في "مستشفى الجراحة التقويمية" الكائن في منطقة ماركا، أحد أحياء العاصمة الأردنية عمان، التقينا يحيى قليلة، الشاب اليمني الذي يعمل حالياً مديراً للتمريض في المستشفى. يقدّم المستشفى الذي افتتحته "منظمة أطباء بلا حدود" عام 2015 خدماته لضحايا الحروب القادمين من اليمن، سوريا، العراق وفلسطين.
"التمريض مهنة الرحمة، لكن الشعور بأهمية هذه المهنة وإنسانيتها يتضاعف مراراً حين تعمل ضمن كادر المستشفى. هنا تحديداً تشعر أنك فعلاً تقدم عملاً إنسانياً بحتاً، يهدف لمساعدة البشر بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى". هكذا يصف يحيى مشاعره تجاه عمله.
نحو 10 سنوات أمضاها يحيى في العمل ضمن الكادر التمريضي لمنظمة "أطباء بلا حدود"، حتى بات يشعر أنها جزء أصيل من حياته لا يستطيع الانفصال عنها.
يروي يحيى حكايته مع مهنة التمريض، وانضمامه إلى فريق "أطباء بلا حدود": "أنهيت دراسة التمريض من جامعة صنعاء عام 2007، لم أكن حينها أنوي الالتحاق بسوق العمل، كنت أفكر باستكمال دراساتي العليا". ويضيف: "لكن أذكر ذاك اليوم جداً، إذ شكل نقطة مفصلية في حياتي، كنت متجهاً إلى مدينة صعدة، بعد تخرجي مباشرة، لزيارة عائلتي. في الطريق رأيت مستشفى المنظمة بالصدفة، حينها شجعني صديقي للنزول وتقديم طلب عمل".
ويتابع: "لم أكن أعرف أي شيء عن المنظمة، أو طبيعة عملها، تقدمت بطلب عمل، وقابلني مدير المشروع، وتم تعيني بشكل فوري. غادرت لزيارة عائلتي، وعدت في اليوم التالي لمباشرة عملي الجديد".
ويوضح: "في يوم العمل الأول شرح لي مدير المشروع طبيعة الدور الذي تقوم به المنظمة والمهمات المطلوبة مني. المبدأ الرئيس كان تقديم المساعدة لكل شخص يحتاجها من دون تحيز، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية، أو انتماءات دينية أو عرقية أو اجتماعية أو سياسية".
ويشير يحيى إلى أنه في تلك الفترة، كانت المنظمة تعمل على تأسيس مستشفى ميداني. وكان الكادر قليلاً، وكان حجم العمل قليلاً كذلك. ومع اتساع المشروع زاد عدد المنتفعين، فتنقل بين أكثر من مشروع، داخل اليمن، واختلفت مهماته بين ممرض، ومساعد طبيب، ومشرف تمريض إلى أن وصل إلى مرتبة مسؤول تمريض. ويمكن القول إنه تنقل بين أكثر من 10 مشاريع مختلفة.
