يهاجر مواطنو الدول العربية إلى جهات الأرض الأربع، بحثاً عن فرص أفضل للحياة، وخاصة لجني المال النادر في بلدانهم، وتهاجر معهم عاداتهم وأنماط عيشهم وحتى مشاكلهم وكذلك مصارفهم.
تنتشر فروع المصارف العربية اليوم في ست قارات وأكثر من 36 دولة حول العالم. سعياً إلى مزيد من العائدات المالية وهرباً من ضيق الأسواق المحلية وركودها، وفي أحيان كثيرة هرباً من الأوضاع الأمنية والسياسية السائدة في المنطقة، والتي تؤثر سلباً على حركة الاقتصاد، وتضعف تالياً قاعدة الودائع.
في دراسة أعدتها إدارة الدراسات والبحوث باتحاد المصارف العربية في 2016، يشير الاتحاد إلى أن المصارف العربية قد طوّرت شبكة انتشار خارجي واسعة وبأشكال قانونية عديدة، كفروع ومكاتب تمثيل ومصارف شقيقة أو تابعة، وذلك لأسباب عدة، أبرزها محدودية بعض الأسواق المحلية، وخدمة قاعدة العملاء العرب في دول الانتشار، والمنافسة المحلية الشديدة، والفرص الاستثمارية الواعدة في الخارج.
وكذلك تشجع الحكومات في كثير من الدول العربية، مصارفها الحكومية والبنوك الخاصة، على مد شبكة فروع لها في الخارج، إقليمياً ودولياً، من أجل تعزيز قاعدة عائداتها المصرفية وخلق قنوات استقطاب نقدي جديدة. فالسوق المحلي لن يكون كافياً، وذلك كي تتمكن لاحقاً هذه الحكومات من الاقتراض من هذه المصارف في السوق المحلي لخدمة سياستها الاقتصادية تنموياً واقتصادياً.
في المقابل تلاحق مصارف أخرى عائدات العمالة العربية الضخمة في الخارج التي يدفع بها هؤلاء إلى البلد الأم، إما لمساعدة العائلة أو لشراء بيت أو تأسيس مشروع خاص. وقدرت دراسة حديثة لاتحاد المصارف العربية، العمالة العربية المهاجرة خلال عام 2015 بنحو 24 مليون نسمة، وبلغت تحويلات المغتربين للدول العربية نحو 49 مليار دولار، جرت أغلبها عبر فروع لمؤسسات مصرفية عربية.
لماذا تشجّع الحكومات العربية المصارف على الانتشار في الخارج؟
خارطة انتشار المصارف العربية... مصارف في 6 قارات وأكثر من 36 دولة حول العالم
خارطة الانتشار
تنتشر الفروع المصرفية العربية شرقاً وغرباً. وبحسب دراسة اتحاد المصارف العربية فإن فروع المصارف العربية موجودة في أكثر من 36 دولة حول العالم تقدم خدمات مصرفية للشركات والأفراد. ويعد الانتشار المصرفي العربي أكبر في القارة الأوروبية، بدءاً من المملكة المتحدة وفرنسا وقبرص وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وصولاً إلى هولندا وبيلاروسيا ومالطا وموناكو ورومانيا وإسبانيا. كما توسّعت المصارف العربية باتّجاه أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية خاصة بالبرازيل، ودول غرب أفريقيا في ساحل العاج، الكونغو، توغو، بوركينافاسو، مالي، النيجر، غينيا بيساو، السنغال، الغابون، الكاميرون. وأخيراً أستراليا. بالإضافة إلى وجود فروع لهذه المصارف في دول غرب آسيا كتركيا وأرمينيا وشرق آسيا خاصة في الصين، وماليزيا، وسنغافورة، وجنوب آسيا في الهند وباكستان وإندونيسيا. وتحافظ الوجهات التقليدية، بريطانيا، وفرنسا، وسويسرا على الصدارة في قائمة البلدان التي تشهد الانتشار الأكبر للفروع المصرفية العربية باعتبارها أولاً أكثر البلدان التي تعيش فيها جاليات عربية، خاصة بريطانيا وفرنسا، تقوم بتحويل أموالها إلى بلدانها الأصلية في المغرب العربي والشرق الأوسط، حيث