شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السياسة الخارجية لمصر بين الهوى البوتيني والغرام بترامب 

السياسة الخارجية لمصر بين الهوى البوتيني والغرام بترامب 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 15 أبريل 201702:54 م
قبل ثورة 25 يناير، كانت الأوضاع السياسية الخارجية لمصر مستقرة إلى حد كبير. اعتمد الرئيس المخلوع حسني مبارك على دول الخليج كحلفاء اقتصاديين، وعلى الولايات المتحدة كحليف عسكري. ولكن عقب الثورة وإطاحة نظام مبارك، تبدلت خريطة علاقات مصر السياسية، بعد مواقف الدول الحلفاء من الحراكات الداخلية المصرية.

وكان أبرز مواقف دول الخليج متمثلاً في السعودية حينما وصف الملك عبد الله الثوار بـ"بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة"، متهماً إياهم بأنهم مُستغَلون "لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة".

بداية التخبط

حينما تولى الرئيس المعزول محمد مرسي السلطة عام 2012، وصلت العلاقات المصرية إلى أقوى مراحلها مع قطر التي دعمت اقتصاد مصر، بعد تراجع دعم الإمارات والكويت والسعودية، ولكن سرعان ما انهارت العلاقات، عقب ثورة 30 يونيو وعزم الدوحة على مساندة الإخوان، واعتبارها أن ما جرى "انقلاب عسكري"، الأمر الذي رفضته الخارجية المصرية، فاستدعت سفيرها في 2014 وردت الدوحة بالمثل.

النظام الذي انبثق في 3 يوليو 2013 أيده الكثيرون، أبرزهم: السعودية والكويت والإمارات وسوريا. ولكن الحليف العسكري الأول، أي الولايات المتحدة، كان له رأي آخر، حينما أخذ موقفاً معادياً لما حصل واعتبره انقلاباً للجيش على السلطة الشرعية، ما جعل العلاقات المصرية الأمريكية تشهد تخبطاً واضحاً. لم تصل الأمور حد القطيعة، ولكن تراجعت العلاقات وجُمّد إرسال بعض المعدات العسكرية، وجزء من مساعدات "المعونة".

وراح الإعلام المصري يهاجم أمريكا في هذه المرحلة معتبراً أنها "مدبرة المكائد ومريدة الخراب"، وتحدث البعض عن خطة للرئيس الأميركي حينذاك باراك أوباما لإقحام الجيش المصري بحرب أهلية للإطاحة بالسيسي، بل وتحدث آخرون عن مساندته للإخوان ولتنظيم داعش.

البحث عن بديل

عاد الحديث مرة أخرى عن العلاقات المصرية الروسية، ورغبة القاهرة في التقرّب من الدب الروسي كحليف عسكري بديل عن أميركا، لتتوَّج كل هذه الأحاديث والتكهنات بزيارة الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، إلى موسكو في 2014 حينما كان يشغل منصب وزير الدفاع. التقى السيسي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتفاوضا على صفقة أسلحة بقيمة ملياري دولار تعويضاً عن المساعدة من واشنطن، ليُعلن بعدها عن توقيع بعض الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، وتأكيد انفتاح القاهرة على الجميع في علاقاتها الخارجية. نائب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وقتها، ماري هارف، قالت، في الوقت الذي كان السيسي يزور روسيا، إن مصر حرة في إقامة علاقات مع أي جهة تريدها، وإن الولايات المتحدة لديها علاقات إستراتيجية قوية مع مصر.

حليفي المجهول

مفارقة قدمها الإعلامي الساخر، باسم يوسف، بعد الزيارة عبر برنامج "البرنامج"، الذي توقف بثه بأمر السلطات بعده. بطريقة كوميدية، عرض التناقض والتخبط في العلاقات المصرية الخارجية، وصراع الجانب الروسي والأميركي على محالفة مصر.
وبعد توطيد العلاقات بين القاهرة وموسكو، كان السؤال الأول وقتها: ماذا سيكون الموقف المصري من الحرب في سوريا؟ وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد في 2015 ترحيب مصر بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، ورغبتها القوية في مكافحة الإرهاب. لم تكن تصريحاته مفاجئة للجانب الروسي أو لمتابعي السياسة الخارجية، لتماشيها مع طبيعة العلاقات الإستراتيجية العائدة بين مصر وروسيا.

