قبل نحو عامين، كان رضا الغندور واحداً من ملايين المصريين الذين نزلوا مبكراً إلى مراكز الاقتراع في مختلف المحافظات المصرية، لانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة البلاد. حينها، شعر بقيمة صوته الذي ساهم في تنصيب "زعيم سيجعل مصر في مصاف دول العالم العظمى"، بحسب ما كان يعتقد، مثل كثر غيره.
رغم كل الآمال التي تعلقت بالسيسي، يشعر الغندور اليوم بخيبة الأمل، مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية في البلاد. وتتنامى مشاعر الإحباط في الشارع المصري، مع تلاشي الثقة الكاسحة التي منحها المواطنون للسيسي حين انتخب رئيساً للبلاد بـ96.91% من إجمالي المشاركين في عملية الاقتراع عام 2014.
ورغم غياب برنامج انتخابي يستند إلى خطة سياسية واقتصادية واضحة المعالم، اعتمد السيسي بصورة أساسية على الشعبية التي اكتسبها من عزل مرسي. واستطاع أن يلهم ملايين المصريين بلهجته الشديدة، بصفته قائداً عسكرياً صارماً وبطلاً مخلصاً، كما وعد الشعب بالاستقرار والخلاص من الفوضى.
في المحصلة، لم يتحسن الاقتصاد المصري منذ تولي السيسي مقاليد الحكم، وقُتل المئات من رجال الجيش والشرطة في هجمات بسيناء واغتيل النائب العام هشام بركات، كما وصل المتشددون إلى مهاجمة أقسام شرطة في القاهرة ومحافظات أخرى.
"انحدار من سيىء إلى أسوأ"
يعمل الغندور (48 عاماً) موظفاً حكومياً، ويسكن مع أسرته المكونة من زوجة و5 أبناء في شقة متواضعة في حي الوايلى في القاهرة، الذي يعد حياً شعبياً ذا كثافة سكانية عالية. يصف الغندور التغيير الذي طرأ على حياة أسرته، منذ تنصيب السيسي بأنه "انحدار من سيىء إلى أسوأ". كما تزايدت التحديات الاقتصادية العسيرة، وارتفعت أسعار السلع بالتزامن مع هبوط الجنيه المصري إلى مستوى لم يسبق له مثيل أمام العملة الأمريكية في السوق السوداء. ووصل التضخم إلى أعلى مستوياته في سبعة أعوام. وهبطت الاحتياطيات الأجنبية المصرية من 36 مليار دولار في 2011 إلى نحو 17.5 مليار في يونيو الماضي، وتكافح البلاد عزوف المستثمرين الأجانب والسياح المصدّرين الرئيسيين للعملة الصعبة، بجانب انخفاض إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج. "كنا بنحارب علشان لقمة العيش. دلوقتي، بنحلم بس نشتري الدوا ولبن الأطفال، والمرتّب مش مكفّي"، يقول الغندور، الذي لم يعد قادراً على شراء حليب الأطفال، بسبب راتبه المتدني، وارتفاع أسعار الحليب المستورد، فضلاً عن نفاد الحليب المدعوم حكومياً من السوق. وفي خطاب لا ينساه المصريون يوم إعلان انتخابه رئيساً للبلاد، وعد السيسي، مرتدياً نظارته الداكنة، المواطنين بتغيير ملموس في حياتهم المعيشية وظروف سياسية واقتصادية أفضل.السياسة المنتهجة تتطلب نبرة مختلفة في الخطاب
لطالما خاطب السيسي المصريين بأسلوبه المتفائل، وعباراته الوطنية، التي دغدغت مشاعرهم. وجعل عبارة "تحيا مصر" شعاراً رئيساً لحملته الرئاسية. لكن نبرته اختلفت في الشهور الأخيرة، وبات يحذّر شعبه من مستقبل اقتصادي أصعب. وفي إحدى مقولاته الشهيرة، قال السيسي إن الشعب "لم يجد من يرفق به أو يحنّ عليه"، وأشار إلى ضرورة الحفاظ على محدودي الدخل، وضمان عدم تأثرهم بالأوضاع الاقتصادية. مؤكداً على أهمية خفض الدعم، وهو إجراء قد يمس ملايين المصريين الذين يصارعون بالفعل المشاكل الاقتصادية.تصاعد حدّة الأزمات والسياحة "بح"
