شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أين اختفت الممرضات... هل شوهت الدراما المصرية مهنتهن؟

أين اختفت الممرضات... هل شوهت الدراما المصرية مهنتهن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 مارس 201804:34 م
تمشي الدكتورة أمال بكل جدية لتتفقد أحوال المرضى. فتجد ممرضة تتمايل في ميوعة وتغطي وجهها مساحيق التجميل بصورة مبالغ فيها. تنهرها الدكتورة بقوة وهي تذكّرها بوقار مهنتها المفترض. هذا مشهد في فيلم التخشيبة، للفنانة نبيلة عبيد، وهو ليس محورياً لكنه متكرر في عشرات الأفلام التي أظهرت الممرضة في دور المرأة اللعوب أو التي تستخدم المهنة غطاءً لعمل ليلي لا يقبله المجتمع. مشهد آخر عاشته عزة محمد سيد (18 عاماً) في قلب الواقع وليس على الشاشة. كان عمرها 14 عاماً حينما أتمت المدرسة وقد قررت أن تحقق الحلم الذي راودها منذ زمن وتدرس التمريض. أخد والدها على عاتقه أمر تسجيلها  في الفرع الذي اختارته، لكن ما إن قدم أوراقها لقسم التمريض حتى عاد واستردها وحجز لها مقعداً في قسم الصناعة. "ما إن عرفت عائلتي برغبة إبنتي في دراسة التمريض حتى حذروني من هذه المهنة التي تتطلب المبيت خارج المنزل وتعرض الممرضة للتعامل مع الرجال والاحتكاك بهم"، يقول محمد سيد، والد عزة، الذي يعمل حارس عقار في حي مصر الجديدة. "هددني أخي بقطع علاقته بي إذا عملت إبنتي ممرضة، قائلاً إنني تأثرت بأخلاق المدينة بعيداً عما تربينا عليه في بلدتنا"، يضيف سيد الذي ترجع أصوله إلى محافظة سوهاج في صعيد مصر. حالة عزة ليست إستثنائية. تقول الدكتورة حميدة حسين التي تعمل أستاذة  في معهد التمريض في القاهرة لرصيف22، إن هناك أُسراً ترفض أن تعمل بناتهن في هذا المجال، بل تقوم بسحب أوراق التسجيل بعد تقديمها لتأثرهم بما يقوله المحيطون بها عن المهنة. فهل لعبت الدراما دوراً في ترسيخ هذه الصورة السلبية للممرضات؟

3ممرضات لكل 1000 مواطن

من الصعب إثبات أثر الدراما المصرية على الصورة النمطية لـ "ملائكة الرحمة" في المجتمع، فقد تكون هناك أسباب أخرى تدفع الأهالي لمنع بناتهم من امتهانها. لكن الأرقام تظهر فجوة كبيرة بين أعداد الممرضات والاحتياج الفعلي في المستشفيات إذ وصل عدد الدارسات في كليات التمريض إلى 50 طالبة حداً أقصى وفي المدارس إلى 30، وفقاً للدكتور هشام مبروك، المتحدث بإسم نقابة التمريض في حديث لرصيف22. وقد أعلنت الدكتورة كوثر محمود، نقيبة التمريض في مصر، أن المستشفيات الجامعية تواجه نسبة عجز في أعداد الممرضات بإجمالي 11 ألف ممرضة، مقابل 9 آلاف في مستشفيات وزارة الصحة. "3 ممرضات لكل 1000 مواطن" هذه هي النسبة التي أعلنها مجدي مرشد، عضو لجنة الشؤون الصحية، مشيراً إلى أن مستشفى بني سويف الجامعي معرض للإغلاق بسبب نقص أعداد الممرضات، وهي أزمة ناقشها البرلمان وطالب بإيجاد حلول لها.
تحولت مهنة ملائكة الرحمة إلى عمل ترفضه العائلة لبناتها مما تسبب بأزمة ممرضات في مصر
"ما إن عرفت عائلتي برغبة إبنتي في دراسة التمريض حتى حذروني من هذه المهنة" هكذا تغيرت نظرة المجتمع للمهنة

