قالها الفيلسوف الأميركي واين داير ليختصر الهمّ الذي يحمله الشخص منذ ولادته بإرضاء الآخر، حتى ولو على حساب صورته الذاتية، التي تذوب كل يوم أكثر فأكثر، مع كل تجربة إنسانية كان فيها مرغماً - بقرارٍ منه - على فعل أي شيء عكس قناعاته.
ألّا تأبهوا لما يقوله الآخرون أمرٌ صعب، فشريحة واسعة من المجتمعات العربية تتربى على كبت الذات لمصلحة الآخر منذ الصغر. من منكم لم يُجبر في طفولته على تقبيل جار لا يحبه أو الجلوس في حضن شخص من دون أن يسأله أحد عن رأيه؟ أمَا زلتم مرغمين على القيام بأمور فقط لإرضاء الآخرين؟ هل تعرفون أن لديكم الحق في منع الآخرين من فرض أفكارهم على حياتكم؟ هل تعرفون كيف؟
لا شك أن الآخرين حاضرون في غالبية قراراتكم وأفكاركم، وحتى عند التخطيط لأي خطوة المفروض أنها تعنيكم أنتم وحدكم. فإرضاؤهم أولوية. وكيف لا؟ أنتم بالطبع لا تريدونهم أن ينتقدوكم أو يحولوكم إلى محور نميمة، أو ربما أن يصل بهم الحدّ إلى مقاطعتكم كلّياً لأنكم بنظرهم فعلتم فعلاً مشيناً.
مراعاة الآخرين في اللبس والمظهر والتصرف والكلام والأكل، وحتى اختيار الشريك والمهنة. مراعاتهم في أتفه الأمور وأكثرها أهمية في حياتكم أمر صعب وشاق، يأخذ منكم كل طاقتكم حتى تشعروا بحال من الانفصام، بين ما تريدون وما أنتم مرغمون على فعله.
هل من الممكن تقوية مناعتكم ضدّ نظرة الآخر السلبية أم أن صورتكم الذاتية ستظلّ رهن حكمهم؟
ماذا لو كانوا محقّين؟
إليكم السيناريو المعتاد: تدخلون في جدال مع أحدهم حول موضوع ما. لباسكم الفاضح، تصرفات الشريك، أو حتى صورتكم على فيسبوك. تحاولون الدفاع عن خياركم بكل قوة وحماسة فيتأجج الحوار نتيجة رأي قبلتم سماعه وأنتم غير مضطرين. سرعان ما تخترق أفكارهم شخصكم فتوقظ فيكم التساؤلات والشكوك، عما إذا كان ما قمتم به صحيحاً أم خطأ، فيهتز رأيكم بنفسكم وتسألون: كيف تجرأوا على انتقادي؟ كيف سمحت لهم بذلك؟ لكن مهلاً. ماذا لو كانوا على حق؟ وتبدأ حينها رحلة الشك ومشاعر الخوف والذنب. تنتج عن تلك المشاعر حال من التناقض الداخلي بين رأيكم ورأيهم وخوفاً على صورتكم في عيونهم تعدلون عن تصرفكم وتفعلون ما يشاؤونه.هل التحرر من الآخرين يعني التصارع معهم؟
الإجابة أتت من أنريا ستيل، مدربة على التنمية البشرية في مقال أشارت فيه إلى أن مسألة الصورة الذاتية كما هو اسمها، ذاتية وليس لها أي صلة لا بالآخر ولا برأيه. ما يعني أن لا أحد مسؤول عن شعوركم بالرضا عن الذات أو العكس، وبالتالي لا أحد يمكنه منحكم ذلك. اعتبرت ستيل أن من شأن التأثيرات الخارجية على قرارات الشخص أن تشلّه تماماً وأن تأخذ منه "الأنا" لتحوّله إلى شخص هدفه الوحيد هو إرضاء الغير، ما يصبح واضحاً لهم بعد حين، فيشعرون اتجاهه بالشفقة وربما بعدم الاكتراث لأنه أصبح نسخة عنهم.الصورة الذاتية كما يشير اسمها هي ذاتية وليس لها أي صلة لا بالآخر ولا برأيه
صفّقوا لأنفسكم عندما تحقّقون أمراً ولا تنتظروا أن يصفّق لكم أحد، فأنتم أبطال حياتكم...لا يمكننا إرضاء الآخرين مهما فعلنا. ألا يجدر بنا أن نتوقف عن ذلك لنحصن أنفسنا من آراء الآخرين؟ إليكم 6 طرق ستساعدكم على تحصين أنفسكم ضد آراء الآخرين لتصبحوا أسياد قراركم وحياتكم.