خلال السنوات الأخيرة، تلقت البلاد ضربات متلاحقة، أثّرت سلباً على قطاعات اقتصادية عدّة، أبرزها السياحة، وهي رافد مهم للاقتصاد المصري، يضم ملايين العاملين، ويشكل مورداً رئيسياً تعتمد عليه الدولة في توفير احتياجاتها من العملة الأجنبية. فسقطت طائرة ركاب روسية في سيناء في أكتوبر الماضي، وقتل جميع من كان على متنها، وعددهم 224. واختطفت طائرة مصرية أخرى في قبرص في مارس الماضي، وتحطمت طائرة تابعة لشركة مصر للطيران آتية من باريس، وقتل طالب إيطالي عكف على دراسة النقابات المهنية المصرية. لم يتم الكشف حتى الآن عن أسباب تلك الحوادث، رغم تشكيل لجان تحقيق رسمية، فدفع الاقتصاد المصري الثمن باهضاً. وبلغت إيرادات السياحة 500 مليون دولار فقط في الربع الأول من العام الجاري مسجلةً انخفاضاً من 1.5 مليار دولار مقارنةً مع الفترة نفسها من العام الماضي. ويتذكر رامي منير (36 عاماً)، الذي يعمل نادلاً في أحد المطاعم في شرم الشيخ، كيف كان المطعم يعج بالسائحين الأوروبيين والعرب، منذ نحو أربعة أعوام، قبل أن يصبح زبائنه من المصريين فقط، الذين يأتون بأعداد قليلة لا تكفي لتغطية تكاليفه. "خفضوا أجورنا بسبب قلة الزبائن، ولم نعد قادرين على تغطية التكاليف المعيشية الرئيسية، ولكن يبقى حالنا أفضل لأن هناك مطاعم أخرى أغلقت وسُرح العاملون منها"، يقول منير.سياسة التقشف لا تنطبق على الطائرات الخاصة
على الرغم من جميع الأحداث التي مرت، تمسك قطاع عريض من المصريين بتأييد السيسي، الذي لعب أكثر على مشاعرهم الوطنية، بعد قرار روسيا بتعليق رحلاتها الجوية إلى مصر في نوفمبر الماضي. وقال حينها: "مصر قد لا توفر القوت اليومي لمواطنيها، لكن هذا لا يهم، المهم أن تكون مصر آمنة". وأجاب السيسي عن سؤال لمراسلة قناة النهار الفضائية حول كيفية دعم السياحة: "مش هنلاقي ناكل.. إيه المشكله يعني! هنجوع... مش مهم"، وتابع، متوجهاً إلى المذيعة التي بدت موشكة على البكاء: "أنا مش عايزيكم تبقوا قلقانين كده"."استحملنا الفقر وكان عندنا أمل إن الراجل ده هيعمل حاجة. لكن ازاي أصدق تاني إنه وطني وخايف على البلد!”
أمثلة عن البلاوي التي حلّت على المصريين منذ تولي عبد الفتاح السيسي للرئاسة...وتداول المصريين بكثافة تلك العبارة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما ذكرت صحيفة "لا تريبون" الفرنسية أن شركة "داسو" الخاصة بصناعة الطائرات، وقعت عقوداً مع مصر، لبيع 4 طائرات خاصة من طراز "فالكون 7 إكس" للقاهرة بقيمة 300 مليون يورو. ويعتقد نشطاء أن هذه الطائرات سوف تستخدمها الرئاسة المصرية. وغرّد محمد واكد عبر تويتر: "قبل ما تخصخص البنوك وشركات البترول وترفع الدعم مش أولى تبيع كل طائرات الرئاسة الزيادة". وقال تامر ابراهيم: "السيسي ممكن يتصور مع الطيارات الجديدة ويقول أنا حبيت أشارك شعبي المطحون اللحظات الحلوة وما تنسوش تتبرعوا لمصر فيما سخر حساب بإسم علاء الدين على تويتر: "لو السيسي كان اداني 8000 يورو بس من تمن الطيارات الجديدة كنت هحبه فشخ والله
تخبّط في التصريحات على حساب الشعب
وأعلن السفير حسام قاويش، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن الحد الأدنى لسعر تذكرة مترو الأنفاق الجديد سيكون 1.5 جنيه. وسعى السيسي في مناسبات مختلفة إلى أن يترك انطباعاً لدى المواطنين بأنه واحد منهم ويعيش حياتهم. وتجول بدراجته الهوائية في القاهرة عدة مرات، لكن نشطاء يقولون إن الشوارع كانت حينها مؤمنة تماماً. ولحصول مصر على قرض مزمع من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، تحتاج الحكومة للالتزام بإصلاحات قد تزيد من غضب المواطنين، ومن المحتمل أن يتم خفض دعم الطاقة، ويجب أن تطبق مصر ضريبة القيمة المضافة. وأعلنت مصر بالفعل زيادة في أسعار شرائح الكهرباء، وهي جزء من خطة الحكومة لرفع الدعم نهائياً عن الكهرباء في غضون خمس سنوات بحسب تصريحات وزير الكهرباء، محمد شاكر خلال اجتماع للجنة الطاقة بمجلس النواب.تيران وصنافير
