تشهد الساحة الفلسطينية سلسلة من الصراعات الناعمة، والأحداث المثيرة، تتداخل فيها الأوراق وتتبدل الأدوار، ويُعاد رسم خارطة التحالفات بين مختلف الأطراف في الداخل والخارج، انتظاراً للحظة الحاسمة، لحظة غياب الرئيس محمود عباس (أبو مازن) عن المشهد السياسي واستيلاء خصمه اللدود وتلميذه السابق محمد دحلان على السلطة خلفاً له.
المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية "يوني بن مناحيم" رصد في سلسلة مقالات نشرها موقع "آراب إكسبورت" و موقع "نيوز 1” ملامح وتفاعلات هذا الصراع المتعدد الأبعاد الذي تلعب فيه مصر دوراً محورياً.
ملخص ما ذهب إليه "بن مناحيم" أن مصر السيسي تجهز دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني بقطاع غزة، لخلافة عباس بعد تصاعد خلافاته مع القاهرة، وذلك بتأييد كل من الإمارات العربية المتحدة، وحركة حماس ومنظومة الأمن الإسرائيلية، التي تسعى في النهاية للتخلص، وللمفارقة عبر دحلان، من حماس بقطاع غزة.
قبل تركيب البازل
وقبل تركيب "البازل"، ومحاولة استيعاب ما يعرضه "بن مناحيم"، المدير السابق لهيئة الإذاعة الإسرائيلية والمقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجب الإشارة إلى نقطتين رئيسيتين تسهلان فهم مجريات الأمور: الأولى: من هو دحلان؟ هو من مواليد خان يونس بقطاع غزة، قيادي بحركة فتح، أسس جهاز الأمن الوقائي السابق بالقطاع عام 1994، ومتهم بتعذيب وقتل العشرات من معارضي اتفاق أوسلو في ذلك الوقت من أبناء حركة حماس والجهاد الإسلامي. حصل على أعلى نسبة أصوات من مرشحي فتح في دائرة محافظة خان يونس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، ومع استيلاء حماس على السلطة في غزة عام 2007 واحتدام الصراع مع حركة فتح، فر دحلان إلى الضفة الغربية. في يونيو 2011 فُصل دحلان من حركة فتح إثر اتهامه من قبل الرئيس عباس بالفساد، ليستقر به المقام في الإمارات ويعمل مستشاراً أمنياً لحاكم أبو ظبي الأمير محمد بن زايد. الثانية: منذ استيلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الحكم في 3 يوليو 2013، يتخذ نظامه موقفاً شديد العدائية من حركة حماس بقطاع غزة، القريبة أيدولوجياً من جماعة "الإخوان المسلمين" عدوه اللدود. وساهم السيسي في تشديد الحصار على القطاع، عبر إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد للغزاويين نحو العالم الخارجي، وهدم أنفاق التهريب الحدودية، واتهم الحركة بالتعاون مع التنظيمات الجهادية بسيناء في استهداف جنود وضباط الجيش المصري، وهو ما تنفيه الحركة جملة وتفصيلاً.مبادرة السيسي... من هنا كانت البداية
ظلت العلاقات بين الرئيسين الفلسطيني والمصري جيدة نوعاً ما، حتى رفض محمود عباس مبادرة السيسي للسلام التي أطلقها في مايو 2016، وهو ما أغضب الرئيس المصري الذي حاول استغلال المبادرة في خطب ود الغرب والخروج من عزلته السياسية. يقول "بن مناحيم" في مقال نشره بتاريخ 31 يوليو 2016 بعنوان "توترات بين السلطة الفلسطينية ومصر" إن الرئيس الفلسطيني ليس متحمساً لدفع مبادرة السيسي للسلام مع إسرائيل، كونها تدعو لعقد مؤتمر إقليمي لإجراء مفاوضات مباشرة برعاية القاهرة، وليس مؤتمراً دولياً - كما تقضي المبادرة الفرنسية - من شأنه أن يفرض حلاً على إسرائيل ويجبرها على وضع جدول زمني والالتزام به لإنهاء المفاوضات والانسحاب لحدود 67. ويضيف أن مبادرة السيسي تعصف بالاستراتيجية التي يتبعها عباس لتدويل الصراع مع إسرائيل وجرها للمحافل الدولية وتشجيع دول العالم على مقاطعتها، وأن رفض عباس مبادرة السيسي وتمسكه بالمبادرة الفرنسية هما ما حالا دون عقد لقاء ثلاثي حتى الآن في القاهرة يجمع الرئيس المصري، محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. الغريب أن القاهرة رفضت - بحسب "بن مناحيم” - قبل ذلك بأسابيع قليلة طلباً تقدم به أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات باسم السلطة الفلسطينية لعقد مؤتمر للرباعية العربية (هيئة تابعة للجامعة العربية تضم كل من مصر والسعودية والبحرين والإمارات) بالقاهرة لبحث مسألة الاستيطان وتحديد جدول زمني لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يطالب بوقف بناء المستوطنات، وذلك اعتقاداً منها أن مثل هذا القرار يمكن أن يودي بمبادرة السيسي.التصالح مع دحلان
في السياق نفسه، خيمت أزمة جديدة على العلاقات بين القاهرة ورام الله، تمثلت في رفض الرئيس الفلسطيني وساطة مصرية للتصالح مع خصمه دحلان الذي تجهزه مصر لخلافة عباس، وهو ما يوضحه المحلل الإسرائيلي بالقول: "السيسي معني بأن يكون دحلان، الخصم اللدود لعباس والمفصول من حركة فتح هو الرئيس القادم. قبل بضعة شهور توجه الرئيس المصري بطلب لمحمود عباس للتصالح مع دحلان والسماح بعودته للأراضي الفلسطينية ولصفوف فتح، وقوبل مطلبه بمعارضة شديدة من عباس".لماذا دحلان؟
تعتقد مصر أن محمود عباس سوف يغادر المسرح السياسي في القريب، وتحرص على أن يكون خليفته مقبولاً لديها، لذلك يبقى دحلان المفضل لديها لارتباطه بعلاقات "ممتازة" مع الرئيس السيسي، فضلاً عن توسطه بين مصر وإثيوبيا في مسألة سد النهضة الذي من شأنه الإضرار بحصة مصر في نهر النيل. بحسب "بن مناحيم". ويرى المحلل الإسرائيلي أن عدداً آخر من الدول العربية، بينها السعودية والأردن والإمارات، مارست خلال الشهور الثلاثة الأخيرة ضغوطاً هائلة على الرئيس الفلسطيني لقبول المصالحة مع دحلان، مضيفاً في مقاله المنشور بتاريخ 4 سبتمبر 2016 بعنوان "رئيس السلطة الفلسطينية يتهرب من المصالحة مع دحلان": تعتبر هذه الدول أن محمد دحلان هو أكثر الشخصيات الفلسطينية الموجودة على الساحة بإمكانها الحيلولة دون تمدد حركة حماس في الضفة الغربية وإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من الناحية الأخرى". حاول عباس إقناع تلك الدول بأن الحديث لا يدور عن صراع شخصي مع دحلان، إنما أزمة عميقة بين الأخير وجميع القيادات بحركة فتح وهو ما نفاه "بن مناحيم" وقال إن قيادات كبيرة بالحركة مثل مروان البرغوثي المعتقل لدى إسرائيل وتوفيق تيراوي وهما عضوان في اللجنة المركزية لفتح يرتبطان بعلاقات ممتازة مع دحلان. وقال "بن مناحيم" في مقال نشره بتاريخ 16 أكتوبر 2016 بعنوان "مصر تساعد محمد دحلان" إن دحلان هو المستشار الشخصي لحاكم أبو ظبي ولديه أيضاً علاقات جيدة بوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، من خلال صديقهما المشترك المليونير اليهودي النمساوي مارتين شلاف المقيم في فيينا. لكن المصلحة المصرية لا تقل أهمية في كل ما يتعلق بقطاع غزة الذي تربطه بمصر حدود مشتركة، مضيفاً "يسعى السيسي إلى أن يتعاون رئيس السلطة الفلطسينية القادم معه بصورة كاملة في كل ما يتصل بقطاع غزة.السيسي يعاقب عباس ويكافئ دحلان
عرج الرئيس السابق لهيئة الإذاعة الإسرائيلية في المقال السابق على موافقة مصر على عقد مؤتمر لأنصار دحلان برعاية المخابرات المصرية في أكتوبر الماضي حول مسألة "وحدة حركة فتح"، بعنوان "مصر والقضية الفلسطينية" حضرته 130 شخصية فلسطينية، وذلك رغم إعلان القاهرة قبل ذلك استجابتها رسمياً لطلب محمود عباس بعدم السماح لدحلان بعقد مؤتمر على أرض مصر. وفي مقال بتاريخ 1 نوفمبر 2016 بعنوان "مصر تعزز مكانة دحلان" كشف الكاتب الإسرائيلي عن اتخاذ مصر سلسلة إجراءات لتخفيف الحصار على سكان قطاع غزة، وذلك بالتنسيق مع دحلان كي تعزو له الفضل في ذلك وتعزز من شعبيته هناك. وقال "بن مناحيم": يتمتع دحلان المولود في خان يونس بالقطاع، بقاعدة جماهيرية واسعة هناك. قبل أسبوع وافقت مصر على دخول زوجته جليلة للقطاع عبر معبر رفح لتوزيع أموال من الخليج على سكان غزة بعدما رفضت السلطة الفلسطينية إدخالها عن طريق معبر بيت حانون". وتابع: "يسعى المصريون للتخفيف على سكان القطاع، مع الإعلان عن أن هذا يأتي بفضل جهود دحلان، الذي سيزيد من رصيده، وليس من رصيد عباس". واعتبر أن دحلان المقيم حالياً في القاهرة لعب دوراً رئيسياً في إقناع السيسي ورجاله بتغيير موقفهم من الوضع بقطاع غزة، وصولاً إلى دراسة مصر بجدية فتح معبر رفح بشكل دائم بما في ذلك للأغراض التجارية، علاوة على إنشاء منطقة تجارة حرة على حدود رفح، يمكن أن تساعد مصر في ضخ الأموال لخزينتها. ونقل المحلل الإسرائيلي عن مصادر صحافية عربية أن نائبين برلمانيين عن حركة فتح، من مؤيدي دحلان شاركا في المؤتمر الأخير بمصر، هما من يتوليان تلقي طلبات خروج الطلاب من القطاع للدراسة في الخارج ونقلها لوزارة الداخلية التابعة لحماس. ورأى أن حماس معنية ربما بفتح معبر رفح لتخفيف الضغط الإنساني في أنحاء القطاع وتقليص الانتقادات الموجهة إليها في الشارع الغزاوي.حماس ودحلان
تحت عنوان "عدو عدوي صديقي" كتب "بن مناحيم" بتاريخ 5 نوفمبر 2016 يقول: "توصل محمد دحلان لسلسلة من التفاهمات مع نظام حماس بقطاع غزة. يدور الحديث عن منظومة مصالح تعمل حماس في إطارها على مناطحة محمود عباس والاستعانة بعلاقات دحلان بالنظام المصري". وتابع "قبل عشرة أيام التقى عباس في العاصمة القطرية الدوحة قائدين من قادة حماس خالد مشعل وإسماعيل هنية في محاولة لاستئناف محادثات السلام بين فتح وحماس. خلال اللقاء اشتكى عباس من مساعدة حماس دحلان في نشاطاته المضادة له في إطار معركة الخلافة على رئاسة السلطة الفلسطينية، وزعم أن حركة حماس سمحت لرجال دحلان بتنظيم تظاهرات ضده بالقطاع، وأطلقت من السجون