شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سياسة

سياسة "إنتاج العدو" لبسط السيطرة... أردوغان نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 31 مارس 201702:16 م

"سنسدي إليكم أسوأ أنواع الخدمات، سنحرمكم من وجود عدو"، هي عبارة مأثورة أطلقها ألكسندر أرباتوف، المستشار الدبلوماسي للرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى الغرب عام 1989.

وسياسة إنتاج العدو أو "أصنع عدوك" ليست بالجديدة ولكنها دائماً قابلة للتحديث والابتكار. في السابق كانت تتلخص في صنع العدو الداخلي أو "الفزاعة" التي تكون حجة للقائد أو الزعيم لبسط سيطرته وتجاوز القانون والتغطية على فشله في العديد من الملفات، إلا أن هذه السياسة تطورت لتشمل "صنع العدو الخارجي".

مع بداية القرن الواحد والعشرين، صنع الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عدواً له هو "تنظيم القاعدة"، وصاغه في صورة "فزاعة دولية" يتصدى لها من خلال سياسة "محاربة الإرهاب"، والتي أحسن استغلالها في أفغانستان والعراق.

الصناعة التركية

"العدو يقدم خدمات كثيرة، فهو يعمل مهدئاً لقلقنا الذي لا بد أن نسكته بإيجاد عدو، ولو كان متخيلاً فقط... ويمكن لهذه الصناعة أن تكون مخرجاً بالنسبة إلى سلطة تواجه مصاعب على الصعيد الداخلي". كان هذا جزءاً من إجابة الكاتب الفرنسي بيار كونيسا في كتابه "صنع العدو" الإستراتيجي الذي يشرح فيه أسباب اختلاق الساسة لأعدائهم.

وها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحزب الحاكم في تركيا يلجآن إلى "سياسة إنتاج العدو" قبل كل معركة انتخابية أو استفتاء شعبي، بهدف كسب تأييد المواطنين بعد شحنهم وبث الخوف في قلوبهم من عدو وهمي.

وسياسة إنتاج العدو لا تحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت، فكل ما عليك فعله هو استفزاز الطرف الآخر وإلقاء الطعم له في طرف "الصنارة" حتى يبتلعه، وهو ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة "العدالة والتنمية" خلال الأزمة الأخيرة مع العديد من الدول الأوروبية، في مقدمتها هولندا وألمانيا.

العدو الهولندي

قبل موعد زيارته إلى هولندا في 11 مارس للمشاركة في مؤتمر دعائي ترويجي للتعديلات الدستورية المقرر الاستفتاء عليها في 16 أبريل المقبل، أطلق وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو تصريحاً قال فيه: "ليس هناك أي دولة يمكنها منع مشاركتنا في المؤتمرات الدعائية لديها"، مهدداً بفرض عقوبات على هولندا بحال حظرها مشاركته. وكان أن أصدرت الحكومة الهولندية قراراً قبيل موعد الزيارة بحظر هبوط طائرة جاويش أوغلو في مطاراتها لدواعٍ أمنية.

ومن ثم بدأت تركيا في التصعيد وإطلاق اتهامات وصفات النازية والفاشية ضد دول وزعماء أوروبيين، بالتزامن مع حظر دخول وزيرة الأسرة والعلاقات الاجتماعية التركية فاطمة بتول قارا إلى الأراضي الهولندية.

وتبعت ذلك موجة من التظاهرات المنددة بهولندا وأوروبا تخلل إحداها اقتحام أتراك لمقر القنصلية الهولندية في إسطنبول وإنزال العلم الهولندي واستبداله بالتركي في تحدٍّ سافر للأعراف الدبلوماسية.

ثم أتت سلسلة من حلقات الخلاف وتبادل التصريحات النارية بين الطرفين التركي والأوروبي، ليتحول الإعلام والرأي العام التركيين إلى وجهة الصراع الخارجي غافلين عن القضية الداخلية الأهم المطروحة على الساحة وهي الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

وهنا يطرح موقع "أوته تي في" تساؤلاً: "لماذا رفض أردوغان خلال توليه رئاسة الحكومة التركية عام 2004 زيارة الرئيس القبرصي (رئيس جمهورية شمال قبرص التركية) الراحل رؤوف دنكطاش إلى تركيا للترويج لشخصه وعقد مؤتمرات شعبية قبيل انتخابات 2005، بينما يريد منح نفسه وحكومته نفس الحق الذي سلبه من غيره. ووجه أردوغان إلى دنكطاش كلمات حادة آنذاك، قائلاً: "أنا مندهش للغاية. ما لك بتركيا؟ إذا كنت تريد عقد مؤتمرات فاعقدها في قبرص. وإذا كنت تريد الحديث في أي شأن فتحدث هناك وليس هنا".

