ترى بماذا شعر الفنان أحمد عبد الهادي حين تم استدعاؤه للقيام بدور ضابط مخابرات إسرائيلية مرتين؟ هل شعر بالاطراء على مؤهلاته كممثل يتلون مع الأدوار والأعمال، أم أنّ ثقته قد اهتزت بمصريته وكره ملامحه التي تحبسه في هذا الإطار؟
هل تردد عهدي صادق في قبول دور اليهودي أكثر من مرة؟ هل خاف أن ينحصر في هذا الدور أم تشجَّع على أدائه كل مرة بشكل مختلف ومغاير للمرة التي قبلها؟ وهل كانت الممثلة اليهودية الراحلة فيكتوريا كوهين تشعر بالمهانة أو الحرج عندما تقوم بدور يهودية بخيلة؟
هذه السطور تحاول أن تدرس كم مرة قام الممثلون بأداء الشخصية اليهودية، وهل أحبهم الجمهور العربي في تلك التجارب أم لا.
ستيفان روستي
قام بأداء دور "كوهين" في فيلمين: أولهما فيلم حسن ومرقص وكوهين، القصة التي كتبها نجيب الريحاني وبديع خيري وقدماها للسينما والمسرح معًا. وثانيهما كان الخواجة كوهين في آخر شقاوة. هذا الفيلم أظهره كيهودي بخيل لا يجد حرجاً في أن يشوه سمعة ابنته ويدعي أنها أنجبت طفلاً غير شرعي من شاب لأسرة غنية، حتى يدفع له أهل الشاب مبلغاً من المال كي يتكتم على الخبر. ربما كان روستي أكثر من أجادوا دور الرجل اليهودي في حقبة الأبيض والأسود بسبب ملامحه التي تبدو أجنبية. فهل كان لابدّ أن "تبدو" الشخصية اليهودية مختلفة الملاحم؟ وُلِد روستي عام 1891 لأم إيطالية وأب نمساوي كان سفير النمسا في القاهرة. وحين انفصل والده عن والدته عاش روستي في مصر ودخل مدرسة "رأس التين" الابتدائية، وبدأ حياته الفنية منذ عشرينيات القرن الماضي في فيلم ليلى (1927).جولدا مائير أم إنعام سالوسة؟
حين تسمع هذا الاسم، ما الشكل الذي يرتسم في خيالك؟ هل تقفز إلى رأسك الصورة الأصلية الحقيقية لجولدا مائير أم صورة "إنعام سالوسة". رغم أنه دور واحد يُذكر لها في ملف فني طويل، ولكنه الدور الحاسم. حين يقرأ مواليد الثمانينات والتسعينات عن "جولدا مائير"، قد لا يعرفها البعض إلا كـ"إنعام سالوسة" في السقوط في بئر سبع، مع إسعاد يونس وسعيد صالح اللذين برعا في دور التجسس على مصر لصالح إسرائيل. فدور إنعام سالوسة صادر شخصية جولدا مائير، فلا نكاد نعرف شيئًا عن شكل السيدة الحقيقية على الإطلاق.فيكتوريا كوهين
ممثلة مصرية يهودية اشتهرت بأداء دور السيدة اليهودية شديدة البخل كما في فيلم آخر شقاوة، في دور أم كوهين (ستيفان روستي). ولدت عام 1891 وانضمت لفرقة رمسيس التي أسسها يوسف وهبي. وقدمت عدداً قليلاً من الأعمال السينمائية والمسرحية، لكنها أعمال تعلق بالذاكرة. حتى وإن لم نتذكر اسمها الحقيقي، فإننا سنتذكر وجهها وأحد أدوارها حين يقول لنا أحدهم: "الست اللي كانت عاملة يهودية في فيلم كذا".عهدي صادق
وجهه دقيق الملامح وصفاته الجسدية جعلته محط اختيار المخرجين لأدوار الشخصيات اليهودية وكذلك اليونانية أيضاً على الشاشة المصرية. بدأت تلك الأدوار بـ"الخواجة تودري" في مسلسل زيزينيا الذي يتناول اليونانيين والإيطاليين في مصر، نسيج خاص لا يصنعه إلا أسامة أنور عكاشة وكان الخواجة تودري أحد خيوط ذلك النسيج. كما لعب دور الكاهن اليهودي "إسحاق" في فارس بلا جواد، أمام محمد صبحي، وهو المسلسل الذي أثار ضجة حين عُرض لأول مرة لتناوله كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وعرضه لقصة شاب يحارب اليهود ويخدعهم ويكبدهم الخسائر. ثم نرى عهدي صادق في دور "الخواجة رافاييل" في حلم الجنوبي، وهي شخصية مهرب آثار يرتكب جرائم من تهريب الآثار إلى القتل. وتتوّجت سيرته الفنية بمشاركته في العمل الشهير رأفت الهجان في دور اليهودي "فيليب ناتاسون".تعكس السينما في تصويرها لشخصية اليهودي انغلاقنا على مناقشة هويتنا وتاريخنا
كيف يشبه الممثلون والممثلات الشخصيات التي يلعبون أدوارها؟ ولماذا هناك إشكالية في ادعاء تطابقهما؟
نيللي مظلوم
"الست لاتانيا" مهربة المخدرات في فيلم ابن حميدو، و"راشيل" الحبيبة اليهودية في فاطمة وماريكا وراشيل، وهي راقصة البالية صاحبة أشهر رقصات إيقاعية في الأفلام المصرية. هي مصرية يونانية لعبت الأدوار اليهودية وأقنعتنا. كانت نيللي مظلوم (أولجا روسوس) الراقصة البارعة طفلة مصابة بشلل الأطفال. وشاءت الأقدار أن تضمها زوجة الطبيب اليوناني الذي عالجها، وكانت راقصة باليه، إلى مدرسة البالية الخاصة بها بعد شفائها فأصبحت ممثلة مشهورة عندما كبرت. تزوجت نيللي مظلوم عدة مرات كان أحدها من "أندرياس روسوس" الذي أنجبت منه طفلاً أصبح فيما بعد المطرب العالمي الشهير "ديميس روسوس". كما تزوجت رئيس وزراء مصر الأسبق، عاطف صدقي.أحمد عبد الهادي
ربما لا يعني لكم الاسم أي شيء، لكنكم ستعرفونه عندما تنظرون إلى صورته. إنه بطل المشهد الشهير: "من المخابرات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية، نشكركم على تعاونكم معنا طوال ست سنوات مثمرة، وقد توجتم هذا التعاون بإمدادنا بجهازكم الإنذاري الخطير مع رجلنا جمعة الشوان". إنه رئيس جهاز الموساد في دموع في عيون وقحة. كما لعب عبد الهادي دور "يعقوب سويف" ضابط المخابرات الإسرائيلية في مسلسل رأفت الهجان، ودور "شمعون شوحة" في مسلسل زمن عماد الدين. ورغم أن أعماله ليست كثيرة، لكن دوره أمام جمعة الشوان (عادل إمام) في دموع في عيون وقحة، ثبَّتت صورته في أذهان المشاهدين كرجل بعينين ملونتين يرتدي طاقية صغيرة ويتعرض باستمرار للخداع على يد شخصية جمعة الشوان.حسن عبد الحميد
اليهودي الطيب الذي منح رأفت الهجان اسمه وصفاته، هو شارل سمحون الذي جعل رأفت ينتمي إليه ليصبح "ديفيد شارل سمحون"، الاسم الذي صاحبه طوال حياته. وهي شخصية مغايرة للصورة المرسومة في الأذهان عن الرجل اليهودي البخيل في كثير من الأحيان. كانت هذه الشخصية تشبه شخصيات الآباء التي نعرفها عن قرب ونتعاطف معها. ظهر حسن عبد الحميد مرة ثانية كرجل يهودي حينما لعب دور ضابط المخابرات الإسرائيلية في دموع في عيون وقحة، أمام عادل إمام وأحمد عبد الهادي ومصطفى فهمي. ورغم اختلاف الممثلين وتنوعهم إلى اليوم، إلا أن السينما المصرية تقدّم الشخصية اليهودية بصور متقاربة إلى حدٍ بعيد. تُعلِّق على ذلك الناقدة الفنية علا الشافعي لرصيف22 قائلة، إن المنتجين والمخرجين المصريين كثيراً ما "يستسهلون" اختيار الممثلين للأدوار كما يستسهلون أيضاً رسم الشخصيات دون بحث كامل عن طبيعة الشخصية. وتشير إلى أن السبب في تكرار بعض الممثلين بعينهم لأدوار يهودية أنهم "نجحوا في أداء الدور لأول مرة فتهافت عليهم المنتجون لأداء أدوار شبيهة دون تكلف عناء البحث عن ممثلين جدد". وتعتبر الشافعي أن الأعمال الفنية الحديثة بدءاً من رأفت الهجان وإعدام ميت ومؤخراً حارة اليهود، تحمل صورة مختلفة للشخصية اليهودية التي لا ترتدي بالضرورة نظارة ولا تنظر بخبث ولؤم. ويبدو أن هذه الأعمال تأخذ خطوات جدية في مقاربة المتخيّل عن "الشخصية اليهودية" التي كرستها السينما المصرية. ويتفق الكاتب والمخرج الشاب روماني صبري مع الشافعي حول مبدأ "الاستسهال"، وما يتبعه المنتجون والمخرجون من عدم دراسة الشخصية دراسة وفية متقنة. وهذا لا يحمل أي عيب أو تقصير من جانب الممثل المصري الذي يؤدي أدواره بإتقان، وإنما هو سؤال أكثر تعقيداً. كما أنّ هناك قضية قلما يتم التطرق إليها، وهي علاقة شكل الممثل بالشخصية التي يؤدي دورها، ومن أين يأتي الاعتقاد بضرورة تطابقهما؟ وختاماً، ربما تكون هذه الخيارات فرصة لنعيد النظر في مرونة التخيل في مجتمعنا، ولنناقش جديّاً علاقتنا بالتنوع في تاريخنا وهويتنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...