فرضت ظاهرة "ورش الكتابة الإبداعية" نفسها مؤخراً في الوسط الثقافي المصري، الذي يشهد اتجاهاً متزايداً من الأدباء والنقاد نحو إنشاء ورش لتعليم فنون الكتابة القصصية والروائية.
قاد عدد من الروائيين البارزين بضع ورش للكتابة الإبداعية. لكن الظاهرة التي تشكلت في الولايات المتحدة الأمريكية على يد الكاتب والأكاديمي جون شولتز، تثير جدلاً كبيراً والتباساً في ظل القناعة الراسخة في الثقافة العربية بأن الكتابة ما هي إلا عمل فردي يعتمد على الموهبة. هذه القناعة يعكسها إلى حد ما اتخاذ الشاعر عبد المنعم رمضان موقفاً معارضاً لفكرة ورش الكتابة، إذ يرى أنها بضاعة جديدة تروجها العولمة، ويروجها أيضاً التفاوت الطبقي في إشارة منه إلى الورش المدفوعة الأجر.التجارب الأولى
الروائي ياسر عبد اللطيف، كان في مقدّم مؤسسي ورش الكتابة الإبداعية في مصر، وذلك بالتعاون مع مكتبة "الكتب خان" التي تحمست للفكرة واحتضنت عدداً كبيراً من ورشه. يحكي عبد اللطيف لرصيف22 عن بدايات تجربته: "فكرتُ في موضوع ورش الكتابة الإبداعية لأول مرة عام 2005، وطرحت الموضوع على إحدى الجمعيات الثقافية بغرض أن تستضيف الورشة وتدعو لها. فوجدت أنّهم يفكرون في توظيف الفكرة للحصول على دعم من إحدى الجهات المانحة. ولم يكن ذلك قصدي مطلقاً. فانصرفت عنهم غير آسف".
جزء من الثقافة العربية
ويؤكد عبد اللطيف أن ورش الكتابة الإبداعية ليست طارئة على الثقافة العربية، بل متأصلة فيها، ويلفت إلى أنه في العصر العباسي كانت تُنظّم ورش للتدريب على الشعر والعروض، مستشهداً بما قاله الجاحظ مرة عن أحد الشعراء ممن كانوا يعلّمون الشعر في عصره: "إنه كالمِسن يشحذ ولا يقطع"، أي أنه يعلم الشعر أفضل مما يكتبه.
وردّاً على ما قاله الشاعر عبد المنعم رمضان يقول صاحب "قانون الوراثة": "لا أشعر بأن ما قاله الشاعر الكبير ينطبق على ما قدمته من ورشات". فعلى الرغم من أن الورشات أقيمت في مكتبة أنيقة في حي "المعادي" الراقي، فإنها كانت مجانية. "لم نتلقَّ أي مقابل سواء أنا أو المكتبة التي استضافتنا ونشرت الأعمال بعد ذلك"، أكّد عبد اللطيف وأضاف: "هذا لا يمنع من وجود نوع آخر من الورش الأدبية التي تقام بغرض تجاري وبرسوم باهظة وتدور في سياق ثقافة منظمات المجتمع المدني وهي إفراز حقيقي للعولمة".هزّ الثوابت الغيبية
بدأ الكاتب والروائي محمد عبد النبي يتحمس لفكرة ورش الكتابة الإبداعية بعد حضوره لأكثر من ورشة كمتدرب، سواء على فن الكتابة المسرحية الدرامية (في تونس، مسرح الحمرا) أو على الكتابة الأدبية (ورشة قصيرة بإشراف المورد الثقافي في البحرين). ثم أسس ورشة للكتابة القصصية بعنوان "الحكاية وما فيها" وعنها يقول: "عنت لي هذه التجربة الكثير إنسانيّاً وأدبيّاً. أهم ما تعلّمته منها هو أن الكتابة لعبة يجب ممارستها بمنتهى الجدية، وأننا يمكن أن نواصل التعلم بعضنا من بعض إلى ما لا نهاية، وأنه بالدأب والمحاولة والحماس يمكن لبعض المبتدئين إنتاج نصوص تستحق القراءة".
