بالتزامن مع الحديث عن الإفراج عن الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك (قبل حدوثه)، والأوضاع المعيشية المتأزمة والكساد التجاري في مصر، قرر محمد فهد، مدير محل "بولو" للملابس، أن يجذب الزبائن بطريقة تواكب الأحداث الجارية، فأعلن تخفيضات على أسعار بضائعه، رافعاً شعار "أسعار مبارك" و"أسعار زمان"، معتبراً أن المصريين يعيشون "عصر التحدي".
المحل يقع في شارع شواربي بوسط القاهرة، وهو من أشهر الشوارع التجارية التاريخية بالعاصمة المصرية.
إذا مررت أمام المحل فربما لا تجذب اللافتات انتباهك، لأنها ليست كبيرة، ولكن قد تلحظ زبوناً يضحك أو يشير إلى صاحبه على شيء في واجهة العرض، وحينها سترى لافتة "خلي الشعب يلبس".
العبارة قد يفسرها غير المصريين على أنها تخص الملابس، لكن الشباب المصري المعارض يستخدمها حين يتعرض الشعب لأزمات، بعد تأييده المطلق للحاكم وثقته العمياء به.
ضد الإرهاب ومع الإصلاح الجريء
عندما تدخل المحل، نلاحظ السخرية من الشعارات التي ترفعها الحكومة المصرية، وقد طوّعها البائع لمصلحة تجارته.
نرى لافتة كُتب عليها "هانشيل الوهم ونوصل الدعم"، وهو شعار استخدمته الحكومة في حملة إعلانية للترويج لقراراتها الخاصة بتخفيض الدعم الحكومي على الطاقة والمحروقات والسلع، والتي كانت ضمن أسباب ارتفاع الأسعار.
كذلك نجد لافتة "بالإصلاح الجريء نقصر الطريق"، وهذه عبارة استخدمتها الحكومة حين أعلنت قراراتها الخاصة بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، والتي أدت إلى تضاؤل قيمته أكثر من النصف، ما انعكس أيضاً على ارتفاع الأسعار أكثر من الضعف.
ولم ينسَ البائع استخدام عبارات مكافحة الإرهاب، وربطها بـ"الفصال" في الأسعار، الذي يقدم عليه الزبائن في محاولة للشراء بثمن أقل، فرفَع لافتة "لا للإرهاب، لا للفصال".
عندما نركب حافلة عامة أو نمشي في أي شارع، أو ندخل مصلحة حكومية، نجد لافتات من نوع "التدخين حرام شرعاً" أو غيرها من الفتاوي الدينية التي تخص أموراً حرمتها أو تحليلها في الدين الإسلامي موضع اختلاف، كحجاب المرأة أو الغناء، ولكنها تقدم للمجتمع بالصيغة المتشددة في الغالب. وعلى نفس النمط، علق محمد فهد لافتة مكتوب عليها "الفصال حرام شرعاً".
أسعار مبارك، خلي الشعب يلبس، هانشيل الوهم ونوصل الدعم... شعارات يستخدمها بائع مصري للترويج لبضاعته
لافتات تسخر من الشعارات التي ترفعها الحكومة المصرية وأسعار تنافسية... هكذا يجذب هذا البائع الزبائن إلى محله
تي شيرت بلون 25 يناير
إذا ما قررت أن تشتري أية قطعة ملابس من محل بولو ودخلت غرفة الملابس لتجربتها، فستجد بالداخل لافتة كُتب عليها "تي شيرت بولو + عيش وحرية وعدالة اجتماعية يساوي حياة سعيدة"، في إشارة إلى شعار ثورة 25 يناير الشهير.
الشعار الأخير يبدو مناقضاً لشعارات الحنين إلى زمن حسني مبارك وأسعاره، ولكن محمد فهد يقول لرصيف22، إنه لا يتعصب ضد أي سياسي أو له، ولكنه يستاء من غلاء المعيشة والظلم الذي يتعرض له الكثيرون، فهو مع أي شيء إيجابي في أي عهد من العهود، وكذلك ضد أي شيء سلبي في أي منها.