من ملاك الرحمة إلى حلق حوش

أظهرت أفلام الخمسينات والستينات الجانب الملائكي لشخصية الممرضة، ومنها أفلام "ملاك الرحمة" و"نحن لا نزرع الشوك"، و"القلب له أحكام".
وفي بداية السبعينات أظهرت الأعمال الفنية الدور البطولي للممرضات، بالتحديد في الأفلام التي وثّقت لحرب أكتوبر 1973. لكن منذ بداية الثمانينات، توالى طرح أعمال فنية للصورة السلبية عن الممرضات، اللواتي يستخدمن المهنة ليبررن تأخرهن ليلاً وسوء سيرهن. فكان مثلاً فيلم "حلق حوش" بطولة ليلى علوي، وقد قدمت فيه البطلة شخصية فتاة ليل تعود إلى منزلها في وقت متأخر وأخبرت جيرانها أنها ممرضة. وفيلم "صباحو كدب"، بطولة أحمد آدم الشاب الكفيف الذي يتعرف على راقصة، أدت دورها أميرة فتحي، إدعت أنها تعمل ممرضة لتبرر عملها حتى ساعة متأخرة من الليل. وقد تناولت الباحثة همسة سعيد في دراسة عن " دور السينما المصرية في معالجة قضايا المرأة" تأثير الطرح السينمائي على الممرضات. ورأت أن السينما قد أبرزت السلبيات الموجودة في المهنة بشكل أكبر من عرض الإيجابيات. وأشارت إلى بحث تم إجراؤه عام 2008، كشف عن ظهور الممرضة في الأفلام بشكل يفتقر إلى الإنسانية، إضافة إلى اعتياد مظاهر العنف والألم، وهذا ما يؤدي إلى فقدان التعاطف مع المرضى. وظهرت أيضاً الممرضة السيّئة السمعة التي تحاول إقامة علاقة مع الأطباء.

رد اعتبار المهنة... في المحاكم

على مدار السنوات الماضية اجتهدت نقابة التمريض في تحسين صورة الممرضة من خلال تنظيم ندوات وحملات إعلامية. وقد رفعت دعوات قضائية ضد أعمال فنية تناولت المهنة بصورة مسيئة. فكان أولها مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" بطولة غادة عبدالرازق، التي أدت دور ممرضة تسرق الأدوية من أحد المستشفيات وتبيعها في السوق السوداء، بالإضافة لجرأة ملابسها وتصرفاتها، مما اعتبرته النقابة مسيئاً لسمعة الممرضات.
الدعوى القضائية الثانية كانت على فيلم "الحرامي والعبيط"، والذي تجسد فيه روبي شخصية "ناهد" وهي ممرضة سيئة السمعة تبيع أعضاء المرضى. وقد خرج على أثره ممرضات مصريات في مسيرات تندد بتصوير العمل الدرامي لمهنتهن.
يقول الدكتور مجدي حسن كليب، مدير مستشفى النساء والتوليد في جامعة عين شمس سابقاً لرصيف22 إن أزمة نقص أعداد التمريض بسبب قلة الإقبال على دراسة التمريض تؤثر بشكل كبير على تقديم الخدمة العلاجية على الوجه الأمثل. وتزداد خطورة الأمر في رعاية الأطفال المبتسرين على سبيل المثال، لأنه من المفترض توفر ممرضة لكل طفلين وهو ما يصعب تحقيقه، علاوة على الاضطرار للاستعانة بالممرضات المنقبات لصعوبة التعقيم.

السمعة السيئة للمناوبات الليلية

النظرة السلبية لمهنة التمريض الناتجة عن الأعمال الدرامية، هي ما دفعت ناهد حجازي (42 عاماً) إلى تقديم إجازة بدون مرتب من عملها الذي أمضت 20 عاماً فيه. قالت وهي تحمل رضيعها، محمد، إن زوجها اشترط عليها قبل الزواج ترك عملها، نظرا للسمعة السيئة لمهنة التمريض، التي تضطرها للمبيت خارج المنزل، فضلاً عن الظلام الدامس المسيطر على مستشفى حميات إمبابة، الذي تعمل فيه في الفترة المسائية. حاولت ناهد إقناع زوجها بالعمل لمدة خمس سنوات قبل التقدم بطلب الإجازة، لتضمن الحصول على معاش قيمته معقولة عقب بلوغها سن المعاش، وهو ما وافق عليه الزوج. "أنا بحب الشغل بس ده شرط جوزي من الأول ده نصيبي و أنا رضيت بيه"، تقول ناهد.

الجهل هو السبب

"الجهل وتدني مستوى التعليم يدفعان الناس للاكتفاء بما تعرضه لهم الدراما من معلومات وكأنها مقدسة، وبناء عليها يتخذون مواقفهم الخاطئة"، يقول الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس. وهو يرى أن المجتمع يميل للعنصرية تجاه بعض المهن الحيوية، ويعتبرها منبوذة برغم أهميتها الشديدة، مثل مهنة جامع القمامة التي ينظر لها بدونية شديدة. بالطبع لا يمكن القول إن الكل ينظر للممرضة بهذه الطريقة. فالفخر يملأ فاطمة عبدالسلام بإبنتها الكبرى، التي هي طالبة في السنة الأخيرة بمدرسة التمريض. عبدالسلام وزوجها حاصلان على مؤهل متوسط، وكلاهما يدعم الإبنة لاستكمال دراستها. ويردان بقوة على كلام أبناء بلدتهما في شأن دراسة ابنتهما. "ما زال أقاربي غير المتعلمين يرددون على مسامعي حديثاً قبيحاً عن سمعة الممرضات انطلاقاً مما يرونه في الأفلام من قصص غير حقيقية، لكني اعتدت الرد عليهم بقوة وإسكاتهم، حتى أنني ألحقت ابنتي الصغرى بدراسة دبلوم التمريض السنة الماضية لقناعتي بأهمية هذه المهنة"، تقول عبدالسلام.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image