندن في مصر، مقابل ترك المغرب لباريس. وفي عام 1906 عُقد ما عرف بمؤتمر الجزيرة الخضراء لتقسيم النفوذ في المغرب بين الدول الاستعمارية، وتقاسمت باريس النفوذ في المغرب مع مدريد بحيث تحتل إسبانيا الجنوب ويصبح الشمال لفرنسا. وبعد ذلك منحت فرنسا جزءاً من الكونغو إلى ألمانيا كي تطلق يدها في المغرب، بعد أن كانت برلين تساند استقلال الأخيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين