ربما يظن البعض لدى رؤيته مصادفة نصاً باللغة العبرية أن الحديث يدور عن لغة معقدة يصعب تعلمها خاصة أن حروفها الـ22 تكتب بشكل غريب يتخيله الكثيرون للوهلة الأولى قريباً من الصينية. لكن الحقيقة أن اللغة العبرية التي تكتب كالعربية من اليمين لليسار، ليست سوى إحدى اللغات السامية، كاللغة العربية تماماً، أي أنها وبكلمات أخرى ومثلما ذهب العديد من علماء اللغة شقيقة العربية، ولدت من الأم نفسها وفي البيئة نفسها، رغم افتقارها لحروف مثل الضاد والغين والذال. وإن كان هناك شقيقان ترعرعا في البيئة عينها ونهلا من المعين عينه قبل أن تتفرق بهما السبل، ويمضي كل منهما لحال سبيله، فإن الكثير من أوجه الشبه تبقى بينهما، ويتطابقان أو يتشابهان في الكثير من الخصائص والصفات بحكم الجينات الوراثية المشتركة. الأمر نفسه ينطبق على العربية والعربية، إذ تتشابهان وفي كثير من الأحيان تتطابقان في جذور الأفعال، وقواعد اللغة، والكلمات البدائية المستوحاة من بيئة النشأة، مثل الأسماء الدالة على الطبيعة كالسماء والماء والشمس والقمر، وأعضاء الجسم. ذلك التشابه حدث في الغالب قبل أن تتشكل كل لغة في قالبها الخاص، وعالمها المختلف. في اللغة التوراتية أي العبرية القديمة نجد أفعالاً مثل "כתב" (كاتَف) وتعني كتب، و"קטל" (قَاتَل) بمعنى قتل، كذلك فإن الكلمة الثانية من سفر التكوين "בָּרָא" (بارا) أي خلق، نجدها قريبة جداً من الفعل "برأ" الذي يعطي نفس المعنى. ومن بين الأفعال المتطابقة أو المتشابهة أيضاً "ראה" (رَأَى) وتعني رأى، وكذلك "קרא" (قارا) أي قرأ، و"שאל" (شَأل) أي سأل، و"מחק" (ماحَق) ومعناها محق أو محا وأزال، والفعل "קם" (قَام) بمعنى قام أو هب، والفعل (פתח) "باتَح" أي فتح، و"אכל” (آخال) أي أكل وتناول الطعام، والفعل "זרע" (زرَع) أي زرع و"קטף" (قاطَف) وتعني قطف، و”בנה” (بانا) أي شيد وبنى، بالإضافة للكثير من الأفعال المتطابقة أو المتشابهة. وتتشابه مشتقات الأفعال أيضاً بين اللغتين، فاسم الفاعل من الفعل (כתב) "كاتَف katav" بمعنى كتب هو (כותב) "كوتيف"، بينما اسم المفعول (כתוב) "كاتوف" أي مكتوب، في حين نرى أن اسم الآلة (כתיבה) "كتيفا" أي كتابة، وهكذا. جدير بالذكر أنه مع إحياء اللغة العبرية في العصر الحديث لتسهيل نطقها من قبل اليهود الوافدين من دول أوروبا، جرى تخفيف حرف القاف لتنطق كاف، فباتت كلمة مثل "מברק" (مِفراق) وتعني برقية، تنطق "مِفراك"، وهكذا. كذلك كان الحال بالنسبة لحرف الصاد إذ بات ينطق بالمقطع "تس"، فكلمة كـ"ארץ” (آرِص) ومعناها آرض أو وطن وتطلق مجازاً على إسرائيل، باتت تُنطق "آرِتس". وربما تتطابق الضمائر المنفصلة والمتصلة أو تتشابه إلى حد كبير، وهذه هي بعض الأمثلة: الضمير أنا بالعبرية (אני) "آني" وأنت (אתה) "أتا"، وأنتِ للمخاطب المؤنث (את) "أت"، والضمير هو (הוא) "هُوْ"، وهي (היא) "هِيْ" ، بينما ضمير المتحدث في حالة الجمع نحن (נחנו أو אנחנו) "نحنُو أو أنحنو". وأنتم (אתם) "أتِيم"، وأنتن (אתן) "أتين"، وهم (הם) "هِيم" وهن (הן) "هِين". وكذلك الحال بالنسبة للضمائر المتصلة.
الفرق بين العربية والعبرية يكاد لا يتعدى الحرف الذي يميز بين الكلمتين...
التشابه بين العبرية والعربية أكبر بكثير مما يمكن أن نتخيل.. وكم الكلمات العربية المستخدمة في العبرية العامية سيفاجئكموبخلاف الأفعال، تتشابه أو تتطابق الأسماء المستوحاة من البيئة مثل (שמים)، "شامَيِم" أي سماء، و(מים) "مايِم" ومعناها مياه، و(ילד) "يِلِد" طفل أو ولد صغير و(אב) "آف- AV" بمعنى أب أو والد وكذلك "אם” (إِم) أي أم و(אח) "أاح" ومعناها أخ و(אחות) "آحوت" أي أخت أو شقيقة، كذلك (בית) "بَيْت" وتعطى معنى بيت أو منزل. و(יום) "يوم" بمعنى يوم، و(שנה) "شاناه" أي سنة أو عام و(שעה) "شاعاه" أي ساعة، وكذلك (דקה) "داقاه" وفي العبرية الحديثة تنطق "داكاه" ومعناها دقيقة. وبالمرور سريعاً على أسماء بعض أعضاء الجسم، يتضح أثر بيئة النشأة المشتركة على كل من اللغتين العربية والعبرية، فنجد أن كلمة يد بالعبرية (יד) "ياد"، ورجل نجدها بالعبرية (רגל) "ريجِل" وعين (עין) "عَين" ، وإصبع في العبرية (אצבע) "إصبَع" وباتت في العبرية الحديثة تنطق "إتسبَع" وأنف بالعبرية "אף" "آف"، وأذن (אוזן) "أوذَن" ولسان (לשון) "لاشون"، وبطن (בטן) "بيطِن" وباتت تنطق الطاء في العبرية الحديثة تاء، فأصبحت مثل هذه الكلمة تنطق "بيتِن". وتتشابه أيضاً أيام الأسبوع، فيوم السبت يقال له (יום שבת) "يوم شَبات"، بينما الاثنين (יום שני) "يوم شيني"، والثلاثاء (יום שלישי) "يوم شليشي"، والأربعاء (יום רביעי) "يوم رفيعي"، والخميس (יום חמישי) "يوم حَميشي". كان هذا غيض من فيض من الكلمات المتطابقة والمتشابهة بين العربية والعبرية نتيجة لتأثير اللغة السامية الأم، لغة المنشأ على المفردات وبناء الكلمات. لكن في فترات لاحقة تأثرت العبرية وأثرت في العربية بشكل متفاوت. يقول موقع "اللغة العبرية" (هسافا هاعفريت) الذي يعد أحد أهم مراجع اللغة في إسرائيل: "تغلغلت العربية وأثرت على العبرية في كل الأزمنة. كان التأثير الأهم على العبرية خلال العصور الوسطى. في تلك الفترة كُتب بالعربية عدد من المؤلفات الفلسفية والتوراتية لعظماء إسرائيل- مثل الرمبم (الحاخام موسى بن ميمون)، والحاخام سعديا جاؤون وغيرهما". ويقصد الموقع بالعصور الوسطى فترة الحكم الإسلامي للأندلس (إسبانيا حالياً) عام 711م والتي استمرت حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492. وحتى تلك الفترة كانت العبرية لغة مراسم تقتصر فقط على الصلاة والجنائز. ويضيف الموقع أنه خلال عملية ترجمة تلك الأعمال، أُضيف للعبرية عشرات الكلمات والتعبيرات من اللغة العربية. تسللت بعض الكلمات للعبرية بشكل مباشر، مثل كلمات: (אקלים) "أقليم"- تنطق الآن "أكليم"، وتعني حالياً المناخ، و(מרכז) "مَركاز" أي مركز أو وسط، و(קוטר) "قُطْر" أي قطر في الهندسة، و(תאריך) "تأريخ" أي تاريخ أو موعد. وأضيفت معان ودلالات أخرى على طريق ترجمة الاقتراض. ومنذ ظهور الحركة الصهيونية، في وسط وشرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر والدعوة للعودة لـ"أرض الآباء والأجداد"، غزت الكثير من المفردات العربية اللغة العبرية وخاصة العامية العبرية. وقد اعتبر "أليعزر بن يهودا" اللغة العربية شقيقة للعبرية، وعندما بحث عن مصادر لتحديث الكلمات العبرية، أكثر من استخدام المفردات والجذور العربية، إلى جانب كلمات من الآرامية ولغات سامية أخرى، لم يتم استخدام معظمها في نهاية الأمر. ويعرف "بن يهودا" الصحفي والأديب اليهودي من أصول ليتوانية بأنه "محيي اللغة العبرية"، إذ هاجر مع زوجته عام 1881 إلى القدس، وبدأ في حث اليهود على التحدث بالعبرية، وقام بإنشاء المسار الذي أدى لتطوير اللغة العبرية الحديثة. في تلك الفترة تبنت جماعة الاستيطان اليهودي في فلسطين كلمات من العربية، كجزء من عملية التكامل والانغراس بين العرب. على سبيل المثال فإن تنظيم "هاشومير" وتعني الحارس وهو من أوائل التنظيمات الصهيونية المتخصصة في حراسة المستعمرات والممتلكات اليهودية في فلسطين، وكان أعضاؤه يرتدون الكوفية والزي العربي المحلي، كان قد تبنى كلمات عربية مثل "دخيلَك" أي (أرجوك، لو سمحت، من فضلك)، و"معلش" للاعتذار والمواساة، وغيرها من الكلمات التي جرى استيعاب بعضها في العبرية، وتلاشت أخرى. ومع إعلان إسرائيل عام 48 وبمرور الوقت، واصلت الكلمات العربية التدفق على العبرية بوتيرة أسرع، سواء بشكل مباشر، أو من خلال اللهجات المختلفة لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من دول عربية.
كلمات عربية في العبرية العامية
الآن تحوي العامية العبرية، وكذلك اللغة المكتوبة الكثير من الكلمات تنطق كما هي في مصدرها العربي مثل أهبل (אהבל)، ومعفن (מעפן)، وشرموطة (שרמוטה) صفة للعاهرات، ومنحوس (מנחוס) ونحس (נחס)، وتنبل (תּנבּל)، وسطل (סטל) كنية للمسطول الذي يترنح أثناء سيره، ومعروف أو جميل (מערוף). ومن الكلمات العربية التي دخلت العبرية وخاصة العامية كما هي، يالا (יאללה ) وتأتي للتحفيز على تنفيذ أمر ما بسرعة أي "هيا"، وكلمة صبابة (צבאבה) وتقال أحيانا للإجابة عن سؤال كيف حالك، وتعني هنا في أحسن حال، وكلمة كيف (כיף) بمعنى متعة. وكلمة يعني (יעני) وهي كلمة للتوضيح بمعنى أي، وخرفان (חַ'רְפָאן)، دلالة على الخرف وتقدم السن، كذلك فإن الكلمة العامية التي تعبر بها العامية العربية عن العضو الجنسي لدى المرأة هي نفسها في العامية العبرية. وبات اليهود يطلقون على عادتهم المتبعة بقص شعر الطفل للمرة الأولى بعد الولادة بثلاث سنوات اللفظ العربي "حلاقة" (חלאקה )، وفي العامية الإسرائيلية كلمة والله" (וואלה) للتعبير عن عدد من المدلولات، كالدهشة أو الاستنكار أو التفهم، ترتبط جميعها بنغمة صوت المتحدث. وتستخدم العامية الإسرائيلية مصطلح "دير بالك" (דיר בַּאלַכּ ) للتنبيه أو لشحذ الاهتمام، كما هو في بعض اللهجات العربية. ويقول الإسرائيليون "بسطة" (בסטה ) في إشارة للعربات التي تبيع المنتجات المختلفة بالأسواق، ويقولون أيضاً "إن شا الله" (אינשאללה)، ويستخدمون كلمة "أحلى" مثل (אחלה חברים) "أحلى حافيريم" وتعني أحلى أصحاب. إضافة لكلمة صحتين (צחתין) أي بالهنا والشفا، بالإضافة لكلمة "لفة" (לפה) بمعنى جولة. و"دوغري" أي كلام مستقيم وصادق.كلمات عربية أصلها عبري
في المقابل هناك الكثير من الكلمات العربية يصعب التصديق أنها عبرية في الأساس مثل كلمة هيكل وهي في العبرية (היכל) "هيكل"، وكاهن، وأصلها في العبرية (כוהן) "كوهين" أي خادم الأب، وفخ، وأصلها (פח) "باح"، وشيطان، وهي في الأصل (שטן) "سطان" أي الخصم والعدو. هناك مجموعة من الكلمات الأخرى تقول المصادر الإسرائيلية، كموقع المصدر الإسرائيلي الناطق بالعربية، أنها عبرية الأصل، مثل: رسن وهي بالعبرية تعطى نفس المعنى أي الحبل (רסן)، وكلمة سِفْر ومعناها بالعبرية كتاب (ספר) "سيفِر"، وكلمة تلميذ وهي بالعبرية (תלמיד) "تلميد"، مشتقة من الفعل العبري (למד) "لَمَد" أي تعلم ومنه التلمود وهو كتاب التفسير لدى اليهود. وكلمة دمية، وأصلها (דמות) "دموت" أي صورة أو مشابه. وكذلك دلو وهي في العبرية (דלי) "دِلِي". ونقول في العربية أحراش، ومفردها حرش، والكلمة أصلها (חרשה) "حرشا" أي غابة، فضلاً عن كلمة يم وتعني بحر (ים). وفي الريف المصري مثلاً نجد كلمة مثل "آبا" وتعني أبي وهي بالعبرية (אבה) "آبا".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...