لم يزل حكم محكمة الأمور المستعجلة المصرية بإسقاط حكم مجلس الدولة الذي قضى ببطلان التنازل عن "تيران وصنافير"، يثير الجدل في شأن دور المحكمة الرئيسي، خاصة أنها أصدرت أحكاماً سابقة أيقظت غضباً واستنكاراً في أوساط القانونيين والسياسيين.
وتساءل الكثيرون عن دورها الأصيل ومدى تسييسها لا سيما بعد أحداث الثورة المصرية التي ارتفعت معها وتيرة الصراعات بين العديد من التيارات والقوى الحاكمة أو ما يطلق عليها "الدولة العميقة".
أدوار رئيسية ومتعدّية
اختلفت كثيراً بعد الثورة المصرية الأدوار الرئيسية لمحكمة "الأمور المستعجلة" أو الوقتية، عن الأدوار السياسية التي لعبتها بعد الثورة.
طبقاً للقانون، فإن اختصاصها الأصيل هو الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، ويكون الفصل هنا فصلاً مؤقتاً لا يمس بأصل الحق أو النزاع الناشئ أمامها، وإنما يقتصر دورها على الحكم باتخاذ "إجراء وقتي" ملزم للطرفين فى وقت محدد يزول بزوال الخطر الذي يخشى تفاقمه إذا لم يحكم بوقفه، وذلك بقصد رئيسي هو المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صون مصالح الطرفين المتنازعين.
يقول قاضٍ سابق بالمحكمة، تحفظ على نشر اسمه خشية التعقب الأمني، أن القانون يُلزم لرفع الدعوى أمام المحكمة شرطين رئيسيين، أولهما شرط الاستعجال أو الخطر المحدق، والثاني أن يكون المطلوب "إجراءً وقتياً" ليس إلا، وليس مساساً بأصل الحق، أي أنها محكمة شكل لا محكمة موضوع.
ويضيف القاضي أن المحكمة لا تحكم بأي حال من الأحوال بحكم يفصل في النزاع، لكنه فى الأغلب يكون حكماً يثبت الشكل كما هو عليه، وكانت معظم القضايا المنظورة أمامها قبل الثورة في النزاعات التي تنشأ بين مستأجري العقارات الآيلة للسقوط وأصحاب هذه العقارات حتى يمكنهم حفظ حقوقهم بـ"إجراءات وقتية" تصدرها المحكمة لحفظ حقوق الطرفين.
ويتعجب القاضي فى حديثه لرصيف22 من نوعية القضايا التى رفعت أمام المحكمة بعد الثورة وهي غير مختصة بها أصلاً، وكان يجب أن تحكم فيها بعدم الاختصاص.
لكن الحال يقول إن أحكامها تتناقض في نفس الموضوع، فهناك دعاوى لحظر حركات سياسية رفضتها لعدم الاختصاص، فضلاً عن دعاوى أخرى مشابهة حكمت فيها بالحظر من دون وجود معيار لتحديد الاختصاص إلا تقدير القاضي.
ويشير القاضي إلى أن الاتهام المتزايد للمحكمة بالتسييس ربما له ما يبرره، لا سيما بعد الأحكام العديدة التي صدرت منها، وهي ليست من صلب اختصاصها، فضلاً عن إسناد أمور إليها ليست من طبيعة عملها، لكنها تصدر أحكاماً فيها، وهذا ما أوقعها فى شقاق كبير مع مجلس الدولة المصري، إذ قضت المحكمة أكثر من مرة بأحكام تناقض أحكام القضاء الإداري الصادرة في الشق الموضوعي، وليس الشكلي كما في حالة "المستعجلة".
ويوضح أن محكمة النقض أعلى محكمة مصرية قالت إن دور القاضي المستعجل هو أن "يتحسس المستندات" أي يحكم بالظاهر من الأوراق وليس له سلطة الفصل في موضوع النزاع، مشيراً إلى أن جميع الأحكام الصادرة منها تبدأ بعبارة "أنه بدا للمحكمة من ظاهر الاوراق..." ثم تسرد حكمها الذي يعتبر إجراءً وقتياً، لا ينازع حجية الحكم الموضوعي الصادر من مجلس الدولة بالطبع.
"تيران وصنافير" ليست الحالة الأولى… كيف تحولت محكمة "الأمور المستعجلة" إلى محكمة سياسية؟
أصدرت محكمة الأمور المستعجلة المصرية العديد من الأحكام خارج اختصاصها، اعتبرها القانونيون "أحكاماً مُسيسة"
هذا عن دورها القانوني، فماذا عن أحكامها؟
خلال أقل من عامين، أصدرت محكمة الأمور المستعجلة، أحكاماً قضائية بفرض الحراسة القضائية على 3 نقابات مهنية، هي نقابات الصيادلة والمهن التعليمية والتجارية، وتثير تلك الأحكام جدلاً كبيراً خاصة بعد النزاع العتيد مع مجلس الدولة فيما يتعلق بفرض الحراسة على نقابة الصيادلة.
