انطلقت فعاليات الموسم الثالث من أسبوع بيروت للتصميم مطلع الأسبوع الجاري، ومنذ الاثنين وقعت المدينة في حبّ الحياة والألوان والأشكال. رافقت المعارض المتنشرة بين شارعٍ ومبنىً، حفلات صاخبة جمعت البيروتيين وغيرهم من سكّان الجوار، لتبادل ثقافي فنّي برغم اختلافاتهم السياسية والاجتماعية، وهو الهدف الفني الاستراتيجي لكل موسمٍ جديد لأسبوع الموضة.
يأتي أسبوع بيروت للتصميم، الذي ينظمه "مركز مينا للبحوث التصميمية"، بمؤسستيها مايا قرانوح ودورين توتيكيان، أغنى مع كل عام، نتيجة مجهودٍ مهم يضعه كل مصممٍ يشارك فيه. انطلاقة ناجحة جمعت أعمال مصممين محليين وعالميين في معارض ومؤتمرات وورش عمل واستديوهات مفتوحة توزّعت في أنحاء العاصمة، كانت بمثابة ركيزة ثقافية فنية دعمت الوحي لكل مهتمّ في المجتمعين اللبناني والعربي. التصميم، كما عرفتنا على مبادئه مايا قرانوح هو أكثر من فن ومنصة تبادل ثقافي، التصميم هو "ميدان أساسي في المجتمع، يترك آثاره الاجتماعية على المجتمع ذاته".
ترى مايا قرانوح أن إقامة أسبوع التصميم في بيروت وتأثيره على الحياة البيروتية هما البرهان الأكبر للسلطات اللبنانية على أن هذا القطاع يجب أن يأخذ مكانةً مهمة في مشاريعها المستقبلية. ذلك أن قطاع التكنولوجيا على سبيل المثال ينال دعماً مادياً مهماً من الدولة في قطاعاتها العامة والخاصة. التصميم يجب أن ينال أيضاً حصته من الاستثمار المادي والأكاديمي والعلمي، ليكون قطاعاً يشارك في إنعاش الاقتصاد اللبناني والتأثير على المجتمع بجميع الطرق. أمرٌ اجتذب الكثير من الحكومات العالمية التي حرصت على دعم ميدان التصميم بسبب ما يعطيه للمجتمع من غنى مادي ومعنوي. مثالٌ بسيط يبيّن دور التصميم في الحياة اليومية، هو نظام شبكة مدرسية في الولايات المتحدة كانت تعاني من مشكلة في الكافيتيريا التي تضمّها، إذ لا يدخلها أي فردٍ ليقضي قسطاً من الوقت، فلجأوا لشركة تصميم تولّت معالجة عدم اهتمام الأشخاص بالمكان حتى بات يستقطب روّاداً كثراً.
تضيف قرانوح أن التصاميم في بعض البلاد العربية، ساهمت في تأسيس البلاد وإطلاقها في فلكٍ اقتصادي لا حدود له، وهو أمرٌ لم تستدرك أهميته بعد الحكومة اللبنانية، لتستفيد من الجوانب التي قد يؤمنها التصميم للاقتصاد.
لبنان لا يملك المال على غرار بلاد الخليج، لكن تلك الأخيرة لا تملك النظام الأكاديمي العالي ولا الحرفيين الذين يحتضنهم لبنان. هكذا بدأت قصة أسبوع بيروت للتصميم، يوم قام الحريصون على "مركز مينا للبحوث التصميمية"، بمناداة مصممين لامعين من لبنان والخارج، بالتعاون مع أكثر من 10 منظمات غير حكومية في لبنان، للعمل على مشاريع مهمة مثل كيفية علاج مشكلة النقايات البلاستيكية. في شهرٍ واحد، تم تنظيم معرض للأعمال والورش الناتجة من ذلك التعاون، ليكون الموسم الأول من أسبوع التصميم. تقول قرانوح "بيروت هي عاصمة الإبداع في الشرق الأوسط، لأن مصمميها اجتمعوا لتأسيس منصة فنية اجتماعية واحدة، تعطي الخارجَ صورةً جميلة وبناءة، عكس فلسفة فرّق تسدّ". تبادل الثقافة التصميمية بين لبنان والدول المجاورة هو أمرٌ يحرص المركز على تفعيله، من خلال دعوة أساتذة واختصاصيين من مختلف البلاد العربية ليشاركوا في فعاليات أسبوع بيروت للتصميم.
"التعمّق أكثر في التصميم هو ما يميّز المنصة اللبنانية عن باقي المنصات العربية. ولكن لم يصل الأمر إلى النقطة الأساسية حيث القطاعان العام والخاص يؤمنان بدور التصميم في التأثير على المجتمع. علماً أن الميدان الصناعي العالمي قد اتجه إلى استخدام التصميم في مجالات كثيرة للحصول على نتيجة اقتصادية ناجحة في المبيعات" تقول قرنوح.
هذه الفلسفة الواقعية تم تأكيد مفعولها أيضاً على القطاع الاجتماعي، فعندما تتعاون شركة تصميم مع منظّمة غير حكومية، يحصل اختراقات مهمة ومثيرة للاهتمام في المجتمع. تعاونت شركة IDEO للتصميم الابتكاري مثلاً مع المنصة التمويل الاجتماعي KickStart لابتكار مضخة ري صغيرة للمساحات القصيرة، نتج عنها أرقام خيالية: 64000 مشاريع جديدة ساهمت في إنشائها تلك المضخة، أمّنت ربحاً بقيمة 79 مليون دولار سنوياً. وفي الإطار نفسه، ساهمت LifeStraw، الأداة المحمولة المنقية للمياه، في الحد من عدة أمراض أساسها المياه. كذلك، عملت الجمعية غير الهادفة للربح “One Laptop Per Child”، مع شركات التصميم Continuum وPentagram وFuse Project على ابتكار كومبيوتر منخفض التكلفة يمكن استخدامه للتعليم في البلاد الناشئة.
يمكن الاستفادة من التصميم في لبنان أيضاً، كأن يعاد مثلاً تصميم وتنظيم وسائل النقل العام بالتعاون مع شركات مختصة بالتصميم، للحد من زحمة السير والتلوّث البيئي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...