بينما طرح موقع "سوزجو" تساؤلاً آخر حول إصرار تركيا على عقد مؤتمرات دعائية شعبية في دول أوروبا دون غيرها، فلماذا لا تتجرأ الحكومة التركية على طلب عقد مؤتمرات في الولايات المتحدة والدول العربية؟ علماً أن سادس أكبر جالية تركية توجد في السعودية بنحو 140 ألف شخص، كما أن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض يستحوذ على الأصوات الانتخابية في معظم الدول العربية خلال الجولات الماضية مثل الإمارات والبحرين وقطر وعمان والكويت.

يختلقون عدواً ويحولونه إلى فزاعة تسيطر على مخاوف الشعب، فيتحول انتباهه عن الأمور الأساسية. نموذج أردوغان

"هدية إلهية"

في اليوم التالي لمحاولة انقلاب 15 يوليو الفاشلة، وصف أردوغان الانقلاب بكونه "هدية من الله لتطهير القوات المسلحة". وبعد مرور نحو ثمانية أشهر يتضح أن أردوغان و"العدالة والتنمية" هما أكثر المستفيدين من الانقلاب، فقد اتخذاه ذريعة لإعلان حالة الطوارئ وتمديدها مرتين حتى اللحظة، واعتقال وتسريح عشرات الآلاف من مختلف أجهزة الدولة بدون محاكمات أحياناً، فضلاً عن صياغة تعديل دستوري وتقديمه للاستفتاء الشعبي بهدف نقل معظم الصلاحيات والسلطات إلى شخص الرئيس.

وعلق الكاتب التركي كرم تشليشكان، على مقولة أردوغان، متسائلاً: "حملات التطهير التي يجريها أردوغان لكافة خصومه ومنافسيه السياسيين بكثافة عقب الانقلاب هل تعد مناورة قومية أم مساعي للتحول بالبلاد إلى نظام إسلامي؟"، مؤكداً أن أردوغان استخدم الانقلاب لتحقيق أهدافه الشخصية وسحق أعدائه السياسيين مثل جماعة الخدمة والأكراد وغيرهما، ثم سارع إلى خوض حرب عسكرية داخل سوريا لإثارة الشعور الوطني الشعبي.

عدو "الخدمة"

حركة فتح الله غولن المسماة بحركة "الخدمة" هي خير مثال لسياسة صناعة العدو، واستغلاله "فزاعة" لمواجهة جميع الخصوم تحت مظلة تأييد شعبي تم شحنه معنوياً لمواجهة العدو الجديد، وهو عدو أطلق عليه أردوغان تسمية "الكيان الموازي".

[caption id="attachment_97479" align="alignnone" width="700"]مجسم رفع خلال تظاهرة في أنقرة، يظهر فتح الله غولن زعيم حركة الخدمة التي يتهمها أردوغان بأنها "كيان موازي"INSIDE_Turkey-Enemies-Gulna_AFP مجسم رفع خلال تظاهرة في أنقرة، يظهر فتح الله غولن زعيم حركة الخدمة التي يتهمها أردوغان بأنها "كيان موازي"[/caption]

وكان العداء بين الطرفين قد بدأ عام 2013 صراحةً، وتصاعدت حدته بعد أحداث قضية فساد 17 ديسمبر 2013، وهي القضية التي كشفت عن أكبر عملية فساد ورشوة في تاريخ تركيا الحديث، تورط فيها أبناء عدد من الوزراء والمسؤولين بالحكومة التركية، وكذلك بلال أردوغان نجل الرئيس. وصرح أردوغان آنذاك أن هذا الأمر مؤامرة ومحاولة انقلابية من "الكيان الموازي".

ولم يخلُ خطاب شعبي لأردوغان أو قيادات "العدالة والتنمية" منذ ذلك التاريخ حتى الآن من توجيه الاتهامات إلى غولن ووصفه تارة بالماسوني، وتارة بالعنكبوت، وتارة بعميل إسرائيل. وفي النهاية وجه إليه تهمة تدبير انقلاب 15 يوليو.

ونجحت سياسة صناعة العدو في إفلات الدولة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الماضية، وذلك بتوجيه أصابع الاتهام عن كل مشكلة إلى حركة الخدمة، مثلما حدث بعد محاولة الانقلاب الأخيرة وأزمة الدولار في ديسمبر الماضي.

حتى الحوادث والكوارث الطبيعية كان يتم تحميل مسؤوليتها إلى الحركة، إذ قال رئيس بلدية أنقرة وعضو الحزب الحاكم مليح كوتشك "إن حركة الخدمة افتعلت هزات أرضية صناعية للإضرار بالاقتصاد التركي".

دوافع "سياسة العدو"

دوافع سياسة صناعة أو إنتاج العدو تختلف وفقاً لكل دولة وزعيم ومناخ سياسي. وحول دوافع هذه السياسة بالنسبة لأردوغان، يرى إسحاق إينجي رئيس تحرير موقع "زمان عربي" أن السياسي الذي يحتاج إلى عدو هو من لا ينشغل بتقدم بلده صناعياً وتكنولوجيا، ولذلك يحتاج دائماً إلى صناعة العدو كوسيلة لإلهاء الرأي العام.

وأكد إينجي لرصيف22 "أن أردوغان عندما انفصل عن أستاذه المرحوم نجم الدين أربكان وعد بأنه سيأتي بالمعايير الأوروبية في الحريات والحقوق ولو لم يقبل الاتحاد الأوروبي تركيا عضواً فيه. إلا أنه بعد تمكنه من الحكم نسي وعوده وعاد بتركيا 50 عاماً إلى الوراء في الحريات فصارت كما كانت في عهد عصمت إينونو الذي منع المواطن التركي من أبسط حقوقه. وهناك أكثر من 100 صحافي وآلاف الأكاديميين المعتقلين لمجرد إبدائهم الرأي المخالف لسياساته".

وأضاف أن "تركيا تفقد كل يوم احترامها مع قيادة أردوغان وتنجر إلى مستقبل مجهول عبر ثقافة إنتاج العدو التي يتبناها أردوغان، وليس هناك أمل إلى أن يفيق الشعب التركي. فأي تدخل غير ديمقراطي سوف يؤثر سلباً على الجميع. ولذلك مَن يبحث عن التخلص من أردوغان عليه احترام الانتخابات والسبل الديمقراطية والعمل في إطار القانون".

مستقبل صناعة العدو

"أردوغان يستخدم آلية صناعة العدو بسلاحين، أحدهما السعي إلى التعبئة القومية، والآخر تفتيت أي قوة يشعر أنها قد تكون جداراً أمامه". هكذا بدأ يوسف بدر خبير شؤون الشرق الأوسط حديثه لرصيف22 حول مستقبل تركيا تحت مظلة سياسة صناعة العدو الأردوغانية.

وأضاف أن أردوغان على الرغم من ظهور جنون العظمة في شخصيته، وتحركه بفكر السلطان الأوحد، إلا أنه لا يهمل هندسة القانون، أي أنه يحرص على إيجاد تشريعات تحمي خططه تحت مظلة القانون بالتوازي مع تحركه الشعبي ومساعيه لفرض سيطرته، فلا يستطع أحد محاكمته أو تهديد عرشه بالقانون.

وأوضح بدر أن مستقبل تركيا في ظل استمرار انتهاج سياسة إنتاج العدو "مقلق"، إذ إن "أردوغان وصل إلى مرحلة لم تعد التعاملات معه إستراتيجية إلا في مساحات معينة، فمثلاً بدأ التحرك مع أوروبا بنظام براغماتي بحت فهددها بإغراقها بالمهاجرين حتى تلجأ إليه ويوسع مساحة نفوذه الخارجية".

وتابع: لا اعتقد أن أردوغان يستطيع حماية سياساته مستقبلياً، إذ إن المؤشرات الداخلية لا تبشر بتحقيقه صورة الإمبراطورية التي يرسمها أو الصورة التي يقدمها كأنه سيستطيع حماية تركيا لمئة عام مقبلة.

لجأ أردوغان إلى سلاح "صناعة العدو" وربطه بمفهوم "الافتخار القومي"، لإظهار أي قضية عداء على أنها نوع من القضية القومية والمصيرية وليست قضية شخصية، فنجح في تعبئة الإسلاميين والقوميين بخطاب شعبوي، فأردوغان يجيد الخطاب الشعبوي الذي يخترق طبقات المجتمع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image