في التواصل إبداع
تعود المحاولات الأولى لتأسيس نوادي الكتاب في تونس إلى سنتي 2007 و2009 ويقول عبد الكريم بن عبد الله صاحب هذين المحاولتين أنه فشل في البداية في كسب تعاطف القراء مع هذا النوع من التشاركات الثقافية، غير أن محاولة ثالثة في أواخر سنة 2014 تكلّلت بالنجاح. ويضيف عبد الكريم بن عبد الله أنّ بدايات تشكل نوادي الكتب ليس له علاقة بما ينظم عالميا تحت إسم meetups ولكن فكرة نشاطهم مستوحاة من بعض الحركات العالمية المماثلة التي تعنى بالكتاب. [caption id="attachment_101314" align="alignnone" width="700"] Sousse Book Club[/caption]تشهد مدن تونس نوعاً جديداً من التواصل الاجتماعي في نوادي تحتفل بشغف القراءة ومحبّة الكتب.
بفضل نوادي القراءة، يعود اليوم الولع بالكتب الورقية، فهل يغيّر ذلك مصير المكتبات وصناعة الكتب؟
فنون مجاورة
يعتبر نادي أريانة الذي أسسه الشاب عبد القادر الفطناسي، من النوادي النشيطة في ضواحي تونس العاصمة وفكرته بالأساس تقديم تظاهرات فنية لترغيب الشباب في المطالعة. ويقول علي مبروك (18 سنة) تلميذ بكالوريا وعضو بنادي الكتاب أريانة و Ignite Ariana، أنّ الغاية من قراءة الكتاب ومناقشتها هو كسر الحواجز الكلاسيكية التي تعيق الشاب عن التواصل للدردشة والمشاركة في أحاديث عن مواضيع كتبهم المفضلة. ولذلك أضاف النادي فقرات الموسيقى الحية والغناء والتنشيط وحتى المونودراما المسرحية المستوحاة من النصوص والكتب المنشورة. كما أقرّ المنظمون لنادي أريانة فتح المجال للمنخرطين حتى من خارج الحيز الجغرافي لمدينتهم مثل أحياء المنزه وحي النصر وسكرة. ويقول علي مبروك أن مدينة أريانة تعاني من نقص حاد في البرامج الشبابية والتنشيط الثقافي مما يجعلهم أحياناً مجبرين على تفادي حالة الركود التي تشهدها مدينتهم بتنظيم جلسات بمدينة تونس العتيقة للتعريف بنشاطهم. وأقام النادي تظاهرة "برتاجي غرامك"، فاتحاً المجال لفنون مجاورة للكتابة الأدبية مثل فن الـ"سلام" slam لالقاء الشعر وارتجاله، وكذلك فنون العزف والغناء. كما نظم النادي مخيم أدبي ببرج السدرية بالضواحي الجنوبية للعاصمة تونس شملت ورشة للكتابة الإبداعية وفن المسرح. وبعد نجاح هذا النشاط أقيم مخيم أدبي آخر بنفس المكان المطل على البحر ضم قرابة 130 مشاركاً وأضيفت ورشات للتصوير الفوتوغرافي وورشة للفن التشكيلي.الأدب في أقدم وأجدد أشكاله
ما يمكن ملاحظته أن المنظمين لنوادي الكتب هم طلبة تخصصات علمية لهم اهتمام كبير وشغف بقراءة الكتب الأدبية. ولتعليل هذه الظاهرة تقول أسماء الساسي (طالبة هندسة)، وهي من نادي نابل للكتب، أن ذلك يعود للولع بقراءة الأدب أياً كان التخصص الدراسي، وتضيف أن نادي تونس Tunis book club هو مصدر إلهام لنادي نابل الذي أسسه الطالب مهدي جماعة. قصة أول نادي للكتاب بدأت في إحدى المدارس التونسية، من لقاء عقد بين أصدقاء في سنة الباكالوريا، تطور فيما بعد وتوسع وانضم له محبي الكتاب من كل الأعمار والخلفيات. تسعى شبكة نوادي الكتب التي أطلقها عبد الكريم بن عبد الله، مؤسس العديد من المبادرات الشبابية عبر كافة المحافظات التونسية، إلى عقد جلسات قراءة كتب، شكّل إصدارها حدثاً ملفتاً للقراء وجدلاً كبيراً في البلاد. وقد انعقد اللقاء الأول لنادي نابل Nabeul Book Club من أجل مناقشة أحدث كتب يوسف الصديق وهو باحث في مجال أنثروبولوجيا القرآن. أما في الساحل التونسي فقد تأسست نوادي مماثلة خاصة في سوسة والمهدية والمنستير حيث نشأ نادي الكتاب Monastir Book Club في 2015، إثر لقاءات انتظمت بالمقاهي والساحات العامة لقراءة ومناقشة بعض الإصدارات الجديدة، وكان ذلك على يدي حامد قمعون، الذي أسس أيضاً نادي سوسة. ومن أبرز الكتاب المتداولين لدى هؤلاء القراء مؤلفات الكاتب الجزائري ياسمينة خضراء والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو والمسرحي الإنكليزي وليام شكسبير. إن ظاهرة نوادي الكتب آخذة في التوسع في المدن التونسية، حتى المعزولة منها في الجنوب على غرار مدينة قبلي المتاخمة للصحراء. وهذه المناطق تفصلها مسافات شاسعة عن موزعي الكتب كما تفتقر للمكتبات. ولذلك يقوم الشباب بملء هذا الفراغ، ويختارون التوجه إلى الكتاب الورقي وليس الكتاب الإلكتروني. في تغيير مثير للنظام السائد، بدأت نوادي الكتب، مع توسعها وشعبيتها، تساند المكتبات الخاصة، التي كان بعضها على حافة الافلاس واغلاق أبوابها، والتي أصبحت اليوم نسجل ارتفاعاً في مبيعاتها من الكتب حديثة الإصدار لاسيما كتب تراجم الأدب العالمي ومؤلفات الأدباء المغاربيين مثل محمد شكري وأحلام مستغانمي وغيرهما. وفضلا عن الاهتمام بالكتب الإبداعية، ظهرت في السنوات الأخيرة حفلات فن الشارع تدعو إلى تعميم الموسيقى ورسومات الغرافيتي في الساحات العامة وكثيرا ما ترعى نوادي الكتب هذه النشاطات أو تسهم في تنظيمها. ويعود الفضل لنوادي الكتب في تقريب الشباب من بعضهم، والتمسك في الدفاع عن آرائهم، وأقوى دليل على ذلك، وقوف القراء إلى جانب الكاتب الشاب أيمن الدبوسي الذي تعرض إلى تهديد بالمحاكمة من قبل بعض أعوان مستشفى الأمراض العقلية بتونس. وقد نفذت نسخ الاصدار الأخير لأيمن الدبوسي "أخبار الرازي" من أجنحة معرض تونس الدولي للكتاب. كانت مجالس الأدب من أهمّ معالم الحياة الاجتماعية في تاريخ الشعوب العربية، واليوم تعيد النوادي خلق فضاءات بديلة، بعد أن بدأ كلّ منها بقصة وحديث شيّق، تواصل فيه الناس مع بعضهم بفضل ولعهم وحبهم لكتاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...