أحكام متناقضة في الموضوع نفسه
أصدرت المحكمة العديد من الأحكام التي خرجت عن اختصاصها واعتبرها الباحثون القانونيون والمراقبون "أحكاماً مُسيسة".
سبتمبر 2015
قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعدم اختصاصها النظر في دعوى تطالب باعتبار دولتي قطر وتركيا، "داعمتين للإرهاب"، لما يمكن أن يمثله ذلك الحكم من شقاق مع الدولتين.
مايو 2015
- قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعدم اختصاصها النظر في الدعوى المستعجلة المطالبة بإدراج إسرائيل دولة إرهابية.
- قضت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، بحظر روابط الألتراس على مستوى الجمهورية، واعتبارها جماعة إرهابية تؤدى أعمالاً تخريبية من شأنها بث الفزع فى نفوس المواطنين.
إبريل 2014
قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بوقف وحظر أنشطة حركة "6 إبريل"، والتحفظ على مقارها في جميع محافظات الجمهورية.
أكتوبر 2014
قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بفرض الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة، وذلك في حكمها بالدعوى المقدمة من قبل أعضاء بالنقابة على نقيب الصيادلة مصر، لإهداره المال العام ولوجود أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بالمجلس.
أكتوبر 2015
قضت محكمة الأمور المستعجلة بحظر حركة "بداية"، والتحفظ على جميع ممتلكاتها، ومصادرة مقارّها داخل الأراضي المصرية، وهي الحركة التي انبثقت عن حركة 6 إبريل.
مارس 2017
قضت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، بعدم اختصاصها حظر حركة تمرد، وهي الحركة التي قادت التظاهرات في 30 يونيو.
وبالعودة إلى فرض الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة في أكتوبر 2014، أطلقت الشؤون القانونية للنقابة سجالاً واسعاً مع المحكمة وصل إلى 5 أحكام متواصلة بفرض الحراسة، جميعها لم تنفذ بشكل فعلي.
يوضح الأستاذ محمد عبد الحميد مدير الشؤون القانونية للنقابة لرصيف22 أن جميع دعاوى فرض الحراسة السابقة ليس فيها ما يؤيدها من أسباب لفرض الحراسة على نقابة الصيادلة، إذ إن القضاء الإداري أصدر حكماً موضوعياً في القضية، بعدم قانونية فرض الحراسة على أي نقابة مهنية، لكن الأمور المستعجلة ظلت تصدر أحكامها المتلاحقة واحداً تلو الآخر.
وأشار عبد الحميد إلى أن القضاء قد برأ ساحة مجلس النقابة من تهم إهدار أموال الصيادلة، موضحاً أن مقيمي تلك الدعوى رفعوها لأسباب سياسية فى المقام الأول، إذ قالت عريضة الدعوى إن أعضاء النقابة ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يمكن أن يكون صحيحاً أيام حكم الإخوان، لافتاً إلى أنه تم عقد انتخابات جديدة للنقابة، وعلى هذا الأساس لا يكون لهذه الأحكام أو الدعاوى محل من الإعراب، مستنكراً استمرار صدورها حينذاك.
وكانت محكمة الأمور المستعجلة قد قضت سابقاً 4 مرات، بفرض الحراسة القضائية على نقابة الصيادلة بدعوى وجود أعضاء بالمجلس تابعين لجماعة الإخوان، وهو ما تقدمت على إثره النقابة بدعوى استئنافية لإلغاء الحكم لخامس مرة، إلى أن جاء حكم القضاء الإداري بعدم قانونية فرض الحراسة على أي نقابة مهنية.
أحكام مخالفة لنصوص للدستور
قال أحمد حسام، الباحث بوحدة القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الأصل هو أن محكمة الأمور المستعجلة لها أدوار أخرى غير التي تثيرها بين الحين والآخر، وهو ما يتمثل في اختصاصها بمنازعات الحجز الإداري وفرض الحراسة وما إلى ذلك.
وأشار حسام إلى أن باحثين ومراقبين انتقدوا وجود المحكمة بالأساس، خاصة بعد إصدارها العديد من الأحكام غير المفهومة، بالرغم من أهمية اختصاصاتها الأصلية، ويرى أنها تطرقت إلى أمور سياسية حتى قبل الثورة المصرية، ويذكر منها إلغاء حكم منع الحرس الجامعي الشرطي من الوجود في الجامعة، وإحلال أمن إداري بدلاً منه.
وأكد أن المحكمة لها تاريخ صراعي مع مجلس الدولة، حتى قبل الثورة، مشيراً إلى أن أحكامها بفرض الحراسة على نقابات مهنية مثلاً لا يطابق القانون ويهدر الدستور، لا سيما مع وجود نص صريح فيه يمنعها من التعرض لأحكام المجلس، وهو نص المادة 190 الخاص باختصاص مجلس الدولة النظر في جميع المنازعات الإدارية، وحصر تلك الاختصاصات والطعن عليها أو التظلم منها أمام المجلس فقط وليس أي جهة أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا