شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً: أردوغان نموذجاً

من يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً: أردوغان نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 30 يونيو 201712:09 ص
"من يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً"، مقولة توارثناها وأدركنا صدقها التام، خصوصاً مع الشخصيات العامة والزعماء والساسة، الذين لا يتوارون عن إلقاء الخطابات وعقد المؤتمرات، لتمجيد سياساتهم أو تبرير قراراتهم وممارستهم. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو في عداد أبرز الشخصيات السياسية التي تميزت بكثرة الخطابات واللقاءات الصحافية خلال السنوات الأخيرة، وقد أبرزت أخطاءه وتناقضاته في العديد من القضايا الداخلية والخارجية.

"المُلقن" الرئاسي

يمتاز أردوغان في خطاباته الشعبية بطول مدتها، التي قد تصل أحياناً إلى ساعتين، وتنظيم أفكاره، وتعدد القضايا التي يتناولها، كأنه شخصية تمتلك مقومات الذكاء وسرعة البديهة والقدرة على حفظ الأرقام والتواريخ. لكن موقع "يرألبت"، كشف السر في ذلك، وهو "المُلقن الإلكتروني" الذي لجأ إليه أردوغان خلال السنوات الأخيرة، كالعديد من زعماء العالم. ورغم ظهور "الملقن الإلكتروني" في أكثر خطابات أردوغان، فإن ولعه في الارتجال أوقعه في الكثير من الأخطاء والتناقضات التي رصدتها وسائل الإعلام، وروجت له تحت شعارات "أكاذيب أردوغان" أو "أردوغان في مواجهة أردوغان".

أردوغان والشرق الأوسط

قال الرئيس التركي في خطاب في إسطنبول في 4 مارس 2006، متحدثاً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير والدور التركي فيه، إن "تركيا صاحبة دور مهم وكبير في الشرق الأوسط الكبير، هل تعلمون ما هو؟ صرنا جزءاً لا يتجزأ ممن أطلقوا فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع شمال أفريقيا". وفي لقاء تلفزيوني في 14 فبراير 2004، قال: "أنظر إلى تركيا الآن بكونها تختلف عما سبق في سياساتها الخارجية، خصوصاً دياربكر، في ظل المشروع الأمريكي المسمى الشرق الأوسط الكبير الراهن، أو الشرق الأوسط الواسع، وأرى أن دياربكر من الممكن أن تكون نجماً ساطعاً أو مركزاً لهذا المشروع". وفي أبريل 2013، رداً على سؤال أحد الصحافيين بشأن اتهامات المعارضة للحكومة بتورطها في مشروع الشرق الأوسط الكبير، والمشاركة في افتعال الاضطرابات الإقليمية الراهنة، قال أردوغان: "أود أن أقول شيئاً بكل وضوح وصراحة، إلى هؤلاء الذين يتجولون بأوراق تدعي أننا مشاركون في المشروع الأمريكي، إذا لديكم ما يثبت ذلك، فإننا مستعدون لأي شيء، أما إذا لم تثبتوا ذلك فأنتم منحطون وبلا شرف، هذا بكل وضوح". وذكر الصحافي التركي إبراهيم قابان، أن "إعادة الخلافة هو الهدف من سعي أردوغان لتدعيم مشروع الشرق الأوسط الكبير". وأوضح: "هذا المشروع يتلخص في تقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق مستقلة على أساس عرقي وديني ومذهبي، ما يعني أقصر وأسهل طريق لإعادة الخلافة، وعودة الحلم العثماني من جديد بقيادة أردوغان".

العلمانية والإسلام

رئيس تركيا، التي تعد دولة علمانية ووريثة الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، له أراء مختلفة ومتناقضة بشأن العلمانية والإسلام وعلاقتهما. قال أردوغان في خطاب ألقاه عام 1997 عندما كان يشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، في لقاء نقل على التلفزيون إن "99% من سكان هذه الدولة مسلمون. وبإمكانك أن تكون مسلماً أو علمانياً، ليس هناك مسلم وعلماني معاً. فإذا حاولت تقريب مجالين مغناطيسيين متنافرين، فمن المستحيل الجمع بينهما. وهذا هو الحال هنا، فلا يدعي أحد أنه مسلم، ويقول إنه علماني. هذا غير ممكن، لماذا؟ لأن الله خلق المسلمين، وهو صاحب السلطة المطلقة. أما من يدعي أن السلطة للشعب، فهو كاذب، كاذب كبير".
كثرة خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أظهرت تناقضاته في قضايا كثيرة... بالفيديو والأمثلة
وخلال زيارته الأخيرة إلى مصر في 12 سبتمبر 2011، عقب ثورة 25 يناير، دعا أردوغان في حوار تلفزيوني الشعب المصري إلى وضع دستور علماني بديلاً عن الدستور الذي أسقطته الثورة، قائلاً: "في هذه الفترة الانتقالية وما بعدها، أؤكد أن الشعب المصري سيقيم مسألة الديمقراطية جيداً. وسيدرك أن العلمانية لا تعنىي اللادينية، بل تعني احترام كل الأديان، وضمان حرية كل فرد في ممارسة دينه، يجب أن يدرك ذلك جيداً. وأدعو القائمين على وضع الدستور في مصر مراعاة ذلك ومنح كل فرد حقه في ممارسة دينه، وضمان حريته الدينية. والوقوف على مسافة متساوية من جميع الأديان". واستكمالاً لجولته في دول الربيع العربي، توجه إلى تونس، وتطرق إلى قضية العلمانية في حوار صحافي، قائلاً "مفهوم العلمانية لدينا ليس كما هو لدى الأمم الغربية، لدينا الشخص لا يكون علمانياً لكن الدولة من الممكن أن تكون علمانية. فالمسلم يستطيع أن يحكم دولة علمانية بنجاح. وعلينا أن نعي أن الدولة العلمانية تقف بمسافة متساوية من كل الأديان، ونحن نعي ذلك ونؤمن به".

حرية الإنترنت

تتعرض حرية استخدام الانترنت في تركيا إلى الكثير من الانتهاكات، خصوصاً عقب انتخابات البلدية في مارس 2014، التي تبعها العديد من الشكوك حول مدى تزوير الحكومة نتائجها آنذاك. فتم توقيف بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وأعيدت بعد بضعة أسابيع من حظرها، وتكرر المشهد بعد ذلك. وحول حرية الإنترنت، قال أردوغان في فبراير 2014: "بعض وسائل الإعلام تقول إن الحكومة تحظر الإنترنت أو تضع القيود على استخدامه، أقول لهم أنتم كاذبون جهلاء. أتقولون إن الدولة التي تمتلك نحو 30 ألف وسيلة إعلام ونشر، تحظر الإنترنت... العالم في كل مكان سيضحك عليكم". وفي مارس من العام نفسه، خلال إلقائه خطاباً شعبياً في ظل مناخ انتخابات البلدية، قال "سنغلق كل هذه المواقع، ولا يعنيني اعتراض المجتمع الدولي أو غيره، لا طائل لهذه الأمة من بعض المواقع الإلكترونية مثل فايسبوك وتويتر وغيرهما، وسنتخذ جميع الإجراءات بما فيها الحظر إزاء أي موقع متجاوز".

حرية القضاء

شهدت تركيا كذلك خلال السنوات الأخيرة الكثير من الصراعات بين مؤسسة القضاء والحكومة، تخللها إقالة وإعفاء المئات من القضاة وأفراد النيابات العامة، بتهمة الانتماء إلى تنظيم سري داخل الدولة، في إشارة إلى حركة "الخدمة"، وجماعة فتح الله غولن. في فبراير 2010، قال أردوغان خلال مشاركته في إحدى جلسات البرلمان: "بالطبع نحن غير راضين عن كل الأحكام القضائية، ونرى بعضها ضد مصالح الشعب والدولة، لكن لا يمكن لحكومة العدالة والتنمية أو الدولة أن تحارب القضاء أو تتخذ موقف العداء منه. فإذا تدخلنا في كل حكم قضائي لم يرضنا وحاولنا إعاقته فكيف سنتلافى أضرار ذلك في ما بعد. إذا لم نثق نحن في قضائنا وندعمه، فعلينا ألا ننتظر ذلك من الآخرين". وخلال حوار تلفزيوني في مارس 2014، قال: "القضاء لم يعد يصدر قرارات عادلة وأصبح لا يرمز للعدالة، هم في الأصل عصابة. يشترط على القضاء تطبيق النظام، ولكن قراراته خلال الفترة الأخيرة تفقدنا الثقة به".

رفيق الأمس عدو اليوم

وتحولت العلاقة الحميمة بين أردوغان وفتح الله غولن فجأة إلى العداوة، منذ بداية تظاهرات "جيزي بارك" في ميدان تقسيم في إسطنبول مايو 2013. ووجه أردوغان إلى غولن الكثير من الاتهامات، أهمها: تشكيل كيان موازٍ داخل الدولة، ومحاولة قيادة انقلاب عسكري ضده، ووصفه بالماسوني تارة والعنكبوت تارة أخرى بعد أن كان يصفه بالرفيق. وأطلق في 14 يونيو 2012، دعوة أمام عشرات الآلاف، خلال الحفل الختامي لأولمبياد اللغة التركية في إسطنبول، التي تُنظمها حركة الخدمة، إلى غولن، المقيم في المنفى الاختياري، يطالبه بالعودة إلى وطنه وقطع الغربة. وقال: "إخوتي. الغربة مؤلمة. وثمنها غالٍ، وكلفتها عالية جداً. نريد أن نرى بيننا الذين يتألمون في هذه الغربة شوقاً للوطن. والغربة تعني الوحدة، ومنها تستمد معناها. ونحن لا نتحمل وحدة المغتربين. لذلك نقول إنه لا بد أن تنتهي هذه الغربة، نريد أن تنتهي". وهي الدعوة التي رفضها آنذاك غولن بسبب "عدم تهيئة المناخ الراهن في تركيا لعودته". وفي 22 يوليو الماضي، خلال أحد الخطابات الشعبية، أكد أردوغان أن غولن هو المتهم الأول في عملية الانقلاب العسكري الأخيرة. وقال: "هنا لا يوجد عبيد، ولكن العبيد هناك في بنسلفانيا. هذا النوع ليس له حدود في تحقير هذه الأمة دون خجل أو ملل. وجاء الرد اللازم القوي من شعبي لهؤلاء الذين لا يخجلون ولا يحترمون أحداً".

"النظام الرئاسي"

فكرة التحول بحكم تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي عبر تغيير مواد الدستور والدعوة إلى استفتاء شعبي، راودت أردوغان كثيراً خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع اعتلائه كرسي الرئاسة في أغسطس 2014، وهناك عدة فيديوهات له تؤكد تناقض حديثه في هذا الشأن، ما اعتبره البعض "كذباً". ومن المعتاد أن ينسى أردوغان موقفه أو يغير رأيه من قضية النظام الرئاسي خلال تصريحات متباعدة. في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه في يونيو 2011، سأله المحاور: "النظام الرئاسي يرقد في قلبك؟!"، فرد أردوغان: "إنه في قلبي (يراودني)، ولكن ليس لدي ما أفعله، فالأمر وفق إرادة الشعب". وبعد دقائق في اللقاء نفسه، حاول المحاور توجيه بعض الرسائل الواردة من المشاهدين إليه، قائلاً: "الرئيس تحدث بوضوح، هذا هو العنوان الرئيسي للرسالة. النظام الرئاسي في قلبي. في قلبي"، وقبل الانتهاء من قراءة الرسالة قاطعه أردوغان: "لم أقل شيئاً كهذا". رد عليه المحاور، "قلت هذا، لنعيد شريط الحلقة"، وكرر أردوغان: "لم أقل شيئاً كهذا. لم أقل إن النظام الرئاسي في قلبي". فقال المحاور لفريق الإعداد: "سليمان جهز الشريط"، وتبعه أردوغان: "هيا بسرعة لتعيد الشريط".

"مافي مرمره"

قضية سفينة "مافي مرمره" وحادثة الاعتداء عليها في مايو 2010، قبيل سواحل غزة على يد القوات الإسرائيلية، كانتا دليلاً على اختلاف وتناقض موقف أردوغان حيال القضية نفسها. فاجأ أردوغان في يونيو الماضي الشعب التركي والعربي بموقفه المغاير من سفينة المساعدات "مافي مرمره" ومنظمي هذه الحملة، التي انطلقت من تركيا متجهة إلى غزة لكسر الحصار الإسرائيلي. فأكد أردوغان في 17 يوليو 2014 أنه منح الإذن المسبق للمنظمة التركية التي أعدت سفينة مافي مرمره وانطلقت بها إلى غزة. وقال: "الإشكالية نفسها مع رجل بنسلفانيا، ماذا يقول؟ كان عليهم أن يأخذوا إذن من السلطة. سلطة من؟ هل السلطة التي في الجنوب التي يحبها (إسرائيل)، أم نحن؟ إذا كان يقصد السلطة التركية، فنحن منحناهم إذناً. لكنه يقصد إسرائيل". وبعد انتقاد مسؤولي هيئة الإغاثة التركية لأردوغان، عقب توقيعه اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في يونيو الماضي، قال أردوغان، في خطاب ألقاه في 29 يونيو الماضي: "هل استأذنتم رئيس الوزراء آنذاك قبل إرسال المساعدات الإنسانية من تركيا؟ نحن في الأساس ساعدنا غزة وفلسطين، ولا نزال نساعد بالسبل الدبلوماسية". يبدو أن أردوغان تناسى أن أسطولاً بحرياً مثل أسطول الحرية، الذي كانت سفينة "مافي مرمره" إحدى قطعه، لا يمكن أن يغادر موانئ تركيا وعلى متنه شخصيات أجنبية ومعدات وكميات كبيرة من المساعدات، من دون علم الحكومة التركية، التي كان يترأسها آنذاك أردوغان. كما تناسى أنه حرص على تقديم العزاء لأسرة أحد قتلى مافي مرمره وتلاوة القرآن في منزله.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image