خيّم التوتر من جديد على العلاقات المصرية السودانية بعد إصدار اتحاد الصحافيين السودانيين بياناً هو الأول من نوعه، في تاريخ العلاقات بين البلدان العربية، يطلب فيه طرد جميع ممثلي المؤسسات الصحافية المصرية بالسودان، والتبرؤ من التوقيع على أي ميثاق شرف مع الإعلام المصري.
أتى ذلك بعد توالي حظر القاهرة دخول صحافيين سودانيين إلى مصر، بدعوى تحريضهم على البلاد، في إطار الحرب الإعلامية الدائرة بين البلدين.
بيان الاتحاد جاء بعد حوالي أسبوع من زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى السودان، لتهدئة الأجواء بين البلدين، إثر فترة غليان كادت تتجه بالعلاقات بينهما إلى قطيعة دبلوماسية، وربما إلى ما هو أبعد من ذلك، في ظل ملفات حدودية ملتهبة، وعلاقات سياسية معقدة.
كان التهور وعدم المهنية من بعض الإعلاميين المصريين الذين شنوا حملة إساءات للرئيس السوداني عمر البشير، وراء تأسيس علاقة توترية تآمرية بين البلدين.
وركز الإعلاميون على احتواء السودان بعض قيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين، المعلنة "إرهابية" في مصر منذ ديسمبر 2013، إثر عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وعلى توجيه اتهامات للسودان بعقد صفقات خلفية مع أثيوبيا، على حساب مصر، في قضية سد النهضة.
وانتقل التوتر من الشاشات سريعاً إلى دهاليز الأجهزة الحاكمة، ومنها إلى قطاعات كبيرة من الشعبين، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحات حرب كلامية بين الطرفين.
مسؤولية الإعلام المصري عن إحداث شروخ ومنحنيات في العلاقة بين مصر والسودان بدرجة غير مسبوقة، عبّر عنها البشير في لقاء له مع إحدى الفضائيات العربية، وحمّله صراحة مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين.
ولم تكن أزمة السودان هي الأولى التي يتورط في إشعالها بعض الإعلاميين المصريين، فعلى مدار السنوات الماضية، سواء في أواخر عهد مبارك، أو بعد ثورة 25 يناير، كان الإعلام شريكاً أو بالأحرى محركاً لأغلب الأزمات التي اندلعت بين مصر وأشقائها العرب.
وساهمت حالة السيولة الإعلامية، والرواج الفضائي لبعض الإعلاميين المصريين، في ظهور أداء منفلت، لا يراعي الظروف الدقيقة التي تمر بها الدول العربية، ولا يدرك الحساسيات التي تسيطر على العلاقات العربية العربية، والتي قد تتأزم وتسير في طريق غير مأمون العواقب، بسبب مجرد هزيمة في مبارة كرة قدم.
أزمة بين مصر والجزائر
الحساسية المفرطة بين البلدان العربية كادت أن تدق أبواق الحرب بين مصر والجزائر، خلال منافسات تصفيات كرة القدم للصعود إلى كأس العالم في 2009. وسكب وقتها بعض إعلاميي مصر والجزائر، ووسائل إعلامية إقليمية، البنزين على النار بين البلدين، ونتجت عن ذلك مصادمات دامية بين الجماهير في المباراة الفاصلة، التي لعبها منتخبا مصر والجزائر في السودان، لتحديد الفريق الصاعد للنهائيات بعدما تعادلا في عدد النقاط.أمثلة كثيرة تشير إلى ميل جزء كبير من الإعلام المصري إلى "صناعة الأزمات"
الحساسية المفرطة بين البلدان العربية كادت أن تدق أبواق الحرب أكثر من مرة... والمسؤول الإعلاموسريعاً عقدت المحاكمات على الشاشات المصرية والجزائرية والعربية، لا للحل بل لإعطاء الفرصة للإعلاميين للظهور في ثوب المناضلين عبر "شرشحة" إعلامية مخجلة، وصلت إلى الطعن في أصول الشعب الجزائري، وإهانته بأكمله من الإعلامي المصري، لاعب الكرة السابق، مصطفي عبده. وكما شهدت الأزمة في مصر من أجاد استخدامها، وجدت الجزائر من أشعلها وجعلها حرباً دولية بين البلدين. سارع الكاتب والإعلامي الجزائري، يحيى أبو زكريا للتنظير في القضية، واعتبرها سياسية بالأساس لمجرد طلب الجزائر تدوير منصب الجامعة العربية، وعدم إبقائه حكراً على دولة المقر، ما دعا مصر للانتقام بهذا الطريقة، لتصبح أية فعالية طرفاها مصر والجزائر، غير مأمونة العواقب حتى اليوم.
أزمة بين مصر والعراق
بعد ثورة 25 يناير وحالة السيولة الإعلامية التي سيطرت على الشاشات، انفرط عقد الإعلام وظهرت لغة جديدة تعتمد على التشنج، حتى لو كان ذلك برأي الإعلامي توفيق عكاشة "نصائح" يوجهها للشعب العراقي، الذي كال له الشتائم في ثوب وعظ سياسي خوفاً عليه من المجهول الذي ينتظره، حسب وصفه. ولاقت نصائح عكاشة حالة من السخط في العراق، وتسابق الإعلاميون العراقيون في الظهور للرد على شتائم عكاشة، وتحول الأمر إلى كوميديا سوداء. ولم يكن هناك رد يعبر عن ذلك، أوضح من هجوم الفنان والإعلامي العراقي ناهي مهدي، الذي بادل عكاشة الإساءات بطريقة تقترب من أدائه الفريد في الإعلام العربي، وكال له الشتائم هو الآخر على الهواء مباشرة، وطالب الخارجية المصرية بالاعتذار عن إهانات صاحب قناة الفراعين غير المبررة.أزمة بين مصر والسوريين
ومن الكوميديا السوداء إلى الاستخفاف، وعدم مراعاة مِحَن الشعوب التي ألمّت بها كوارث الربيع العربي، إذ سخر الممثل المصري أحمد آدم، الذي يقدم برنامجاً إعلامياً ساخراً يتناول فيه الأحداث العامة مما أسماه "إدعاءات السوريين حول شظف العيش في حلب"، ما اعتبره البعض محاولة لتقديم اسكتشات ساخرة على حساب آلام الشعب السوري. ولم يكن هناك رد واضح ومباشر على ادعاءات آدم بأن حلب آمنة، ولا يوجد فيها دمار، أبرز من فيديو مؤثر لشيخ سوري، معه طفلتان تتحدثان عن الدمار الذي لحق بسوريا بأكملها. ولاقت كلمات الشيخ صدى واسعاً في مصر، وتبارى الإعلاميون المصريون في الخروج للاعتذار عن إساءات الكوميديان للمصريين. ومن أحمد آدم إلى ريهام سعيد، المذيعة التي أوقعت نفسها في أزمات عدة أوصلتها إلى الابتعاد عن الشاشة المصرية لعدة أشهر. إحدى هذه الأزمات كان توزيعها مساعدات للاجئين السوريين في لبنان، وهي تلّفُ جسدها بالعلم المصري، معتبرةً أن ما حدث في سوريا كان نتيجة عملية للفتنة والصراع السياسي، وراحت تشرح بطريقة مُنفرة تدافع السوريين للحصول على المساعدات الإنسانية.أزمة بين مصر وقطر
تحولت الخلافات السياسية بين مصر وقطر، بُعيد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، إلى قطيعة غير مسبوقة، وعززت من اشتعال الأزمة إساءات إعلامية تخطت الأعراف المهنية، منها هاشتاغ مسيء إلى أمير قطر، نقلته إحدى كبريات الصحف الخاصة عن موقع تويتر، ووضعته في صدر موقعها الإلكتروني على خلفية انسحاب الرئيس المصري، أثناء إلقاء أمير قطر كلمته. ما دعا الإعلامي المصري مجدي طنطاوي لإدانة الجريدة ورئيس تحريرها وتوبيخه على الهواء مباشرة. ويتبارى بعض الإعلاميين المصريين على كيل الشتائم لرموز الدولة القطرية، على الرغم من اعتراض الرئيس السيسي علانية، في أكثر من موضع، على مجرد مبادلة الإساءة مع الإعلام القطري. ومن آخر الأزمات تهجم المصريين على الشيخة موزة، والدة أمير قطر، بعد زيارتها للسودان. وقال السيسي في أحد أحاديثه إنه اعتذر لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد في لقاء معه، عن إهانات بعض الإعلاميين المصريين لوالدته الشيخة موزة، ولكن