مرّت كتابات النساء حول الجنس والجسد والمرأة في مصر بثلات مراحل خلال المائة عام الماضية. فمن عدم ملامسة جسد المرأة بالكلمات من خلال غياب أي مصطلح يخص أعضاءها الأنثوية، دخلت مرحلة التمرد على النظرة الذكورية التي وضعت المرأة المصرية في صراع على الجسد.
وبعدها تطورت اللغة التي خاطبت بها النساء القارئ، وأصبحت الكتابة الإيروتيكية واضحة، وظهرت روايات تشي بشيء من حق المرأة في تقرير مصيرها الجنسي، وإن مثلتها كتابات تعتبر قليلة.
ظهرت هذه الكتابات كسراً للقيود المفروضة على المرأة في الحديث عن القضايا الجنسية في المجتمع، فتخطت النساء الخطوط الحمراء التي وضعت لهن.
كيف حدّد الكبت والحرية حياة النساء الجنسية في الأدب؟
"المرأة والجنس" لنوال السعداوي
كتبت نوال السعداوي بوصفها طبيبة عما تشهده في العيادة الخاصة بها. في كتاب المرأة والجنس الصادر عن دار ومطابع المستقبل عام 1990 طبعة رابعة، تسرد السعداوي قصصاً عن سيطرة التفكير في غشاء البكارة على الرجال.
لم تخل كتابة السعداوي من ربط ثقافة المجتمع في تلك الفترة، حول الصراع على جسد الفتيات، المتمثل في غشاء البكارة، وتحديد مصير الزواج وفقاً لهذا الصراع.
"جاءت إلى عيادتي فتاة ريفية في السادسة عشر حيلة يخيل إلى من ينظر إليها أنها طفلة، وتصورت أن ضمور جسمها من سوء التغذية وما إن نظرت إليها وجدتها شاحبة. اعتقد زوجها أنها حامل في الشهر السابع وحينما سألتها عن الحيض، قالت لم أر في حياتي دم الحيض. فحصتها وقلت لزوجها الفتاة ما تزال عذراء بسبب غشاء البكارة السميك". واستكملت السرد: "قرأت مرة عن حادثة قتل تشبه هذه الحالة ولكن الطبيب الشرعي شرح الجثة وأعلن أن كبر بطن الفتاة لم يكن بسبب الحمل بل بسبب تجمع دم الحيض وسمك غشاء البكارة".
يرى الباحث في الرواية النسوية والناقد الأدبي محمد سمير عبدالسلام، أن السعداوي تجمع في الكتاب بين النظرة الإنسانية التكاملية للمريض، وتهتم بالنفس وعادات المجتمع وتقاليده، بهدف تصحيح بعض المفاهيم بصورة عقلانية علمية إحصائية مثل مفهوم العذرية، ومفهوم البكارة".
"لهو الأبالسة" لسهير المصادفة
تتحدث سهير المصادفة في روايتها عن مها السويفي العائدة من موسكو، والتي تعيش مع أختها نجوى في قرية "حوض الجاموس". تواجه السيدتان صراعاً على الجسد، فزوج مها يريد الزواج بأخرى، أما نجوى فتدخل في رفضها للرجال.
تحمل نجوى سراً لا تبوح به لأحد غير أختها عن عزوفها عن الزواج، فتحكي عن طلاقها منذ اليوم الأول نتيجة عدم سقوط غشاء البكارة، وهو تقليد مصري يحدد شرف الفتاة ومصير حياتها الزوجية. القرية التي تحكي عنها سهير المصادفة كانت تقع فوق صفيح ساخن. ففي ركن آخر، الشباب منشغلين بتوقيف بطة لتكون ثمن ممارسة الجنس مع امرأة.
يقول عبدالسلام إن وقع الجسد في رواية لهو الأبالسة لسهير المصادفة في حالة من التحولات السحرية، فهو المتحكم في مسار الشخصيات، وقامت المصادفة بإقحام الجسد بنزعة من الإبداع والشاعرية والتي شكلت أخيلة الشخصيات في الرواية.
"تهمة نشر الفجور"
لم تكن رواية "لهو الأبالسة" للروائية والقائمة بأعمال مدير عام النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، سهير المصادفة جنسية، لكنها حكت عن الصراع على جسد المرأة في مصر. رغم هذا أثارت الرواية ضجة، حتى بعد صدور الطبعة الثانية بخمس سنوات. إذ قدم النائب حمدي حسن زهران صاحب المرجعية الإسلامية والعضو السابق لجماعة الإخوان المسلمين طلب إحاطة إلى رئيس مجلس الشعب عام 2010، طالب فيه بمصادرة الرواية، بدعوى أنها تنشر الفجور والرذيلة في المجتمع.
"إني أحدثك لترى" لمنى البرنس
تلتقي عين، الباحثة الاجتماعية، بعلي، وهو شاب مغربي الجنسية يعمل في جامعة الدول العربية بالقاهرة. يتبادلان الحب ويقرران العيش معاً دون زواج، وتتصادم فكرة عين عن الحب برغبة علي في الزواج، فتتوتر علاقتهما.
خلال رحلاتها البحثية تقابل عين رجالاً تشاركهم جسدها، ولكن في كل مرة تشعر أنها افتقدت جزءاً من روحها. وفي إحدى رحلاتها الاستكشافية في جنوب سيناء، تقابل رجلاً يدعى أبوللو "الكروسيكي" وتدخل معه في علاقة جسدية فيعرض عليها الزواج. تتمزق صورة عين أمام نفسها، ويتزوج علي في النهاية من امرأة لا تشاركه الاهتمامات.
نسجت منى البرنس في رواية "إني أحدثك لترى" الصادرة عن دار ميريت في القاهرة 2008 حكاية أشخاص تمزقت علاقتهم بين الحب والجسد، ووصفت في خطوة جديدة وجريئة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
مهدت البرنس لمحتوى الرواية في افتتاحية الكتاب قائلةً "رحلة بحث عن خلاص ما من خلال الانتقال الفعلي من مكان إلى آخر، ولا بأس ببعض من السياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والإيروتيكا".
"الحجاب وغشاء البكارة" لمنى الطحاوي
استهلت الطحاوي في بداية كتابها "الحجاب وغشاء البكارة، لماذا الشرق الأوسط يحتاج إلى ثورة جنسية؟" الصادر عام 2015 باللغتين الإنجليزية والألمانية، برواية "بعيداً عن المئذنة" للقاصة أليفة رفعت (كاتبة مصرية صدرت لها 3 مجموعات قصصية ورواية) إذ تحكي رفعت "عن امرأة لا تستمتع بممارسة الجنس مع زوجها الذي يركز على استمتاعه هو وترى شبكة عنكبوتية معلقة في السقف تسرح فيها وتفكر في تنظيفها".
التقطت الطحاوي الخيط من يد أليفة وبدأت في نسج الحكاية، فانتقلت من سؤال "لماذا يكرهوننا؟" إلى سرد مشاهد واقعية حدثت للنساء في الثورة المصرية، بادئة بكشوف العذرية (أجري الكشف الطبي على عذرية المعارضات للحكم العسكري في مصر في 9 مارس عام 2011)، وبعدها انتقلت كيلومترات إلى السعودية، لتقص حكاية امرأة تم اغتصابها من عدة رجال وعوقبت المرأة بالجلد وترك الرجال.
تنتقل الطحاوي ببساطة وبخفة ليست بحجم ثقل الكلمة والفعل إلى "الكراهية"، كراهية جسد المرأة المتمثل في قطع جزء من جسم الفتاة في ما يعرف بالختان، وعبرت عن رغبة الرجال في حجب النساء عموماً وحجب أفكارها وأعضائها الأنثوية برمزية الحجاب، ثم وصلت إلى استنتاج أن الرجال يكرهون المرأة ويريدون كسرها عن طريق فرض الحجاب وفض غشاء البكارة.
"لعنة الرغبة" لتغريد إحسان
"مرت الساعات التي أعقبت العُرس حتى طلوع الفجر كالكابوس، وانتهى الأمر حينما جذبني من شعري، واقترب وجهه من وجهي أكثر وهو يقول أنتِ مش بنت... لم أصدق ما أسمعه! حدث كل هذا لمجرد انحباس قطرات الدم في جسدي".
كان هذا جزءاً من رواية لعنة الرغبة، التي تصف معاناة الفتيات مع التقاليد من عنف يمارس عليهن إذا لم تنزف عند تمزق غشاء البكارة في اليوم الأول من الزواج.
تتمسك الفتاة العشرينية تغريد أحمد إحسان بتسطير حياة غالبية النساء في المجتمع المصري، واغتصاب الحقوق الجنسية تحت إطار الزواج. وتناقش الاعتداء الجنسي الذي تتعرض له الفتيات في الشوارع والسجون، من خلال روايتها "لعنة الرغبة"، الصادرة عن دار الفؤاد، بلغة بسيطة، لا تحتمل التأويل، إلا أنها أرادت أن تخاطب العقل لا الغريزة، ومناقشة القضايا بشكل أكثر جدية.
تولت إحسان جمع معلومات عن شخصيات الرواية من خلال مواقف عاصرتها البطلات، وتقول إنها عايشت الفتيات اللواتي كن يعانين في الرواية من خلال الحديث معهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
"ممرات للفقد" لهويدا صالح
تعيش بطلة الرواية سيطرة الآخرين على جسدها في كل مرحلة من حياتها، ففي الطفولة تكسر رغبتها في ركوب الدراجة لخوف والدها من تمزق غشاء البكارة، وعندما تكبر قليلاً تجبر على فصل جزء من جسدها في عملية الختان. تنتقل البطلة إلى مرحلة أخرى وتكتشف أنها تعاني من ورم حميد فيتم استئصال الرحم. في كل مرحلة تدخل البطلة في ممرات ضيقة وتفقد جزء من جسدها. رواية ممرات للفقد للروائية هويدا صالح والصادرة عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) بالتعاون مع نادي جزان الأدبي بالسعودية لسنة 2015 هي محاولة للتعبير عن الانكسار الذي شهدته شخصية الفتاة المصرية.
علقت صالح على روايتها قائلة: "حاولت الحفاظ على اللغة حتى تكون لغة فنية تناسب القارئ ولا تحتوي على ألفاظ خادشة، فيمكن الاحتفاظ بها في المنزل دون خوف".
وأضافت: "لازم نكتب كتابة جسد بحُرية شديدة مع المحافظة على اللغة والمحتوى الذي يقدمه الكاتب للقارئ، وتوظيف الجسد بفنية وليس لمجرد لفت الأنظار، فذاكرة الكتابة تحتفظ بالأعمال الفنية".
وتابعت "يجب على الكاتب ألا يقحم اللغة في العمل إلا بشكل فني أو كلام صريح عن الأعضاء، والمحاسبة تتم بشكل فني وليس بشكل أخلاقي، فممنوع محاسبة عملي بشكل أخلاقي، أو مصادرته".
"على فراش فرويد" لنهلة كرم
"أوصلني حديثي معه إلى الفراش"، هكذا بدأت مريم حديثها مع صديقتها نورا عن علاقتها بإلهامي، الذي تمارس معه علاقة عبر الهاتف. أما نورا فتبوح أكثر من أيّ امرأة بذكرياتها. في الصف الثالث الإعدادي تشعر بألم الحيض وتخبر والدتها، فتتهامس والدتها وخالتها على ضرورة إخبارها أن ما حدث له هو الحيض.
تأخذكم نهلة كرم كاتبة رواية "على فراش فرويد" التي صدرت عن دار الثقافة الجديدة عام 2015 إلى العلاقات الجسدية بين الحب والشهوة، وانعكاس التربية وتقييد الأهل للحياة الجنسية للفتيات. فمنهن من دخلت في علاقات مع عدة رجال، ومنهن من لجأت إلى العادة السرية، ومنهن من قامت بكتابة قصائد جنسية، تخجل أن يراها أحد، كما فعلت نورا.
أن تكوني كاتبة عن الجنس والمرأة
قبول آلاء أحمد الكسباني، 24 عاماً، كاتبة مقالات وناشطة نسوية مصرية، للكتابة الجنسية عن المرأة، يتوقف على تناول الرواية الجنسية لقضايا المرأة، وما يمد للنساء يد العون. "مثل الحديث عن القضايا التي تشهدها المرأة المصرية". تقول: "رفضي للأدب الإيروتيكي هو وجهة نظري كقارئة وكاتبة، ولكن أتفق مع منظور الكتابة عن قضايا المرأة الجنسية". وتعلق الكسباني على رفض المجتمع لكتابات المرأة المصرية عن الحياة الجنسية من المنظور النسوي: "حقوق المرأة في المجتمع الشرقي حكر على الرجل فهو يحتكر حق التمتع الجنسي، ويحرم المرأة منه. هكذا الحال في الأدب الإيروتيكي، الرجل يحتكر لنفسه الحق في الحديث عنه، أما المرأة فإذا تحدثت عنه فأقل ما توصف به أنها عاهرة". وتضيف: "المجتمع لا يقبل بحديث الرجل أو المرأة عن الحياة الجنسية، ولا توجد امرأة مصرية تضمن الحياة الجنسية المجحفة للمرأة في رواية، لأن هذا لن يكون مقبولاً من وجهة نظر المجتمع، بما أن ثقافته لا تسمح بمعرفة المرأة الجنسية ويعتبرها جريمة". كتابات الكسباني تميزت بالجرأة وتناولت جميع حقوق المرأة في كل المجالات ومنها الحقوق الجنسية. وهذا ما هوجمت عليه من قبل المنتقدين، فهي ترى أنها تطالب بجزء من الحقوق الجنسية للمرأة ولا يتعلق هذا بالكتابات الجنسية. تقول "واجهت هجوماً عنيفاً على كتاباتي". وتقول: "إني أطالب بحقي في علاقة سوية ليس فيها اغتصاب ولا إجبار، الهجوم كان شرساً ومؤذياً ووصل إلى الخوض في الشرف والأخلاق".الكتابة عن الحياة الجنسية للمرأة خلال 100 عام
هل قدمت النساء روايات عن الحياة الجنسية خلال 100 عام؟ من 1900 إلى 2003 حسب بحث أجراه محمد سمير عبدالسلام عن الروايات النسائية بجامعة المنيا، "الإيروتيكية لم تكن هدفاً أو غاية في الروايات التي تناولتها الدراسة في تلك الفترة". تناولت الدراسة الرواية النسوية من المنظور الأكاديمي للبحث العلمي المرتبط بالجامعة، وبحث عبدالسلام من خلال منظوري الأنيما والأنيموس لجاستون باشلار. من خلال هذين المنظورين لم تكن هناك كتابات واضحة عن الحياة الجنسية للنساء في مصر خلال المائة عام الماضية. يقول: "لطيفة الزيات هي أول من دعت للتمرد ولكن ليس في الجسد المقصود لذاته ولكنه تمرد على الأبوية والمجتمع وكان الجسد في سياقه ولم يذكر بمفرده، بعدها بدأت النساء في البحث عن تشكيل الشخصية الأنثوية، وامتزجت إشكالية الغريزة في كتابات المرأة بالبنى الثقافية والنفسية". تقول هويدا صالح: "توجد كتابات قليلة جداً تمثل ظاهرة محدودة، فالمرأة مقيدة في الوطن العربي بالقيود الداخلية النفسية وبهجوم المجتمع. حتى بعض الكاتبات المتحررات اللواتي يعشن في أوروبا صدرت عنهن كتابة واحدة فقط عن الحياة الجنسية، لأن الكاتبة العربية لا تكرس حياتها لهذا النوع من الكتابة كمشروع، هناك قيود داخلية تجعلها لا تبوح".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...