1- تعرّفوا على أفكاركم
via GIPHY حين يطلب الآخرون منكم الاختيار وتجيبون بـ"لا أعرف" أو "لا فرق"، فأنتم تعطونهم مباشرة حق الاختيار عنكم. كونوا حاضرين ذهنياً ولا تخافوا القرار. إن لم تصبحوا على تواصل مباشر مع أفكاركم ورغباتكم، فمن السهل أن يأتي الآخر ويزرع فيكم أفكاره هو. ببساطة لأنه خائف وبحاجة إلى السيطرة وأنتم أرض خصبة لذلك. لا تكونوا مهيئين لذلك واختاروا، ففي الاختيار وجود وحرية حتى في أبسط الأشياء.2- تمرّنوا على كلمة "لا"
via GIPHY على الرغم من بساطة وسهولة لفظها إلا أن كلمة "لا" تبقى الأصعب قولاً لدى غالبية الأشخاص. لأن ثمنها باهظ. فيها تختبئ مشاعر الخوف من خسارة محبة الآخرين المقربين فيصبحون غير راضين عنكم إن واجهتموهم بـ"لا". لا شك أنكم مررتم بظروف كنتم تريدون قول "لا" ولم تقولوها. ولحقتم رغبات الآخرين على حسابكم. كلما مارستم فضيلة الرفض أصبح لشخصكم احترام ولوجودكم اعتبار أعلى.3- لا تبرّروا اختلافكم
via GIPHY كم هو ممل الاتفاق على كل شيء! أن تشعروا أنكم تكررون ما يقال لكم أو يطلب منكم أمر يقتل فيكم قدرة التفكير والخلق. لكنه أيضاً يؤثر سلباً على علاقتكم بالآخرين لأنهم لن يقدّروا وجودكم. لا تبدأوا جملكم بـ"عذراً" لدي رأي آخر، فذلك يمنح الآخر سلطة عليكم. أن تكونوا مختلفين في الرأي ضروري وبناء لكم وللمجتمع الذي تعيشون فيه.4- قدّروا جهدكم دون انتظار التصفيق
via GIPHY هل أنتم من الأشخاص الذين يفتقدون الثقة بالنفس لدرجة أنهم مهما ينجزون يظلّون في حال لوم وانتقاد للذات مستمر؟ لا فرق إن قمتم باختراع يقف له الكل أو خسرتم بضعة كيلوغرامات لطالما رغبتم بخسارتها. النتيجة واحدة. لن تشعروا بلذة فعلكم إن بحثتم عن التقدير من الخارج. لن يقدر جهدكم أحد إن لم تصفقوا لأنفسكم، بل سوف تشعرون بخيبة أمل دوماً لأن الآخر لن يستطيع إرضاءكم بالشكل الذي تريدونه.5- لا تكثروا التفكير
via GIPHY مارسوا التواصل مع الذات، فذلك سيساعدكم على التنبه عندما تدخلون في دوامة الشك في أفعالكم. إليكم مثالاً على ذلك: تقررون العدول عن زيارة شخص لسببٍ ما. فتبدأون بالتفكير: "ماذا إن غضب هو وأهله مني؟ ماذا إن فضلوا آخر علي؟ ماذا إن تكلموا عني بالسوء؟". ما إن تبدأ تساؤلاتكم بـ"هم" فذلك يعني أن حساباتكم أصبحت تدور حولهم. توقفوا عن ذلك فوراً واستبدلوا تلك الأسئلة بـ"أريد الاسترخاء ... لا أرغب بالذهاب... يحق لي أن أرفض أو أقبل...". لأنكم وحدكم تستطيعون جعل أنفسكم أولوية.6- تذكروا أن لكل شخص ذوقاً مختلفاً
via GIPHY ذلك يكفي ليقنعكم أن لا سبيل لإرضاء الآخرين مهما حاولتم. فأنتم مختلفون بالطبيعة والطبع، في وجهات النظر وطريقة التعبير عن المشاعر وتوقعاتكم تجاه الآخرين. هجوم الآخرين عليكم لا يعنيكم. واجهوهم بالضحك والهزل أو ربما بالتجاهل، تكونون قد تحصنتم بالطاقة الإيجابية ويكون الآخر قد فهم أن لا سلطة له عليكم. هذه حياتكم أنتم، لا تدعوا الآخرين يعيشونها مكانكم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...