الغزاوية سراح رجاله الذين اعتقلتهم أجهزتها الأمنية". اعترف الدكتور أحمد يوسف من قادة حماس بالقطاع قبل شهر تقريباً علانية بأن دحلان يحظى بشعبية جارفة بين سكان القطاع، وأن لديه علاقات إقليمية ودولية واسعة. الكراهية التي تكنها حركة فتح لدحلان كبيرة، لكن يبدي قادة الحركة تعاملاً براغماتياً تجاه الرجل، في ضوء التطورات في الضفة وغزة والمنطقة. وزاد المحلل الإسرائيلي: "يرتبط دحلان مرشح الدول العربية المعتدلة، مصر والأردن والسعودية والإمارات لخلافة عباس، بعلاقات وطيدة مع الرئيس المصري السيسي. لذلك حماس حريصة على استغلال علاقاته الجيدة مع مصر لتحقيق أهدافها، وكذلك استغلال الصراع العميق بين دحلان وعباس للهجوم على الأخير. يمكن وصف العلاقة بين دحلان وحماس بعبارة "عدو عدوي صديقي" فالأمر برمته يتعلق بالمصالح". وتضمنت التفاهمات العلنية بين الجانبين (تقول مصادر فتحاوية بغزة أن هناك تفاهمات سرية أخرى ستتضح بمرور الوقت)، إقناع دحلان القيادة المصرية بتخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع وفتح معبر رفح بشكل دائم، ويتوقع خلال الأيام المقبلة أن تعلن مصر فتح المعبر سبعة أيام شهرياً للأغراض الإنسانية. ويعمل دحلان على إطلاق سراح أربعة من ناشطي الجناح العسكري للحركة "كتائب عز الدين القسام"، اختفوا العام الماضي بسيناء بعد مرورهم رسمياً من معبر رفح، في المقابل أطلقت حماس في الأيام الأخيرة كبادرة لحسن النية تجاه دحلان زكي السكني عضو الجناح العسكري لفتح، "كتائب شهداء الأقصى". وسمحت حماس قبل نحو شهر للآلاف من أنصار دحلان بإقامة تظاهرة حاشدة بوسط مدينة غزة، تأييداً لمبادرة "الرباعية العربية" لتوحيد صفوف فتح والمصالحة بين دحلان وعباس. خلال التظاهرة أحرق عدد من المتظاهرين صور عباس. ولم تعارض حماس توسيع "جليلة" زوجة دحلان نشاطاتها الخيرية بقطاع غزة، إذا تترأس جمعية "فتا" الخيرية لتقديم المساعدات الإنسانية للطلاب والمحتاجين بالقطاع. ويقول مقربون من عباس إن جليلة تُستخدم كقناة لنقل الأموال لحماس بالقطاع، وهو ما تنفيه الحركة.المفاجأة
لكن الفقرات الأخيرة من مقال "بن مناحيم" تحمل ربما في طياتها سيناريو يمكن أن يكون مفاجئاً، ويعكس إن صحت التوقعات تشابك المصالح وتناقضاتها، وتقلباتها لمصلحة الطرف الأقوى. يقول:"لدى محمد دحلان علاقات وطيدة بوزير الدفاع أفيغدور ليبرمان عن طريق صديقهما المشترك المليونير مارتين شلاف. في حركة حماس متنبهون للتقارير الإسرائيلية حول إمكانية أن تكون إسرائيل معنية بالوصول إلى انهيار حكم حماس بالقطاع بواسطة دحلان. أما دحلان فينفي أي صلة بإسرائيل ويقول إن الحديث يدور عن أسافين إعلامية هدفها تشويه صورته، والوقيعة بينه وبين حماس، وإظهاره كعميل إسرائيلي". ويختم: "مع ذلك، لا يستبعدون في منظومة الأمن الإسرائيلية إمكانية أن تُسقط إسرائيل بعملية عسكرية واسعة نظام حماس بالقطاع، ويكون محمد دحلان هو الشخصية التي يمكن أن تتولى الحكم في غزة، في ضوء الشعبية الكبيرة التي يحظى بها هناك، ووقوفه عن كثب على كل مشاكلها".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...