برأي عبد النبي: "يمكن تعليم بعض مبادئ الكتابة الأدبية كأي فن آخر مثل العزف على آلة موسيقية أو رقص الباليه، لكن هذا لا ينتج بالضرورة فناناً عظيماً أو كاتباً مهمّاً، ما لم تتوافر فيه الموهبة الكبيرة والشخصية الخاصة والشغف غير المحدود". ويتابع صاحب "رجوع الشيخ": "دور الورشة مساعدة الراغب في الكتابة على تقصير المسافات واختصار الوقت عن طريق جمع بعض الخبرات والمهارات من مصادر مختلفة وتقريبها منه، إضافة إلى تعريفه إلى مجموعة متنوعة من الأساليب والمدارس". ولكنه يؤكد أن "مهمتها ليست إنتاج كتّاب ناجحين، فهذه مسألة تعتمد بالأساس على مقدار موهبة الكاتب ومدى دأب الكاتب الجديد وصبره ومثابرته، وكذلك وعيه بالكتابة وبكل شيء حوله، وهو أمر لا يمكن لأي ورشة في الدنيا أن تصنعه وتبثه في كاتب". أما عن نتيجة الورشة التي نظمها فيقول: "بعض الخريجين استمروا في الكتابة وصدرت لهم أعمال، مثل سالي عادل وإسراء فيصل وسامية بكري. وأخيراً حصل محمد فاروق خريج أول دفعة على جائزة ساويرس للقصة القصيرة. ونحن الآن في الدفعة رقم ستة من الورشة". واللافت في الدفعة الأخيرة أنها إلكترونية وتتم "من خلال مجموعة مغلقة على فايسبوك، نلتقي فيها ونعمل من خلالها".ويرى عبد النبي أن تجربة الورش الأدبية عموماً تحقق نجاحاً لا بأس به في مصر والعالم العربي، إلى درجة دفعت إدارة جائزة البوكر لتنظيم ورشة أدبية سنوية على هامش الجائزة، ويشير إلى أنها "تهز الثوابت الغيبية القديمة حول الكتابة بوصفها وحياً وإلهاماً وكهنوتاً مقدساً يقتصر على كهنته، وتنقلها إلى مساحة مختلفة من التعليم والتعلم وتطوير التجربة وصقل التقنيات بطريقة منتظمة".
فن الرواية
عندما سافر الروائي والأكاديمي بهاء عبد المجيد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإعداد الدكتوراه، جذبه اهتمام الغرب بتعليم الكتابة وأصولها وفلسفتها حتى يتسنى للأديب أن ينطلق في عالم الكتابة على أساس علمي. وفور عودته إلى مصر حاول نقل التجربة إليها، خاصة حين لاحظ تردي مستوى الكتابة وعشوائية النشر وازدياد عدد دور النشر الخاصة التي "غرضها الربح وليس القيمة"، بحسب قوله.
"فن الرواية" كان عنوان الورشة الأولى التي أسسها عبد المجيد ويرى أنها حققت أهدافها إلى حد ما، فقد أسفرت عن ظهور عدد من المؤلفات للمتدربين، منهم سارة حجازي وشيماء مارية. ويؤكد "أن الورشة غير هادفة للربح ولكنها تساهم في إرساء قواعد فن الإبداع في وقتٍ تدهور التعليم والذوق العام". ويروي عبد المجيد أنه قضى أوقاتاً كثيرة يحاضر بدون أجر، ويضيف: "أقوم الآن بالإعداد لورشة ثانية في مركز البلد الثقافي، وتشمل فن كتابة الرواية وبناء الشخصية الروائية والحبكة وخلق الصراع الروائي، وكذلك مقدمة عن تاريخ الرواية، مع دراسة مقارنة عن الرواية العربية والغربية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...