لقاء مع أحد العاملين في مستشفى الجراحة التقويمية الأول من نوعه في المنطقة، إذ أنه يهتم بضحايا الحروب والنزاعاتويتابع: "طبيعة العمل تقتضي التعامل مع عدد كبير من المسؤولين، ومديري المشاريع، تحديداً الأجانب، الذين يأتون لفترات محددة لا تتجاوز غالباً الـ6 شهور، هذا النظام ساهم في تعزيز مداركي وخبراتي العملية، إذ كنت في كل مرة أتعلم مهارات جديدة". تقدم المنظمة الإنسانية الخيار للعاملين معها في الذهاب إلى الدول التي تحتاج لمساندة الكوادر الطبية، بينما يحدد الشخص إذا كان البلد المطروح مناسباً له أم لا. ويقول يحيى: "مع الوقت شعرت أنني بحاجة للعمل خارج أرض الوطن، لأن ما تكتسبه من قيم في المنظمة يزرع بك الرغبة لتقديم المساعدة في دول أخرى بحاجة إلى مساعدة أكبر. تقدمت بطلب عام 2013، وتم إعلامي أن هناك حاجة لممرض في الصومال، حيث كان الكادر الأجنبي 4 أشخاص فقط، وكانت الاحتياجات كبيرة، خصوصاً مع انتشار وبائي الكوليرا والحصبة في تلك الفترة. أذكر حدوث وفاة نحو 12 طفلاً في أحد المخيمات في الصومال، كان أمراً محزناً، وفي الوقت نفسه دافعاً لتقديم خدمة أفضل في هذا الظرف الصعب". المستشفى الذي كان يعمل به يحيى، كان يقدم خدمات الجراحة والتوليد والرقود. لكن مع انتشار وبائي الكوليرا والحصبة، اُفتتح قسم جديد، وعيادة متحركة لتسهيل الوصول إلى المرضى. استمرت خدمة يحيى في الصومال 3 شهور، بعدها أراد العودة إلى اليمن لقضاء شهر رمضان وعطلة العيد، على أن يعود لاحقاً بعد الإجازة، لكن نتيجة للظروف والتحديات الأمنية، أغلق المشروع في الصومال. بعد ذلك عاد يحيى للعمل في اليمن، كمدير للتمريض، إلى أن طلبت منه المنظمة العمل في الأردن في المستشفى الجراحي التأهيلي، نهاية عام 2014. تدير المنظمة منذ العام 2006 برنامجاً جراحياً متخصصاً لضحايا النزاعات، واعتمدت على مستشفى الهلال الأحمر الأردني، لإجراء برنامجها، لكن مع تزايد عدد الحالات والحاجة إلى مستشفى أكبر حجماً، انتقل البرنامج إلى مبنى جديد يقع مع منطقة ماركا، أحد أحياء عمان الشرقية. يتسع المستشفى لنحو 145 مريضاً ويقدم عمليات ترميم الحروق، وجراحات الفك والأطراف والعظام أو ما يعرف "بالجراحات التأهيلية"، كما توفر المنظمة إقامة للمنتفعين في أحد الفنادق، تصل قدرته الاستيعابية لنحو 70 سريراً. ويقول يحيى: "التجربة في الأردن مختلفة. المشروع هنا كبير الحجم. التحقت في المرحلة التأسيسة التي لم تكن مرحلة سهلة خصوصاً أنها كانت مرحلة توسعة من عمل على إطار ضيق إلى عمل على إطار أوسع، كما أنه مهنياً كانت مرحلة مختلفة. فسابقاً كنت أتعامل مع حالات الطوارئ، أما اليوم فانتقلت إلى مجال مختلف وهو التأهيل". ويتابع "العمل هنا تجربة فريدة، نحن نتعامل مع ضحايا حروب ونزاعات، منهم من فقد معالم وجهه، نتيجة انفجار أو فقد أطرافه، هنا يصنع الأمل والتغيير لحياة أشخاص. نستقبل شهرياً نحو 60 حالة، كل حالة هي حياة إنسان ومستقبل يعتمد على ما يتلقاه هنا من علاج وتأهيل". ولفت إلى أنهم يتعاملون مع مرضى وضحايا من أربع دول هي سوريا، العراق، اليمن وفلسطين. وهذا "التنوع في جنسيات المرضى هو أيضاً أمر آخر مميز". يدعو يحيى الكوادر الطبية العربية من أطباء وممرضين للالتحاق في فريق المنظمة، ويقول: "ليست المسألة في ما تحققه من عائد مادي، فما تحصل عليه مع أطباء بلا حدود يختلف كثيراً، هنا تشعر بإنسانيك، وكيف تكون إنساناً قبل كل شيء".
ترغبون بالعمل مع منظمة "أطباء بلا حدود"؟ ندعوكم لزيارة هذا الرابط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين