شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الإمارات تطلق

الإمارات تطلق "التربية الأخلاقية" في المدارس... لكن من يحدد الأخلاق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 13 مارس 201706:43 م
في مطلع العام الحالي، أدخلت الإمارات "التربية الأخلاقية" في منهاجها التعليمي. وبعد أقل من ثلاثة أشهر، اجتمع أكثر من 1300 مسؤول من مدارس حكومية وخاصة لوضع الخطط والتوصيات بهذا المنهج، تمهيداً لتطبيقه على المستوى الوطني. أجواء احتفالية رافقت ملتقى مديري المدارس ذاك، ترحيباً بتلك المبادرة التي تهدف إلى تعزيز الأخلاقيات والتطوير الذاتي والمجتمعي والثقافة والتراث والتربية المدنية والحقوق والمسؤوليات في المنظومة التعليمية. وكان قد بدأ تطبيق المنهاج تجريبياً في 52 مدرسة، بينما ناقش المسؤولون في اللقاء اليوم آليات التطبيق التي تتلاءم مع المجتمع الإماراتي والحواجز والأدوات الأكثر فعالية. وتزامناً مع الحدث، تصدرت وسوم "التربية الأخلاقية في الإمارات"، و"التربية الأخلاقية" و"UAE moraleducation" صفحات التويتر في الإمارات، محتفية بإطلاق ديوان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لهذه المادة. وشارك المغردون أقوال ولي العهد والمسؤولين حول ضرورة اعتماد الأخلاقيات كأساس لديمومة الشعوب التي لا تقوم بالعلم وحده.
وفي هذا الإطار، تم استعادة تجارب ناجحة لدول أخرى جعلت الأخلاقيات مادة أساسية في مناهجها. على رأس هذه الدول تأتي اليابان التي يدرس فيها الطلاب مادة تدعى "الطريق إلى الأخلاق"، وفيها يتعلم الطالب أساليب التعامل مع الناس واحترام الآخر. أكثر من ذلك، فقد أصدرت الحكومة اليابانية وثيقة توجيهات تجعل تعلم العادات الأخلاقية الجيدة التي كانت سائدة في حقبة إيدو، أي قبل حوالي ثلاثة قرون، مادة أساسية في المدارس في العام 2018. وتتضمن المادة الجديدة تعليم الأطفال أدق التفاصيل المتعلقة بمستوى الصوت ودرجة الانحناء عند التحية وطريقة المشي ومخاطبة الآخرين بحسب العمر وغيرها. وكانت الحكومة قد عزت قرارها إلى تراجع مستوى أخلاق طلاب المدارس الابتدائية وعلاقة ذلك بتزايد معدلات الجريمة.

مطالب بعودة الأخلاق

خلال السنوات الماضية، اجتمع الكثير من الباحثين الأكاديميين على المطالبة بعودة الأخلاق إلى المنهاج التربوي، بعدما بات النظام الحديث يعلي المؤهلات والإمكانيات العلمية على كل ما عداها. في إحدى أوراقه البحثية، يسأل الباحث الأمريكي في جامعة هارفارد ريتشارد ويسبورد عن التطور الأخلاقي فيقول "كيف يمكن أن نزرعه بطريقة ناجحة؟ وكيف نحول الاهتمام إلى الأخلاق في مجتمع بات يهتم أكثر بالنجاح الأكاديمي؟". يوضح ويسبورد بما لا يقبل الشك أن "لا تطور مأموناً وواعداً إلا بحد أدنى من الأخلاقيات، ومن يدعي غير هذا يبدو مضللاً بشكل كبير"، محذراً من خطر "انعدام وتراجع وتضارب المفاهيم الأخلاقية... والذي قد ظهرت ملامحه في قطاعات عديدة". وفي مقال له في مجلة "ذا أتلانتيك"، يشرح الأستاذ بول بارنويل تفاصيل تجربته مع تلاميذه، معبراً عن صدمته من تراجع القيم الأخلاقية في المنظومة التعليمية، ومؤكداً على أنها باتت حاجة ملحة. عندما سأل بارنويل طلابه عما إذا قام أحد ممن يعرفونه ويحبونه بأذية مجموعة من الأشخاص، فهل يبلغون عنه. أجمع التلامذة على الإجابة بلا، متجاهلين من تعرض للأذى على حساب المشاعر الشخصية. يعرب الأستاذ عن أسفه إزاء هذا الواقع، ليسأل طلابه لاحقاً عما "إذا كان هناك حاجة لتعليم الأخلاقيات في المدرسة"، فأتاه الجواب بالإجماع على الموافقة. بدوره يشير الباحث التربوي أنتوني هولتر إلى الوضع السوداوي الذي يسيطر في بيئات الشباب والمراهقين من الانتحار إلى المخدرات والعنف والإباحية والاغتصاب والجرائم، معلقاً بالقول "نحتاج لتربية أخلاقية متينة، بل ويجب أخذها على رأس أجندات التطوير". هكذا يبدو الاحتفال بهذه الخطوة من الإمارات مفهوماً، فهي قد سبقت على تحقيق مطلب يشغل الكثير من المسؤولين في الدول المتقدمة، وما زال غائباً في العديد منها على حساب التباهي بالتحصيل العلمي، الذي يأتي في أوقات كثيرة على حساب الأخلاقيات الإنسانية.

ولكن أي أخلاق؟

ولكن، في المقابل، ثمة الكثير من المحاذير التي يتم تداولها بشأن مادة "الأخلاقيات"، فهي تحمل وجهاً سلبياً على صعيدين، الأول عالمي مشترك بين كافة الثقافات والمناهج التعليمية. والثاني عربي سببه مفهوم الأخلاقيات الفضفاض في الدول العربية، والاستنسابية في تفسيره بين الدين الإسلامي من جهة والعادات الاجتماعية الشرقية من جهة أخرى. بالعودة إلى بحث ريتشارد ويسبورد، يحذر من السقوط في فخ "الببغائية" في مادة "الأخلاقيات"، فيقول: "جدران المدارس تمتلئ بكلمات تعبر عن القيم، ويتم تكرار أهميتها في الفصول وفي مناسبات مدرسية عدة"، وعليه بحسب ووسبورد "إن أكثرية الطلاب يكونون على علم بالمصطلحات الأخلاقية منذ عمر السادسة، أما المراهقين فيشعرون بأنهم يلقنون من قبل الأهالي محاضرات عن الأخلاق… هكذا يصبحون بارعين في تكرار ما يود الكبار سماعه مثل الببغاوات". من هنا، يشرح ويسبورد أن التحدي يكمن في جعل التربية الأخلاقية حاضرة بقوة في الحياة اليومية للطلاب، وفي جعلها سبيلاً للتميز، يبدأ من المدرسة". ثمة مشكلة أخرى تظهر في مضمون مادة الأخلاقيات بناء على المجتمع المحيط، فبينما يتم تعليم القيم وحث الشباب على التفكير بالمشاكل من منظور أخلاقي، يفتقر العالم اليوم إلى تعريفات كثيرة مرتبطة بالمفاهيم الأساسية في منظومة الأخلاق. يمكن هنا الاستعانة بما كتبه مدير إحدى المدارس البريطانية بيتر تايت قائلاً "تنشغل الحكومة في تعليم القيم وصقل الشخصية البريطانية في المدارس، لكن المشكلة تكمن في انعدام الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية بين الشباب... يبدو أننا بحاجة إلى إعادة تعليم الأخلاق منذ البداية". وفي الجانب العربي، تبرز نقطة أساسية تدفع إلى مقاربة مادة "الأخلاقيات" في المناهج التربوية بشكل حذر. لم يتفق العالم حتى اليوم، وبعد قرون من النقاش بين الفلاسفة والمفكرين، حول ما إذا كانت الأخلاق مطلقة أم نسبيّة. وبالتالي لا يوجد تعريفات موحدة ومطلقة حول سلّم الأخلاقيات الذي يسيّر المجتمع. إضافة لذلك، ما زالت الأخلاقيات في مناطق كثيرة من العالم العربي تتصارع بين أخلاقيات الدين وأخلاقيات المجتمع ونزعة الفردية المتزايدة. هذه الأخلاقيات وإن كانت تتلاقى في ما بينها في مناسبات عديدة، إلا أنها تتناقض كذلك لتصبح استنسابية وفضفاضة في العديد من المواقف. قبل أيام، انشغلت بعض الصحف العالمية بقصة الشاب الجنوب أفريقي والفتاة الأوكرانية اللذين أودعا في السجن في الإمارات بعدما تم اكتشاف حمل الفتاة. وفي تفاصيل القصة، أن الفتاة كانت قد ذهبت برفقة خطيبها إلى الطبيب بعد شعورها بآلام في المعدة، ليكتشف الأخير أنها حامل ويتصل ليبلغ الشرطة عنهما لعدم امتلاكهما وثيقة زواج رسمية. في ما نقل عن ذوي المعتقلين ما يعبر عن صدمتهم من "قرار مجحف بحبس شخصين لمجرد أنهما يحبان بعضهما البعض". وفي هذا المثل، ما يظهر أن "الأخلاقيات" نسبية باختلاف الشعوب والأفراد، فكيف يمكن توحيدها ومحاسبة الآخرين بشكل صارم لعدم تطبيقها؟ في الجانب الآخر من هذه المسألة، تُثار كذلك قضية الأخلاقيات الدينية التي باتت تخضع لاستنسابية كبيرة في التفسير. يشكل الدين أساس المنظومة الأخلاقية التي يجري تعليمها في العالم العربي، من هنا تطرح أسئلة كثيرة عن مستقبل هذه المادة وما ستزرعه في نفوس أجيال عديدة، بات يحاصرها التطرف والمعايير الإقصائية في كل حدب وصوب، من المنزل إلى الشارع ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image