لدى وقوفنا أمام المحل قابلنا لمياء سعد، 50 عاماً، وتعمل موظفة حكومية. لفتت نظرها التخفيضات التي يقدمها المحل بمناسبة انتهاء موسم الشتاء، فقررت أن تشتري لابنها شيئاً.
أبدت لمياء ابتهاجاً من الشعارات المُعلقة، لكنها تخاف أن يتعرض صاحب المحل للاعتقال أو التنكيل به، قائلة: "الدنيا ملهاش أمان، وممكن لو خدوه ما حدش هايعرف مكانه بعد كدا، أو على الأقل يقفلوله المحل".
يؤكد فهد أن أجهزة الأمن لم تتعرض له قبل ذلك، مشيراً إلى أنه يعلم أن شعاراته مرتبطة بوجدان الناس وتجذب انتباههم بالسلب أو الإيجاب، كما أنها تثير الفكاهة في أوقات كثيرة.
يضيف: "هذه الشعارات نجحت في جذب الزبائن، الذين يضحكون ويتفرجون أكثر مما يشترون، لأن الحالة الاقتصادية عموماً أصبحت صعبة، فمن كان يشتري قبل ذلك قطعتين أو ثلاثاً، لا يشتري اليوم إلا قطعة، إذا قرر أن يشتري من الأساس"، موضحاً أن أسعار السوق كانت تعد مرتفعة منذ عامين إذا ما باع بها، وكانت لا تخطر ببال أحد في عهد حسني مبارك.
عبد الجواد هاشم، 42 عاماً، ويعمل موظفاً إدارياً بشركة مقاولات، أبدى استنكاره للافتات، معتبراً أن السخرية من الشعارات التي تستخدمها الدولة للترويج لخطة الإصلاح الاقتصادي، تعطل الدولة عن تنفيذ برامجها، ومشيراً إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب من الشعب أن يصبر حتى تؤتي تلك الخطط نتائجها.
ويتدخل فهد مؤكداً أنه رجل تجارة ولا علاقة له بالسياسة، وما يفهمه أن مبيعاته تراجعت، بفعل ارتفاع الأسعار الناتج عن جشع المنتجين أو كبار المستوردين أو الموزعين الذين يتمتعون بعلاقات جيدة مع غالبية المسؤولين، بالإضافة إلى القرارات الاقتصادية الأخيرة.
وشدد فهد على أن من حقه استخدام أي وسيلة للترويج لتجارته ما دامت الوسيلة قانونية.
المصريون يتنفسون السياسة
يرى الباحث الاجتماعي الدكتور نبيل عبد الفتاح أن كل واقع له شقه الساخر، والسخرية غالباً تأتي من المفارقة بين ما هو منطقي وما هو خرافي أو وهمي. والمصريون من أكثر الشعوب التي سخرت من واقعها بسبب ما يحمله هذا الواقع من مفارقات بين الكذب والصدق، أو بين الواقع والوهم.
“خلي الشعب يلبس” عبارة يفسرها غير المصريين على أنها تخص الملابس، لكن الشباب المصري يستخدمها حين يتعرض الشعب لأزمات، بعد تأييده المطلق للحاكم
وأوضح لرصيف22 أن ثورة 25 يناير جعلت المصريين يتذوقون السياسة أكثر من كرة القدم، فأصبحت مادة جيدة للنقاش والتسلية بين أغلب الطبقات ومختلف الاتجاهات، فنجد متاجر ومقاهي وبازارات لها أسماء سياسية بطعم الثورة.
كذلك أصبحت السياسة مادة هامة للسخرية وصناعة القفشات، بحسب عبد الفتاح، الذي قال: "المصريون ضمن أكثر 20 دولة استهلاكاً لمواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر المشاركات والتفاعلات عبر تلك المواقع تكون عن السياسة. وأثبتت بعض الدراسات أن المشاركات الساخرة من أكثر المواد رواجاً لدى المصريين، وهذه المشاركات جعلت من كل شعار وكل خطاب سياسي مادةً صالحة للتندر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين