شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
فلسفة العرب في اختيار أسماء أطفالهم

فلسفة العرب في اختيار أسماء أطفالهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 مارس 201705:40 م

يمثل اختيار اسم المولود أمراً شديد الأهمية للأسرة والعائلة، إلا أنه أحياناً يسبب صراعاً وربما أزمة بسبب تمسك أحد الأبوين أو الأجداد باسم معين.

ومنذ القدم كان للعرب فلسفة مميزة عكست أهمية اختيار اسم المولود وانقسمت بين أفكار ومعتقدات وطقوس كثير منها لا يزال يترك أثراً حتى اليوم.

يرى مسعود شومان، الشاعر والباحث بالتراث المصري ورئيس تحرير سلسلة الدراسات الشعبية، أن تسمية المواليد في مصر والعالم العربي بشكل عام تخضع لعدة آليات ثابتة، هي آلية البشرى، وآلية النفور، وآلية درء الحسد، وآلية التبرك، فهم يظنون أن بعض الأسماء يجلب الخير والبعض الآخر يدرأ الشر، وهذا أمر شديد الأهمية ولا يمر مرور الكرام.

الرؤية والمناداة والشموع في مصر

هناك عدة "إجراءات شعبية" يتخذها الأفراد لاختيار اسم المولود في مصر أهمها الرؤية، إذ يرى الأب أو الأم شخصاً بملابس بيضاء يبشرهم بمولود ويمنحه اسماً، ويلتزم الأهل بهذا الاسم خوفاً من تعرض الطفل للموت أو المرض في حال مخالفته، يوضح شومان.

ويتابع: "المناداة من الطقوس التي يؤمن بها الكثيرون، فعندما ينادي شخص على آخر لحظة الميلاد، فهذا في ظنهم رسالة واجبة الانصياع، في حين يلجأ البعض في الريف لإشعال سبع شمعات أو ثلاثة أباريق من الشمع، ويطلقون على كل واحدة اسماً ويكون اسم الصغير على اسم الشمعة التي تنطفئ أخيراً، ويعتبرون ذلك بشارة على طول العمر والصحة".

إطلاق اسم أحد الأجداد أو شخص ميت في العائلة من التقاليد المتبعة في مصر، ويقدم البعض على ذلك لإطالة عمر المتوفّى ومنحه امتداداً بالحياة.

كما تظهر سيطرة النزعة الدينية بالنسبة للمسلمين والمسيحيين في التسمية على أسماء المشايخ والقديسين، أردف شومان.

وأوضح حمد شعيب، المتخصص بالتراث البدوي، أنه عندما يولد الطفل في البادية يفتح الجد للأب، أو للأم في حال وفاة الآخر، المصحف عشوائياً ويختار أول كلمة تقع عليها عيناه اسماً للصغير قد تكون مريم أو آية، أو يوسف أو ياسين أو غير ذلك.

الطقس في ليبيا

weatherweather

أحمد بركوس، الخبير في التراث الليبي، يوضح أن أسماء المواليد في الماضي كانت ترتبط بالطقس بشكل كبير وخاصة عند أهل البادية. فكانوا يسمون: غيث، عجاج، مطر، برق، وبعضها مأخوذ من الطبيعة مثل: نجمة، قمرة.

واستخدمت أسماء الشهور القمرية في التسمية: رجب، شعبان، ورمضان للمذكر، وعاشوراء أو ميلودة للطفلة، وفي ذلك دلالة على تأثير الطقس في جميع أنشطة الحياة بل في مزاج الأشخاص.

الفلسفة الغريبة العجيبة في اختيار أسماء المواليد... ما هي قصة اسمك؟
قد يكون اسمك على اسم جدك، أو تحسم قرعة أو رؤية في منام خيار اسمك… وقد تحمل ببساطة اسم بطل مسلسل تركي

أسماء تجلب الخير وأخرى تمنع الشر

وأضاف بركوس: "التفاؤل والتشاؤم كانا لهما أثر مهم في اختيار أسماء الكثير من المواليد. يسمى الطفل الذي يولد ليلة الجمعة أو الاثنين "محمد" تبركاً بالنبي محمد لأن هذه الأيام كانت المفضلة لديه. كما أطلق الأهالي أسماء مثل: يحيى، ناجي، معتوق، خير الله، أم الخير، مسعود، جاد الله، تفاؤلاً وطمعاً في أن تمنح المولود حظاً أفضل في الحياة".

أما شعيب فيوضح: "يتحايل البعض على صعوبة الحياة فيسمون مواليدهم أسماءً تدل على الفرح وتجلب البهجة والخير منها فرحات، راضي، حكيم، باهية، غزالة، أم الخير، كما تطلق بعض الأسماء درءاً للسوء في حال المواليد الذين يجيئون للعالم في مناسبات غير سعيدة كحبس أحد المقربين أو وفاة أو مرض خطير، أو منعاً لتكرار خلفة البنات فيقال حبس، بزادة، ملينا، سدينا.

ويسيطر التشاؤم عند اختيار الأسماء في مدينة عامودا السورية الكردية، بحسب فيان حسو، مديرة تنفيذية لشبكة آسو الإخبارية ومسؤولة قسم السوشيال ميديا والنشر، فتقول: "هناك من يمنع بعض الأسماء العادية جداً، إذا تكررت وفيات الأطفال الذين حملوها. فنجد عائلة "حنى" بالمنطقة ذاتها لا يسمون "أحمد" في الأجيال الثلاثة الأخيرة للسبب ذاته، كما يتشاءمون من تسمية الطفل باسم آخر متوفى، حتى لا يجلب له المرض والموت ظناً بأن "الميت لا يقبل إعطاء اسمه".

اليمن: سنوات للاختيار

تؤكد هيفاء طاهر، طالبة في السنة الأخيرة علم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن تسمية المواليد ليست أمراً هيناً باليمن، فقد يتطلب الأمر عاماً وربما أعواماً حتى يصبح للمولود اسم، وغالباً يضطر الأهل لذلك عند التحاق الطفل بالمدرسة.

وتضيف: "الطبيعي أن يسمى الطفل في يوم مولده وغالباً ما يسمى حسب رؤية لأحد الأبوين أو المقربين، وتؤخذ الرؤية على محمل الجدية، ويتخوف الأهل من عدم تنفيذها، إذ تعتبر رسالة إلهية.

وتشير طاهر إلى أن الطفل قد يسمى اقتداءاً بشخص ذي جاه أو "ولي" في المنطقة، أو اقتداءاً بالأجداد لتجسيد البر والطاعة، لكن لا يسمى الطفل على اسم شخص متوفّى تشاؤماً من أن ينال المصير ذاته.

لا يختلف الحال كثيراً في العراق، ولكن يقول عبد الرحمن عباس، الذي يعمل بمجال المونتاج والإخراج التلفزيوني، إن اختيار اسم المولود أمر مهم في العراق، لذا "في حالات عديدة نجد الأسرة تبقي على اسم بالهوية، غالباً ما يكون اسم أحد المقربين ممن استشهدوا أو فجعت بهم العائلة، وتنادي الطفل باسم آخر شائع ومتداول، وبذا يصبح له اسمان".

ويردف عباس قائلاً: "الثابت أن يتم الاختيار في العراق من أسماء الرسول وآل البيت، أو أحد الرموز الدينية والتاريخية بالمنطقة، وفي حين يلجأ البعض للاختيار من المصحف الشريف، تضطر قلة لإجراء القرعة للمفاضلة بين الأسماء إذا كان كل طرف متمسكاً باختياره".

القرعة تحسم الجدل في تونس وسوريا

Syrian-Baby_Oxfam-International_FlickrSyrian-Baby_Oxfam-International_Flickr

جميلة بن عون، المتخصصة بعلم الاجتماع، تلفت إلى أن "اختيار اسم المولود أمر مدروس غالباً في تونس، وتتفق عليه الأسرة وربما تأخذ باقتراح شخص ما، فكثيراً ما يسمى الصغير على اسم أحد الأجداد".

وتشير بن عون إلى أن العائلة التونسية قد تعتمد على "القرعة" لإرضاء كافة الأطراف، فيختار كل فرد اسماً ويكتبه في ورقة ويقوم أصغر أفراد العائلة بالاختيار من بينها.

الطقس ذاته متبع في كثير من مناطق سوريا بحسب حسو التي تضيف: "من الطقوس المتبعة أيضاً أن يسمى الطفل على اسم شخص لا ينجب في العائلة، اعتقاداً بأن ذلك يبقي ذكره في الوجود لفترة أطول".

عامر أحمد، صحافي سوري أجرى تحقيقاً عن اختيار الأسماء في بعض مناطق سوريا، يؤكد لرصيف22 أنه: "في الحسكة يختار الأهالي أسماء مرتبطة بمجريات الحياة، فيسمى المولود على اسم اليوم أو الشهر الذي ولد به أو حادثة مميزة في تلك الفترة، ولا بد أن يحمل كل اسم دلالة". ومن أشهر الأسماء برأيه: مطر، خابور، جمعة، شعبان، وخضرة.

ويردف أحمد: "الكثيرون يرفضون أسماء الآباء ويعتبرونها دقة قديمة، أو يتخوف الجد من سب الطفل الذي يحمل اسمه، فيضطر الأب لاعتماد أسماء التدليل فيقال عبود بدلاً من عبد الله".

أسماء تحمي من الموت

يلجأ البعض إلى اختيار أسماء بشعة للمولود لحمايته من الحسد والمرض والموت. يقول شومان إن البعض يسمّي الولد خيشة، قرني، والبنت صورة، حيطة، وخاصة في المناطق الشعبية، وعند تكرار حوادث وفاة للأطفال في سن مبكرة، يتمادى البعض خوفاً من الحسد في إطلاق أسماء بنات على الذكور وطمس هويته الذكورية طوال سنوات الطفولة.

كما يؤكد عامر أحمد أنه لدى الأهالي، في مناطق من سوريا، اعتقاد أن تسمية المولود على اسم أحد الحيوانات يحميه من مصير الموت مبكراً، فنجدهم يسمون ذيب وذيبة ونمر ونمرة.

بينما اعتقدوا قديماً، في تونس، بأن العائلة التي لا يعيش أطفالها تسمي العيفة للولد أو معيوفة للبنت ليبتعد الموت عن الصغير، ومعناه "مَن يهابه الموت". كما يتشاءم الأهل من إطلاق اسم شخص ميت على المولود، توضح بن عون.

ظروف استثنائية

shutterstock_360414773shutterstock_360414773

ويبيّن شومان أن بعض الظروف المتعلقة بأحوال الأسرة أو الولادة نفسها قد تفصل في اختيار اسم المولود عكس مخططات العائلة.

فقد تمر الأم بتعسر الولادة وينقذها الطبيب فتسمي الطفل على اسمه أو تترك له حق اختيار الاسم تقديراً لجهده، أو يمر أحد أفراد العائلة بموقف سيئ فيطلق اسمه على الرضيع تخفيفاً عنه، أو تمر الأسرة بمناسبة سارة فيسمى الطفل تيمناً بشير أو بشرى، وقد يمرض الطفل فتنذر الأم لأحد الأولياء أن تسميه باسمه فيتعافى ويحمل اسمه فعلاً وهكذا.

"الموضة" تغلب التقاليد

تغيرت التقاليد والطقوس المرتبطة بالتسمية كثيراً، نتيجة اختلاط الثقافات وانتشار وسائل المعلومات. وقد طرأت وسائل جديدة للبحث عن الأسماء منها عشرات المواقع الإلكترونية التي تقدم أسماء غير تقليدية وتعرّف بمعانيها.

ومن الشائع اليوم إطلاق أسماء المشاهير من لاعبي الكرة والفنانين، بدل اعتماد أسماء الأجداد والمشايخ والرموز، وأصبح الأهل يختارون الاسم قبل معرفة نوع الجنين.

ويساير الكثيرون الموضة، فيختارون أسماء أجنبية، مثل التركية، تأثراً بالدراما. ونجد أسماء مثل مهند وأيهم وليان وراما وعاصي ولميس منتشرة بكثرة حالياً، وفقاً لبن عون.

وقد نجد أسماء ميار وليان وجلنار وشذى ورغد ومهند ومعتز تأثراً بالمسلسلات السورية، وقنوات الأطفال مثل طيور الجنة، ويلاحظ تكرار هذه الأسماء في المواليد الجدد.

وبشكل عام، يمكن القول إن العرب آمنوا بمقولة "لكل أمرئ من اسمه نصيب" فاختاروا أسماءً تمنح أطفالهم حظوظاً أوفر منهم أو تمنع عنهم القدر السيئ، بينما تبارى الكثير منهم في إظهار الامتنان للسلف أو لبعض الرموز الدينية والتاريخية والسياسية وتخليداً لبعض المتوفين، في حين تمردت الأجيال الحديثة وانصاعت للثقافات الأجنبية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image