تلقت مثلاً بلدان المغرب العربي خلال عام 2014 تحويلات من المغتربين في الخارج بقيمة 11.2 مليار دولار، وفقاً للتقرير السنوي لمنظمة الهجرة الدولية في 2015. أما سويسرا فهي إحدى أكثر الدول في العالم استقبالاً للأموال، وفيها يضع الكثير من الأثرياء العرب أموالهم، لذلك تقوم الفروع المصرفية العربية الخاصة هناك بتقديم خدمات استشارية وبإدارة ثروات واستثمارات العرب عموماً والخليجيين خصوصاً، مستفيدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، والعملة المستقرة، والسرية المصرفية، وفقاً لاتحاد المصارف العربية.ما هي أكثر المصارف العربية انتشاراً؟
حققت المصارف اللبنانية والمغربية والبحرينية والإماراتية أكبر شبكات انتشار عالمي، وفقاً لاتحاد المصارف العربية، ويعود ذلك إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي التي تتبناها هذه الدول والتشجيعات الحكومية للمصارف بالانتشار خارجياً حيث أدى تشجيع السلطات النقدية اللبنانية مثلاً للمصارف بالانتشار خارج البلاد لأسباب تتعلق بالتمويل السيادي، إلى استئثار الفروع الخارجية للبنوك اللبنانية بـ 17% من مجموع موجوداتها المالية و15% من الودائع. كذلك يعتبر وجود عمالة أجنبية كبيرة على أراضي هذه الدول أو لديها عمال في الخارج من الحاملين جنسيتها، عاملاً مهماً في رفع حجم تدفق التحويلات المالية الخارجية إذ يفتح سوقاً للفروع المصرفية. في لبنان مثلاً تساهم هذه التحويلات سنوياً بـ 17% من الناتج المحلي، إذ تلقت سنة 2014 تحويلات بقيمة نحو 7.2 مليارات دولار. أما في الأردن فتساهم هذه التحويلات بـ 10.8% وفي المغرب بـ 6.6% من الناتج المحلي، وفقاً لآخر مسح للبنك الدولي لسنة 2013. ويعتبر ضيق السوق المحلي الراجع أساساً إلى تعداد السكان، دافعاً آخر للمصارف في هذه الدول إلى البحث عن أفاق أوسع للنشاط وتعزيز قاعدة الودائع لديها، من خلال قنوات استقطاب نقدي جديدة في الخارج. ويشير اتحاد المصارف العربية في دراسته إلى أن الانتشار الخارجي للمصارف المصرية والجزائرية يبقى محدوداً بالرغم من حجم وانتشار الجالية المصرية والجزائرية حول العالم، إذ احتلت مصر في سنة 2014 المرتبة الأولى عربياً، والسابعة عالمياً، في قيمة التحويلات النقدية للعمال في الخارج، والتي بلغت 19.7 مليار دولار، أي ما يمثل 40.4% من إجمالي تحويلات المغتربين إلى المنطقة العربية، ما يشكل تقريباً 6.6% من النتاج المحلي المصري. ويشر الاتحاد إلى أن أغلب المصارف المصرية والجزائرية تابعة للقطاع العام ومملوكة من الدولة، ولأن الأسواق المصرية والجزائرية كبيرة جداً وغير مخدومة مصرفياً بشكل كاف حتى الآن، ما يدفع تلك المصارف إلى التركيز على أسواقها المحلية، فلا تضطر المصارف الكبرى العاملة في هاتين الدولتين إلى الانتشار. أما تونس، فقطاعها المصرفي صغير نسبياً وتركز المصارف التونسية على السوق المحلية بشكل أساسي. في المقابل تشهد منطقة جنوب أسيا حضوراً كبيراً للفروع المصرفية الخليجية، خاصة في الهند وباكستان، وذلك يعود لحجم العمالة الوافدة من هذه الدول إلى دول الخليج، خاصة السعودية والبحرين والإمارات، الأمر الذي يخلق سوقاً مالية جيدة من خلال التحويلات ويعزز قاعدة الودائع لدى المصارف الخليجية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...