الخارجية الأميركية ردت على هذه التصريحات بحيرتها من حقيقة الموقف المصري، وما إذا كان يعبر عن تأييد استهداف تنظيم "داعش" أم تأييد ضرب المعارضة السورية المسلحة، على حد وصفها.

“لا يجوز للقائمين على سياسات مصر الخارجية ركوب حصانين ذاهبين في اتجاهين متعاكسين، وهذا ما تريد مصر فعله”
إلى من ستميل مصر إذا ما اضطرت للتوقف عن اللعب على الحبلين والاختيار: روسيا أم أمريكا؟

تصويت "مؤلم"

تأييد روسيا أتى على حساب الآخرين، بل على أقربهم، حينما صرح وزير الخارجية المصري في 2016، أن مصر تعتبر حديث السعودية عن قرار بالتدخل البري في سوريا "أمراً سيادياً منفرداً"، وأنه لا يأتي في إطار القوة الإسلامية المشتركة لمواجهة الإرهاب، ما أظهر تبايناً كبيراً في العلاقات المصرية السعودية.

بعدها بأشهر وفي مجلس الأمن، صوتت مصر لصالح مشروع قرار روسي بشأن الأزمة السورية، ليثير تصرفها انتقادات سعودية وقطرية. ووصف المندوب السعودي في الأمم المتحدة، عبد الله المُعلمي، التصويت بـ"المؤلم"، قائلاً: "كان مؤلماً أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي المصري".

وبعد يومين، أعلن المتحدث باسم وزارة البترول المصرية، حمدي عبد العزيز، أن شركة أرامكو السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول شفهياً بوقف إمدادات البترول دون إبداء أسباب، ما أدى إلى اشتعال الأزمة بين البلدين، تزامناً مع ذهاب المؤشرات إلى بطلان اتفاقية ترسيم الحدود التي أقرّت بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ووصل الأمر إلى التراشق الإعلامي.

فوز ترامب و"كيمياء" مع السيسي

عقب فوز دونالد ترامب بالرئاسة، أواخر 2016، سارع السيسي ليكون أول المهنئين باتصال هاتفي، معرباً له عن تطلعه لتعزيز علاقات التعاون، موجهاً له دعوة لزيارة مصر. أما ترامب، فقد أشار إلى أنه أول اتصال دولي يتلقاه للتهنئة، وأعرب عن تطلعه للقاء الرئيس السيسي قريباً.

التقى الجانبان على هامش الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، وتحدث ترامب عن دعمه الكامل لجهود مصر في مكافحة الإرهاب. وفي تصريحات لقناة فوكس التلفزيونية، أشاد ترامب بـ"الكيمياء" التي شعر بها مع السيسي أثناء لقائهما، وقال: "اجتماع مثمر جداً. إنه رجل رائع. اجتمعنا لوقت طويل، كانت توجد كيمياء جيدة". توِّجت تلك التصريحات حينما وجه ترامب للسيسي دعوة لزيارة أمريكا أول أبريل، وكانت الزيارة الأولى لرئيس مصري إلى واشنطن منذ 2009، وهناك أعلن ترامب مساندته للرئيس المصري، واستمرت الزيارة 6 أيام في محاولات لإنعاش العلاقات بين البلدين. أكد ترامب أن الولايات المتحدة تدعم مصر بشكل قوي، معلناً تقديم الدعم العسكري على أعلى مستوى وتأييد كل ما يقوم به السيسي، قائلاً: "لديك حليف وصديق في الولايات المتحدة الأمريكية"، ما جعل الإعلام المصري يبدّل رأيه ويبدي إعجابه بأمريكا ودعمها لمصر في مواجهة الإرهاب، بعد أن كان ينعتها بصناعته قبل سنوات.
أما في الناحية الاقتصادية، فقد أكدت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، سحر نصر، أن الجانب الأميركي يشيد بالإصلاح الاقتصادي في مصر، وأن ترامب أكد ضرورة زيادة الاستثمارات الأمريكية في مصر، باعتبارها سوقاً جاذباً للاستثمارات.

صفقة القرن

مصطلح "صفقة القرن" تردد بعد أن قال السيسي في زيارته إن السلام بين إسرائيل وفلسطين سيكون صفقة القرن، مضيفاً للرئيس الأميركي: "ستجدني بكل قوة ووضوح داعماً لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأنت تستطيع حلها سيد ترامب".

وأثناء الزيارة، وقعت مجزرة خان شيخون التي ذهب ضحيتها عشرات المدنيين، من بينهم أطفال. بدأ تبادل الاتهامات بين الأطراف السورية والدولية فخرجت موسكو لتؤكد أن طيران النظام السوري هو مصدر القصف. بعدها ردت البحرية الأميركية في أول عمل عسكري مباشر ضد الحكومة السورية باستهداف قاعدة "الشعيرات" بـ59 صاروخاً.

وتعهدت روسيا بتعزيز الدفاعات السورية المضادة للطائرات، منددة بالضربة الجوية الأمريكية، معلنة تعليق اتفاق مع القوات الأمريكية يهدف إلى تلافي الحوادث الجوية في الأجواء السورية.

ودعت الخارجية المصرية، في بيان لها، كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى "التحرك الفعال على أساس مقررات الشرعية الدولية، وما تتحلى به الدولتان من قدرات لاحتواء الصراع"، وضرورة تجنيب سوريا ومنطقة الشرق الأوسط مخاطر تصعيد الأزمة، الرد الذي علّق عليه البعض بأن مصر تعمل على "تشجيع اللعبة الحلوة".

بوتين أم ترامب؟

خالد علي، المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، قال إن سوريا مسرح للصراع الإقليمي والدولي بين "السفاحين والقتلة"، فلا تبرير لهذا أو تصفيق لذاك، مطالباً بتوحد السوريين للخروج من الأزمة الحالية.

السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إن الوضع ظاهر وليس سري، مشيراً إلى موقف مصر الملتبس في مجلس الأمن في ما يخص القضية السورية.

وأضاف مرزوق لرصيف22 أنه لا يجوز للقائمين على سياسات مصر الخارجية، ركوب حصانين ذاهبين في اتجاهين متعاكسين، وهذا ما تريد مصر فعله في تأييدها للنظام السوري من جهة وتأييدها للضربة الأميركية من جهة أخرى، كما أنها تريد التحالف مع روسيا وفي الوقت ذاته السعودية، لافتاً إلى أن ذلك غير موجود في السياسة، ولا بد أن يكون هناك موقف واضح لمصر، "أو لتصمت".

وأوضح مرزوق أن هناك ادعاء بوجود رؤية وإستراتيجية عميقة، والواقع أن هناك دولة عظمى تستبيح منطقة الشرق الأوسط بكل مَن فيها لصالح إسرائيل، أما إذا كان هناك موقف واضح لا بد أن توزع مصر هواها تجاهه، فستستسلم لحالة التبعية للولايات المتحدة، وإن أرادت السلطة توزيع هواها على الجانبين وأن تصبح "مصر التي رقصت على السلم"، ستخسر على كل الاتجاهات والمستويات.

أما ناجي الشهابي، سياسي مصري ورئيس حزب الجيل المؤيد، فأكد أن زيارة الرئيس السيسي لأميركا لم تفد مصر بشيء، ولكنها أزالت كل الاتهامات عن الجانب الأميركي في الجرائم التي ارتكبها بالشرق الأوسط وفي الاقتصاد المصري مؤخراً.

وقال الشهابي لرصيف22 إن مصر تعلق مصيرها ومواقفها في سياساتها الخارجية على عواصم خارجية، ما يجعلها لا تملك خطاً مستقلاً حقيقياً يحمي المصالح الحكومية للبلاد، مستنكراً تأييد روسيا في التدخل العسكري بسوريا، وفي الوقت ذاته العودة غير المبررة لأميركا وتأييد ضرب قاعدة الشعيرات، واصفاً بيان الخارجية المصرية بهذا الخصوص بـ"الميوعة".

وأشار إلى أن مصر لم تكن في حاجة ﻷمريكا بعدما وجدت في روسيا حليفاً ومنعشاً اقتصادياً، وبعدما نوّعت في العلاقات مع الصين والاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن مصر هواها سيميل إلى الجانب الروسي إن تحتم الأمر في الاختيار الصريح بعد تغير خريطة مصر السياسية في السنوات الماضية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image