لم يغير الاعتذار في الأمر شيئاً. استمرت الشتائم حاضرة في كل تقرير موجه، تنتجه قناة الجزيرة عن الأحداث في مصر، ولم يكتفِ مقدمو البرامج باستضافة الشخصيات التي تكيل القدح للقطريين، بل تفنن بعضهم في السخرية بشكل غريب ومستفز. ومن الأمثلة ما فعله الإعلامي محمد موسى الذي أهدى ثمرة الخيار على الهواء لأمير قطر. سخرية الإعلام المصري من العائلة الحاكمة القطرية لم تجد إلا تقارير نارية من قناة الجزيرة تطعن في شرعية النظام المصري، في الوقت الذي يشن فيه صحفيون وإعلاميون قطريون وخاصة المقربون للسلطات الحاكمة، حملات يومية للتهكم والسخرية من الرئيس المصري على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبرز من يقوم بذلك الدور هو الصحافي القطري الشهير عبد الله العذبة.أزمة بين مصر والسعودية
وكان الكاتب الصحافي والإعلامي إبراهيم عيسى، قبل توقف برنامجه، يتبنى تقديم رؤى فكرية وأيديولوجية تناهض التيارات الإسلامية بشكل عام، والوهابية السعودية بصفة خاصة، لذا كان يهاجم المملكة كثيراً. الأمر الذي استقبلته الدوائر الإعلامية والسياسية السعودية، على أنه وغيره من الإعلاميين دائمو الانتقاد للملكة، مدعومين من النظام المصري للإساءة إلى بلاد الحرمين ورموزها. بعض دوائر الإعلام في المملكة نقلاً عن دوائر الحكم، كانت تربط بين توجهات رسمية مصرية وبين تأكيد عيسى عبر أحاديثه المتلفزة أن السعودية غير مؤهلة لقيادة العالم العربي والإسلامي، بسبب خلفياتها الثقافية المتشددة، ما جعل نظرية المؤامرة الإعلامية حديث الصباح والمساء في البلدين، طوال أشهر. ويرى البعض أن الهجوم الإعلامي المصري على المملكة كان أحد أسباب اهتزاز العلاقة بين البلدين، التي وصلت حد التجميد، قبل انفراجها أخيراً ثم عودتها إلى التوتر ثم انفراجها. ولجأ السعوديون لمواجهة اتهامات التشدد والوهابية بالسخرية من الأوضاع الاقتصادية المصرية السيئة، ومنها ما قاله الأمير نايف بن فواز الشعلان، خلال استضافته على إحدى قنوات المملكة، بلغة تهكمية، أن تركيا تؤيد السعودية، لأن الأخيرة لم تعطها "رز"، في إشارة إلى مساعدات المملكة لمصر، والتي لم تشفع لها عند النظام المصري لتبني وجهة نظرها في المحافل الدولية، تجاه الملف السوري على وجه التحديد. ويرى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن صناعة الأزمات في الإعلام المصري، أصبحت أزمة كبيرة في ذاتها، وأوضح لرصيف22 أنها تزداد في الإعلام الخاص مقارنة بالإعلام الحكومي، الأكثر التزاماً وحرصاً على رصانة العلاقات الدولية بالرغم من خروجه إلى حد كبير من دوائر المنافسة لأسباب متفرقة. ويلفت عبد العزيز إلى أن تجاهل القضايا المهمة والتركيز على المشاجرات واستخدام اللغة المتدنية يجعلان الجمهور المصري نفسه، يبتعد عن الشاشات المصرية ويتجه للإقليمية والدولية الأكثر توازناً، مطالباً الإعلاميين بفهم الدور الحقيقي للإعلام والابتعاد عن الإثارة والفتن في وقت شديد الحساسية للمنطقة بأكملها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين