ما إن يصل الباص إلى المحطة الطرقية في مدينة شفشاون المغربية حتى تشعر بهدوء المكان، خصوصاً إن كنت قد تركت صخب المدينة العتيقة في فاس خلفك.
في ما يُعرف بـ"كولومبيا المغرب" أو "عاصمة الحشيش المغربية"، لا أحد يحذّرك من التجوّل لوحدك نهاراً أو ليلاً، ولا أحد يشير بحركة سريعة إلى حقيبتك التي نسيتها مفتوحة للحظات معدودة ناصحاً إياك بإغلاقها فوراً!
في زمنٍ سابقٍ، لم تكُن هذه المدينة التي أسست في القرن الخامس عشر لإيواء المسلمين واليهود الذين جاءوا من الأندلس معروفة للسيّاح كما هي اليوم، ولكنها باتت تستقطب سياح "اليوم واليومين" الذين يبحثون عن السكينة، ويكتفون بمشاهدة معالمها القليلة والتقاط الصور التذكارية بين بيوتها الزرقاء التي أكسبتها شهرتها أيضاً!
بيد أن هذا النشاط السياحي، الذي يشكّل مورداً اقتصادياً رئيساً للمدينة بلا شك، قد كان مثل "السكين ذبحت ناس وقشرت الفواكه لناس" وفق تشبيه عبد الغني مفتاح، الذي يبيع منتجات الصناعة التقليدية والهدايا التذكارية في المدينة القديمة.
وُلد عبد الغني في عام 1982 في مدينة شفشاون، وتحديداً في البيت الذي حوّله في عام 2007 إلى دكّان، وكان والده قد انتقل من منطقة قريبة للعمل في تدريس الأطفال.
وفي الوقت الذي انتقلت عائلة عبد الغني إلى منزل آخر لحاجتها لمساحة أكبر، فإن العديد من العائلات التي يعرفها عبد الغني قرّرت أن تبيع بيوتها البسيطة في المدينة القديمة لتحويلها إلى مشاريع سياحية.
يقول عبد الغني "هناك دور ضيافة كثيرة. كان ثمن المنازل معقول، جوا الأجانب أعطوا أضعاف أضعاف السعر مشان يحولوه لمشروع. باع الناس منازلهم، وراحوا سكنوا في جنبات المدينة. الأرض هناك رطبة، المنازل ينجرفوا. هذا العام بس، سقط أكثر من 15 منزل، لأن الأرض مو صالحة للبناء، مش مثل وسط المدينة... في اللي كرى (استأجر) منزل آخر، واللي ناس عطفوا عليه وأسكنوه معاهم".
اليوم، إن سأل سائح تائه عن الطريق إلى مأواه، فأغلب الظن أن أهل المدينة "ما يقدروش يعاونوا السيّاح"، فـ"ما بين دار ضيافة ودار ضيافة دار ضيافة" بأسماء غريبة حتى على السكّان القدامى، جاء بها أصحاب هذه الدور الجدد من بلدانهم الأم، بحسب عبد الغني. يضيف بأن بيوت شفشاون القديمة كلها كانت تتميّز بوجود القرميد الذي يحمي البيت من الثلوج والبرد، ولكن هذا الرمز بدأ يتغيّر أيضاً مع حركة الاستثمار هذه.
كانت السياحة كذلك سكيناً تُقشّر الفواكه لأصحاب الجمعيات التي تنادي بدعم الصانع التقليدي، وفق عبد الغني، إذ يأتي مندوبوها ويصوّرون الصانع المنكب على عمله، ويذهبون إلى المموّلين في الخارج بطلبات التمويل.
يصل من الدعم، إن وصل، الفتات للصانع الذي يرسلون له بكرم شهادة "أفضل صانع تقليدي" يعلّقها في دكانه فوق رأسه، بينما هو يتقاضى أجراً بالقطعة ويحتاج إلى العمل يومياً بلا انقطاع لإطعام عائلته.
هذا ينطبق على الصانع التقليدي البسيط كما يصنفه عبد الغني، وليس ذاك الذي يجد له موطئ قدم في البازارات الكبرى التي تستقبل المجموعات السياحية الكبيرة والمنظمة، والتي يدفع من يعرض بضاعته فيها أجراً شهرياً للمرشد السياحي، والسائق والمكتب، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح، وهي أمور تتطلب إمكانيات لا تتوفر لدى كل الصانعين التقليديين.
لهذا السبب، يعتقد عبد الغني أن المنافع الأعظم كانت من نصيب فئات معينة، بينما "الضعيف دائماً ضعيف".
ما وصفه عبد الغني ما هو إلا الجانب غير المشرق للتحوّل الذي شهدته هذه المدينة الزرقاء، والذي يكاد يطابق ما يقوله أهل مجتمعات محلية كثيرة في بلدان أخرى لم يستفيدوا من بركات السياحة كما يُهيأ لمن يقضي بينهم ساعات معدودة، ويُغادر!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 51 دقيقةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...