لطالما تحدثت مصر في عهد السيسي عن تعرض البلاد لمؤامرات دولية، تهدف للنيل من استقلال قرارها، وإفشال خططها القومية، لتجاوز أزمتها. وهي النظرية التي حاول النظام الحاكم ووسائل الإعلام الموالية له تكريسها في نفوس المواطنين، وبهذه الطريقة احتفظ بشعبية كبيرة، لكنها لم تدم طويلًا. في 7 أبريل الماضي، وصل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، في زيارة رسمية استغرقت خمسة أيام، غير أن إعلان مصر أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان في المياه الإقليمية للمملكة، وتوقيعها على اتفاقية ترسيم الحدود، أفاض الكيل لدى المصريين، فاهتزت صورة السيسي كزعيم شعبي يحارب لاستقلال بلاده. وهي الصورة التي استخدمها منذ توليه الحكم لكسب تأييد المواطنين وجعلهم أكثر صبراً على تردي الوضع المعيشي. هادي موسى، الذي يعمل نقاشاً في مدينة الاسكندرية، وانتخب السيسي لرئاسة البلاد، يقول إن أبناءه تعلموا في المدرسة بأن تيران وصنافير مصريتين. ويضيف: "المطلوب مني أقنعهم وأقولهم المدرسة خطأ والسيسي صح.. دي أرض مات عليها جنودنا"!. ويتابع موسى: "استحملنا الفقر والجوع وكان عندنا أمل إن الراجل ده هيعمل حاجة. لكن ازاي أصدق تاني إنه وطني وخايف على البلد بعد ما باع أرضنا؟". على أثر ذلك الإعلان، احتشد آلاف المحتجين الغاضبين في تظاهرة أطلقوا عليها "جمعة الأرض"، في 15 أبريل الماضي، وهو الاحتجاج الأكبر منذ تولي السيسي لمنصبه. ويقول سمير حافظ (24 عاماً)، وهو عاطل عن العمل: "الأول كان عندنا أمل... بنقول مهما حصل الخير قادم طالما عندنا زعيم وطني بيخوّف الأعداء، لكن دلوقتي إحنا اللي بنخاف منه على بلدنا". وفي قصر الاتحادية، ظهر الرئيس المصري غاضباً من تعليقات المواطنين حول القضية، وطالبهم بعدم التحدث حول الجزيرتين مجدداً. وقال خلال لقاء مع مجموعة من رجال الإعلام والسياسة: "إنتوا بتسيئوا لنفسكم.. أرجو محدش يتكلم في الموضوع دا تاني"، وأكد لهم أن مصر "لا تبيع أرضها لأحد ولا تقبل أخذ أرض من أحد". وخلال اللقاء، حرص السيسي على حضور وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي، لدحض تقارير تحدثت حول رفض الجيش لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية. ورغم تقبل قطاع من المصريين لنقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة، لكنهم استاؤوا من استشارة إسرائيل قبل عرض القضية على الشعب ومجلس النواب، فالجزيرتان تمثلان جزءاً من معاهدة السلام لعام 1979 مع إسرائيل. وحكم القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود، بعد دعوة قضائية، أقامها المحامي والناشط الحقوقي خالد علي، بينما واجه محامي الحكومة وابلاً من الهتافات المهينة خلال دخوله قاعة المحكمة. وأعلنت هيئة قضايا الدولة تقدّمها بطلب لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري، القاضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والذي تم بمقتضاها اعتبار جزيرتي تيران وصنافير سعوديتين."الجنسية مش للبيع"
تسعى الحكومة المصرية مع تصاعد التحديات الاقتصادية إلى إيجاد حلول سريعة لهبوط الجنيه المصري إلى مستوى لم يسبق له مثيل أمام الدولار، وغالباً ما تلقى هذه الحلول انتقادات من خبراء اقتصاديين، كونها خططاً غير مدروسة، وتؤدي لمزيد من التردي الاقتصادي. ويشهد الشارع المصري جدلاً واسعاً حول قانون منح الجنسية المصرية الذي تقدمه الحكومة مقابل ودائع تحدد قيمتها وزارة الداخلية. يقول أحمد فراج (28 عاماً)، وهو عاطل عن العمل: "لما دولة تبيع جنسيتها لأنها عايزة دولار، إعرف أننا تخطينا مرحلة الحضيض. احنا تحت الحضيض". وتعتبر أزمة القانون الذي تقترحه الحكومة، أنه يتيح للمستثمرين الحصول على الجنسية مقابل ودائع مالية، ووصفه المعترضون بأنه "بيع للجنسية". وتصدر هاشتاغ "الجنسية مش للبيع" مواقع التواصل الاجتماعي، فعبر المغردون عبر تويتر عن رفضهم شروط بيع الجنسية أو الإقامة للمستثمرين مقابل مبالغ بالدولار.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...